اليوم .. الكنائس تختتم صوم السيدة العذراء باحتفالات روحية وشعبية واسعة    «العربية للعلوم » تفتح أبوابها للطلاب بمعرض أخبار اليوم للتعليم العالي    «تربية حلوان» تطرح برنامج معلم اللغة الإنجليزية للمدارس الدولية واللغات    تعرف على سعر الذهب اليوم الخميس.. عيار 21 يسجل 4555 جنيها    جامعة القاهرة تطلق استراتيجة للذكاء الاصطناعي بمؤتمر CU-AI Nexus 2025    هل يتم دفع ضريبة عند إعادة بيع الذهب؟.. توضيح من الشعبة    رينو أوسترال... تكنولوجيا متطورة وفرصة تمويل استثنائية من ألكان للتمويل    إيران: العقوبات الأمريكية على قضاة بالجنائية الدولية تواطؤ في إبادة وقتل الفلسطينيين    كامل الوزير يزور السعودية لبحث عدد من الملفات    القدس للدراسات: الحديث عن احتلال غزة جزء من مشروع «إسرائيل الكبرى»    واشنطن تبرم صفقة مع أوغندا لاستقبال اللاجئين    "رياضة الدقهلية" تكرم مركز اللياقة البدنية الفائز بالمركز الثالث على مستوى الجمهورية    مقتل أخطر 6 عناصر إجرامية فى مواجهات أمنية بأسوان    نتيجة تحليل المخدرات للسائق المتهم بالدهس بكورنيش الإسكندرية    شيرى عادل تنضم لأسرة فيلم حين يكتب الحب    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد المشروع الصيفي للقرآن الكريم بأسوان    لا أستطيع أن أسامح من ظلمنى.. فهل هذا حرام؟ شاهد رد أمين الفتوى    نجاح أول عملية استئصال ورم بتقنية الجراحة الواعية بجامعة قناة السويس    مستشفيات جامعة قناة السويس تواصل ريادتها بعملية ناجحة لإصلاح الصمام الميترالي بالمنظار    جيش الاحتلال يعلن إصابة جندي بنيران المقاومة شمال غزة    لبنان.. بدء المرحلة الأولى من تسليم سلاح المخيمات الفلسطينية    أول رد رسمي على أنباء توقف أعمال الحفر في ستاد الأهلي    7 عروض أجنبية في الدورة 32 من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    محمد الشناوي غاضب بسبب التصرف الأخير.. مهيب يكشف تفاصيل حديثه مع حارس الأهلي في عزاء والده    تخفيضات تصل إلى 50%.. موعد انطلاق معارض أهلًا مدارس 2025- 2026    لجنة الحريات بنقابة الصحفيين تعلن تضامنها مع الزملاء بصحيفة "فيتو" بشأن بيان وزارة النقل    195 عضوًا بمجلس الشيوخ يمثلون 12 حزبًا.. و3 مستقلين يخوضون الإعادة على 5 مقاعد في مواجهة 7 حزبيين    الاتحاد السكندري ل في الجول: تأجيل مكافأة الفوز على الإسماعيلي لما بعد مباراة البنك الأهلي    القصة الكاملة لتحويل بدرية طلبة للتحقيق: بدأت بتجاوزات وانتهت بمجلس التأديب    أحدث ظهور لنادية الجندي بإطلالة صيفية جريئة على البحر (صور)    لو كنت من مواليد برج العقرب استعد لأهم أيام حظك.. تستمر 3 أسابيع    رغم قرار رحيله.. دوناروما يتدرب مع سان جيرمان    تقرير: رابيو يعرض نفسه على يوفنتوس    جني جودة تحصد 3 ذهبيات ببطولة أفريقيا للأثقال وشمس محمد يفوز في وزن + 86كجم    فانتازي يلا كورة.. انخفاض سعر ثنائي مانشستر سيتي    خالد الجندى ب"لعلهم يفقهون": الإسلام لا يقتصر على الأركان الخمسة فقط    جولة لرئيس شركة الأقصر لمتابعة العمل بمحطة المياه الغربية.. صور    "جهاز الاتصالات" يصدر تقرير نتائج قياسات جودة خدمة شبكات المحمول للربع الثاني    فتح: مخططات نتنياهو للاجتياح الشامل لغزة تهدد بارتكاب مجازر كارثية    جنايات بنها تنظر أولى جلسات محاكمة المتهم بخطف طفلة والتعدى عليها بشبين القناطر    وكيل صحة الإسماعيلية تفاجئ وحدة طب أسرة الشهيد خيرى وتحيل المقصرين للتحقيق    الجامعة المصرية الصينية تنظم أول مؤتمر دولي متخصص في طب الخيول بمصر    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في نهاية تعاملات الخميس    جامعة أسيوط تعلن مواعيد الكشف الطبي للطلاب الجدد    وزير الثقافة يعلن محاور وأهداف المؤتمر الوطني «الإبداع في زمن الذكاء الاصطناعي»    مستخدمًا سلاح أبيض.. زوج ينهي حياة زوجته ويصيب ابنتهما في الدقهلية    «الصحة»: وفاة شخصين وإصابة 18 في حادث تصادم طريق «الإسكندرية - مطروح»    «الأرصاد» تحذر من حالة الطقس يومي السبت والأحد.. هل تعود الموجة الحارة؟    كيفية صلاة التوبة وأفضل الأدعية بعدها    نائب وزير الصحة يبحث مع رئيس الأكاديمية العربية للنقل البحري سبل التعاون    رفضه لجائزة ملتقى الرواية 2003 أظهر انقسامًا حادًا بين المثقفين والكتَّاب |السنوات الأولى فى حياة الأورفيلى المحتج    مديريات التعليم تنظم ندوات توعية لأولياء الأمور والطلاب حول البكالوريا    مدبولي: نتطلع لجذب صناعات السيارات وتوطين تكنولوجيا تحلية مياه البحر    الداخلية: تحرير 126 مخالفة للمحال المخالفة لقرار الغلق لترشيد استهلاك الكهرباء    هل يوجد زكاة على القرض من البنك؟.. أمين الفتوى يجيب    أخبار مصر: اعترافات مثيرة ل"ابنة مبارك المزعومة"، معاقبة بدرية طلبة، ضبط بلوجر شهيرة بحوزتها مخدرات ودولارات، إعدام سفاح الإسماعيلية    توسيع الترسانة النووية.. رهان جديد ل زعيم كوريا الشمالية ردًا على مناورات واشنطن وسيول    وزارة الأوقاف تطلق صفحة "أطفالنا" لبناء وعي راسخ للنشء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. أحمد نوار : حكاية 15 إسرائيليا رقصوا على بندقيتى رقصة الوداع
نشر في أكتوبر يوم 24 - 10 - 2010

عبر القناة 6 مرات، وقنص 15 إسرائيلياً كأنه فى رحلة صيد، أثار الفزع بين جنود العدو، حفظ خط بارليف عن ظهر قلب لحين تدميره ساعة الحسم، حصل على وسام الشرف فى التنشين من اللواء عبدالمنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى.. كان ولا يزال ملء السمع والبصر، إنه د.أحمد نوار المقاتل الذى مازال يعيش على روح أكتوبر، رسم بفرشاته الثائرة بطولات المصريين فى بورسعيد والسويس، وصور شراسة المقاتل المصرى فى حرب الاستنزاف وإصراره على الثأر فى معركة التحرير. طاف بأعماله الفنية جميع دول العالم ليكشف من خلالها جرائم إسرائيل فى صبرا وشاتيلا ومأساة الفلسطينيين فى الشتات.
استوحى مكوناته الفنية من عناصر القرية المصرية، واعتمد فى خياله على شواهد الطبيعة، وشعاع الشمس، وضوء القمر، وسماحة الأرض، وسكون الغروب، ليتمازج الواقع مع الخيال وينصهر الفكر فى بوتقة الإبداع ليتشكل لنا فى النهاية فنان كبير القيمة والقامة، أطلقوا عليه فى الخارج المقاتل الثائر، وأطلقنا عليه فى الداخل الفتى القناص، إنه الفنان المبدع المتواضع د.أحمد نوار.
*ماذا عن مفتاح شخصية د. أحمد نوار؟
**نشأتى فى القرية هى البذرة التى ساهمت فى تكوين شخصيتى وتشكيل رؤيتى الفنية، والتى اعتمدت فى مراحلها الأولى على عادات وتقاليد وسلوكيات أبناء الريف والثقافة الفطرية الأصيلة التى تميز بها أهالى قريتى «يوسف بك شريف» التابعة لبلدة الشين مركز قطور غربية، حيث نشأت بين ربوعها، وتأثرت بالمكنون الفنى الرابض وراء العمارة التلقائية فيها، والتى لم تخل يوماً من مسحة جمال طبيعى، حيث السماء الصافية والمساحات الخضراء، والأشجار الوارفة، والطبيعة النقية، وهى المكونات الطبيعية التى رفعت من قيمة الجمال الروحى لأغلب أبناء القرية، فحياة الريف كونت منهجية تعاملى السلوكى فى الحياة، وولّدت ملامح خاصة فى رؤيتى البصرية، والعقلية والقلبية، كما أنها شكلت معالم خاصة فى وجدانى الفنى وبالتحديد سلوكيات المزارع حيث حياة البكور، والذهاب للحقل، والانتظار حتى ينضج المحصول، ورائحة المناسبات الدينية وإقامة الاحتفالات فى الموالد والأفراح والالتزام، والنظام، وتحمل المسئولية والبحث عن روح التحدى والإرادة خاصة بين الشباب الذى يذهب الجزء الأكبر منه إلى الحقل فى فتوة بالغة ويذهب الجزء الأقل إلى التعليم بغرض النهوض والتميز، والبحث عن الأفضل دائماً.
*لكن من أين نشأت موهبة الرسم عند الطفل أحمد نوار؟
**كل إنسان عنده ذائقة فنية، يولد بها، وأحب أن أقول لك إن الجمال موجود فى الكون، ولا يحس بالجمال إلا أصحاب القلوب الجميلة والأرواح الصافية ولذلك قالوا: والذى نفسه بغير جمال.. لا يرى فى الوجود شيئاً جميلاً.
قد تأثرت بشقيقى الأكبر عادل، فقد كان بارعاً فى فن الرسم، لدرجة أنه كان يرسم الحيوانات والأشجار، والمنازل والحارات والأشخاص صورة طبق الأصل من الواقع، ومن هنا بدأ التميز، وتنمية الموهبة مما أتاح لى فرصة التفوق على أقرانى فى مدرسة الشين الابتدائية والتى كانت تهتم بالمواهب الصغيرة.
*وهل اهتمت مدارس الريف بالمواهب الصغيرة آنذاك؟
**مدارس الحكومة فى تلك الفترة كانت تهتم بالمواهب الصغيرة، بل كانت بها جماعات للشعر والمسرح والقصة القصيرة، والرياضة، والرسم، والفن التشكيلى، كما كان مدراء المدارس يحرصون على إقامة مسابقات أدبية ورياضية وترفيهية وفنية لاكتشاف المواهب الشابة، ولا أكون مبالغاً إذا قلت لك صراحة، إن أغلب القيادات التى تحكم مصر الآن هى نتاج مدارس حكومية كانت ولا زالت قابعة فى الريف المصرى، فرؤساء مصر بداية من نجيب وعبد الناصر، والسادات، ومبارك هم نتاج القرية المصرية، كما أن كبار قادة القوات المسلحة الذين حملوا على أكتافهم ملحمة العبور هم من أبناء القرية المصرية.
*قل لى بصراحة.. هل استفدت من الماضى فى حياتك الفنية؟
**طبعاً تعلمت الإرادة والتحدى والإصرار على النجاح، والإخلاص والاجتهاد، وقد علمنى والدى - رحمه الله - أن الذى يحب عمله، يكون إنساناً ناجحاً، حيث تنشأ بينه وبين العمل حالة من الرضا، ومن هنا يأتى النجاح، وفى المقابل يأتى الفشل إذا نشأت حالة من التمرد بين العمل وصاحبه، ويظهر هذا فى افتعال معارك جانبية لإضاعة الوقت، وخلق بطولات وهمية لا أساس لها فى الواقع.
*وماذا عن مواقف الإرادة والتحدى فى حياة د. أحمد نوار؟
**فى مطلع الخمسينات ظهر فى قريتنا مجرم خطير اسمه «السيد رجب» وكان والدى يفرض علينا حظر التجوال بعدم السير ليلاً لعدم الاحتكاك بأعوان هذا الشبح الذى أطلقنا عليه آنذاك خط الصعيد، وقد كان صورة طبق الأصل من فتوات نجيب محفوظ فى المدينة.
فى هذه الأثناء كنت أتحدى هذا الخط، وأخرج دون علم والدى مع مجموعة من الأطفال، على أمل مقابلته، إنه نوع من المغامرة التى تستهوى أطفال قرية الشين، وكل القرى المصرية، والتى كانت تتحول إذا ما حل عليها الليل إلى ما يشبه ظلام دامس لعدم وجود الكهرباء التى كنا نسمع عنها فى الكتب. وعندها شكلت فريقاً للكشافة وتوجهت على رأس الفريق إلى نقطة الشرطة طالباً سرعة القبض على الخُط وطلبت من والدى شراء بندقية لقتله، فاشترى لى بندقية رش لصيد العصافير، بعدها لقى الخُط حتفه على يد أحد أبناء العائلة والذى كان يترقبه بالمرصاد.
حكايات العباسى/U/
ويضيف د. نوار أنه وهو طفل صغير كان يجتمع مع زملائه، للاستماع إلى حكايات محمد العباسى هذا البطل الأسطورى الذى كان يجتمع كل ليلة مع الشباب ويحكى لهم عن بطولة المقاومة الشعبية فى بورسعيد.
*وماذا عن مرحلة الشباب؟
**تركت القرية ودخلت المدرسة الثانوية الفنية بطنطا على غير رغبة والدى الذى كان يعتقد أن آخر منتهى تلك المدارس هو تخريج الصنايعية والنقاشين، إلا أننى تفوقت والتحقت عام 1962 بكلية الفنون الجميلة، ولأن الفن كان يسرى فى دمى ولا يزال، فقد أقمت عام 1965 أول معرض بجمعية الكُتّاب والفنانين المعروفة فنياً بأتيليه القاهرة، وفى حفل الافتتاح حضرت مجموعة من الأعيان وبعض المسئولين وكان على رأسهم أحمد طعيمة، عضو الاتحاد الاشتراكى والمذيعة اللامعة سلوى حجازى صاحبة برنامج «الفن والحياة»، التى فقدت حياتها فى حادث الطائرة الأليم بعد إصابتها بصاروخ إسرائيلى على أرض سيناء، وبعد أول معرض - كما يتذكر د.نوار - غيّر والدى نظرته للفن وبدأ فى دعمى وتشجيعى لدرجة أنه عاتبنى أكثر من مرة لأننى اخترت اسم «نوار» وهو اسم العائلة ولم اختر اسمه على الأعمال الفنية.
*ما هى الفكرة الرئيسية التى كانت تدور حولها الأعمال الفنية فى الستينات؟
**بعد دراستى لفن الجرافيك ورسم الموديل أو الحفر الصامت بدأت التعبير عن ذاتى، والانشغال بهموم الوطن، وكانت تطفو على السطح آنذاك مأساة اللاجئين الفلسطينيين، ومذابح صبرا وشاتيلا، وحرب فيتنام، والتفرقة العنصرية فى جنوب أفريقيا، والعدوان الثلاثى على مصر، والمقاومة الشعبية فى مدن القناة.
*هل عاودك الحنين إلى أعمال الكشافة؟
**فى عام 62 أى فى سنة أولى جامعة استعنت باثنين من الأصدقاء هما محسن وستالين وقررنا زيارة كل الحدود المصرية سيراً على الأقدام، فذهبنا إلى مطروح والسلوم وسيناء وصحراء مصر الشرقية والغربية واسكندرية وأسوان إلى أن قطعنا 7 آلاف كيلومتر فى أربعة أشهر متصلة، حيث عايشنا عن قرب سلوكيات وثقافات المصريين فى النوبة والصعيد، وتعلمنا الشجاعة والجسارة والصبر، وحُسن التصرف، بالإضافة إلى التأمل، ودراسة الآثار، يقول د. نوار الرحلة كانت عذاباً فى عذاب، ولكن نتائجها لا تقاس بأموال.
*وأين دور المجلس الأعلى للشباب والرياضة فى ذلك الوقت؟
**المجلس الأعلى آنذاك كان يمنح التصاريح لمن قطع 4 آلاف كيلومتر، وقد نجحنا فى قطع 7 آلاف كيلو، ولهذا فقد منحنا المجلس عام 1966 تصريحاً بالسفر إلى مجموعة من الدول العربية.
*وهل كان السفر ممهداً؟
محسن وستالين/U/
**اتجهت أنا ومحسن وستالين إلى بورسعيد ثم الإسكندرية بغرض البحث عن شركة ملاحة حتى نتمكن من السفر، وهناك التقينا برئيس مجلس إدارة إحدى شركات الملاحة، والذى كان كشافاً قديماً حيث سهّل علينا المهمة، واتصل برئيس شركة ملاحة يونانى الذى وفّر لنا ثلاث تذاكر سفر مجانية من الإسكندرية لقبرص وبيروت ذهاباً وإياباً، إلا أننا لم نلتزم بخط السير، وانتقلنا من بيروت إلى اللاذقية فى سوريا، ثم اجتزنا حدود العراق، ومنها إلى الكويت ثم إلى دمشق مرة ثانية، وعندها قرر محسن العودة إلى مصر، وفضّل ستالين البقاء فى دمشق، أما أنا فقد صممت على زيارة الأردن والقدس، حيث تفرق شملنا لأول مرة، ولكن بعدها بأيام رفض ستالين البقاء فى سوريا وقرر اللحاق بى إلى القدس الشرقية.
*نحن الآن نقترب من 5 يونيه 1967.
**نعم لأنه ما بين عامى 1966 و1967 كنت فى السنة النهائية من بكالوريوس الفنون الجميلة، استعداداً للانخراط فى الحياة العملية، بعد اختيارى مشروع التخرج، والذى كان عبارة عن لوحة فنية كبيرة عن يوم الحساب، وقبل الانتهاء منها بشهر حدثت هزيمة 1967 ولم تكتمل اللوحة، وتقدمت مع مئات الطلاب إلى صفوت المقاومة الشعبية فى مدن القناة، وإفراغ شحنات الغضب فى شكل لوحات فنية تؤكد صمود المقاتل المصرى، من خلال أصله الحضارى المتجذر فى حلقات التاريخ، ومع نهاية 67 عدت إلى الجامعة مرة ثانية وكنت الأول على الدفعة.
وفى عام 68 رسمت لوحة فنية 60×60 تدور حول استعداد وترقب المقاتل المصرى للأخذ بالثأر، وتلاحمه مع السلاح والأرض، وأتذكر أن هذا العمل الفنى حصل على المركز الأول عالمياً فى بينالى أسبانيا الدولى، مع منحه دراسية 4 سنوات بجامعة مدريد، وكان لابد من موافقة القوات المسلحة قبل السفر، وتوالت المفاجآت، حيث أخذنى مندوب التجنيد إلى مركز التدريب مباشرة لتبدأ مرحلة القتال الحى.
*د. أحمد كيف التحقت بسلاح القناصة؟
**فى مركز التدريب نجح القادة العسكريون فى شحن الشعور الوطنى وضرورة الثأر من العدو الغاصب، وتمنينا، ونحن شباب، ملاقاة هذا العدو وجهاً لوجه، وبالتالى فقد تفوقنا على أنفسنا فى فنون القنص والقتال، فبعد 45 يوماً من التدريب الشاق تم إلحاقى بسلاح خطير، وهو سلاح القناصة، وقد حزت على إعجاب القادة فى الرمى والتنشين، حتى صار القنص بالنسبة لى عملاً مقدساً ذكرنى بالقناصين العباقرة فى أفلام السينما الأمريكية.
*وما هى مواصفات القناص؟
**الشرط الأول لنجاح القناص هو هدوء الأعصاب والاتزان إلى حد يشبه البرود والانفصال عن الواقع دون النظر لأصوات الرصاص، ودانات المدافع بالإضافة إلى الشجاعة التلقائية، والقدرة على التمويه والترقب حتى ينجح فى الوقوع بالفريسة وهى مغيبة الوعى، ولا يتم ذلك إلا بخيال واسع يحل شفرة تحركات، وتمويهات العدو، وهى مقومات كانت متوافرة سلفا فى الفنان التشكيلى المعيد بكلية الفنون الجميلة والمقاتل أحمد نوار.
ساعة الحسم/U/
*متى بدأت ساعة الحسم؟
**غادرت مع زملائى مركز التدريب بالهايكستب، متوجهاً إلى الجبهة وأصبحت فى مواجهة مباشرة مع العدو، على شاطئ القناة الممزق، الذى لا يختلف كثيراً عن القدس المحتل، فى القدس كنت سليباً كسيراً، أما الآن فأنا رجل مسلح، رابض فى خندقى بالدفرسوار لا أعرف إلا لغة الافتراس وفى موقع الفردان تعودت على جحيم الحرب، حيث أصوات القنابل، وأزير الطائرات، وفى لحظة من الزمن شاهدت قذيفة أطاحت بحياة الشهيد عبدالمنعم رياض الذى تقدم فى أحد المواقع الأمامية لمراقبة تحركات العدو.
توطدت علاقتى بقائد فصيلة القنص الملازم حافظ عبد الرحمن، وكان ضابطاً نوبياً يشبه إلى حد كبير الظل الذى يعطى الأمان، أعطانى برتقالة وقال سنعيش معاً، ونموت معاً حتى نحرر هذه الأرض.
موعد مع الذئاب/U/
عند مدخل البحيرات المرة فى لسان الدفرسوار رأيت بالعين المجردة خوذة وتحتها عينان لجندى إسرائيلى يتلصص الطريق، راقبته أسبوعاً دون أن أحرك ساكناً، لقد أحسست أننى أقوم بدور الممثل، لم أكن أصدق أن فنانا مثلى تعود على الرسم بالفرشاة، أن يقتل إنساناً آخر، حتى لو كان عدواً، لكن عدت على أعقابى وتذكرت أرضى السليبة ووطنى الكليم.. وأخذت موقعى وراء نخلة تبرز شواشيها من الساتر الرملى الذى أقمناه فى موقع الدفرسوار، وعندما تهيأت لضرب الجندى الإسرائيلى انهمرت علىّ رصاصات الغدر من رشاش نصف بوصة فتجردت من شجاعتى لحظة، وقفزت بعيداً عن النخلة 4 أمتار لأجد بعض زملائى فى استقبالى، والبعض الآخر قد صنع لى كوباً من الليمون لاستعادة توازنى وعندها بكيت على ضياع الفرصة، ولكن يكفينى أننى نلت شرف المحاولة.
وقررت كما يقول د. نوار حمل بندقيتى من جديد، وبحثت عن موقع آخر أكثر خفاءً وأقرب للهدف، وفى لسان الدفرسوار، كان يوجد لسان آخر توجد على شاطئه فيلا قديمة، بجوارها ساتر من مراكب الصيد القديمة، وقفت خلفها، فرصدت فريسة جديدة تتثاءب، ربما يكون الشخص الذى حاولت قنصه، وربما يكون زميلاً له، ضبطت بندقيتى نحوه، واستفدت بدراسة الفن، وروائع خيال الظل فى الفن المسرحى القديم، فى هذه اللحظة العصيبة التقى الفنان نوار مع الفتى القناص، أخرجت فوهة بندقيتى من فتحة صغيرة بين مراكب الصيد المتهالكة وبعد البسملة، دست على الزناد، وأصبت الهدف فى رأسه، وسحبت بندقيتى تاركاً موقعى، لقد كان علىّ بعد نجاح العملية قطع 150 متراً فى أقل من 30 ثانية حتى أكون فى مأمن من رصاصات العدو، انتهت المهمة، وكانت الجائزة قنص أول جندى، وأخذ يرقص وكأنها رقصة الوداع.
خيال الظل/U/
وبعد عملية القنص الأولى لجأ الإسرائيليون إلى حيلة بسيطة، وقاموا برفع ساتر من الخيش على سطح الخندق بحيث يتخفى وراءه الجندى، ويراقب المواقع المصرية على الضفة الغربية، ولكن حكاية ساتر الخيش كانت بمثابة المعين لى على إصابة الهدف لأننى استفدت من خيال الظل كما قلت فى المسرح الإغريقى القديم، فكلما كبر حجم الظل على الخيش كانت الفريسة أبعد، وكلما قل حجم الظل تأكد لى أن الفريسة خلف الخيش مباشرة، ومن خلال هذه النظرية نجحت فى قنص الفريسة الثانية، عندها حصلت على مكافأة قدرها 5 جنيهات من اللواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى الميدانى، ورغم ضآلتها، فإنها كانت تساوى عندى كنوز الدنيا، لأننى اعتبرت أن رأس الإسرائيلى لا تزيد على 5 جنيهات.
*هل توقفت بعد ذلك؟
**طبعاً.. لم أتوقف حيث توالت الأحداث وبعد الفريسة الثالثة ابتكر الإسرائيليون حيلة جديدة ولكنا غبية، بأن وضعوا على سطح الخنادق شبكة من الخيط، وبالتالى كان لها فضل كبير فى صيد الفريسة رقم (4) الذى أطل برأسه من أحد الخنادق المغطاة فتحركت شبكة الخيط، عندها ضبطت زاوية الضرب والصليبة، وضغطت على الزناد بعد تصويب البندقية على رأس القناص الإسرائيلى والفضل كما قلت يرجع إلى خيوط الشبكة التى تحولت إلى ريشة ترسم أجزاء الجسم تحت أشعة الشمس الغاربة، وهكذا استمرت لعبة القط والفأر بين الفتى القناص والموقع الإسرائيلى.
*وماذا عن الفريسة الجديدة؟
**يقول د. نوار بعد الفريسة رقم (5) ظللت أمضغ أزهار الأمل حتى جاءت الفريسة رقم (6) رأيته عارياً تماماً كما ولدته أمه رأيته يستحم أمام باب الموقع بلا أدنى خجل، ينزح الماء على رأسه بنشوة وانتصار، اعتقد أنه فى مأمن، الدبابات عن يمينه، والصواريخ الموجهة فوق رأسه، لم أنتظر لحظة واحدة حتى لا يغيب عن عينى، أو يبتلعه الملجأ الحصين، وقبل أن يقول لنفسه «نعيماً»، قلت له أنا على لسان رصاصتى نعيماً مقدماً، وقد كان حيث خر صريعاً، وسقط الكوز من يده، وسال دمه الثقيل على أرض سيناء الحبيبة، ومن ناحيتى انطلقت كالريح لأقرب موقع مصرى حيث كان يبعد عن مكان الحدث 180 متراً، قطعتها فى ثوان معدودة، ولكن قبل الوصول دفنت نفسى وسلاحى فى حفرة عميقة قد هيأها القدر لى لأنجو من قذيفة صاروخ سقطت على بُعد أمتار من موضع طيران قدمى.
شهادات وبطولات/U/
*هل يتذكر د. أحمد نوار إجمالى ما اقتنصه من جنود العدو؟
**نجحت فى اقتناص 15 جندياً إسرائيلياً، وكل واحد منهم كانت له ظروف معينة، وقد حصلت على الكثير من الجوائز والميداليات، والأوسمة، وشهادات التقدير، واعترافات الضباط والقادة والجنود الذين رفعونى على رؤوسهم تقديراً للدور الذى كنت أقوم به على الجبهة المصرية مع العدو.
*بعيداً عن ذكريات الحرب.. ماذا عن أحمد نوار الفنان؟
**كما قلت لك إن كل إنسان عنده ذائقة فنية ينميها بمهارات ومعارف وحرص على النجاح، وقد تأثرت بشقيقى الأكبر عادل فى فن الرسم، وقمت بتنمية هذه الموهبة أو الذائقة بالتحاقى بالمدرسة الفنية الثانوية بطنطا، ثم التحاقى بكلية الفنون الجميلة، وتخرجى فيها عام 1967 وفى عام 68 فزت فى بينالى أسبانيا بالمركز الأول على مستوى العالم، فى لوحة تدور حول حالة الاستعداد والترقب التى يعيشها المقاتل المصرى وكان ذلك من خلال جمعية خريجى كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، إلا أننى لم أسافر لظروف الحرب، وفى 1971 سافرت إلى أسبانيا للحصول على المنحة الدراسية المؤجلة حتى عام 75، وآنذاك حصلت على دبلوم فن الجرافيك من أكاديمية سان فرناندو بمدريد، ودبلوم فن التصوير الجدارى ودرجة الأستاذية فى فن الرسم من نفس الأكاديمية، ثم الحصول على معادلة علمية لدرجة الدكتوراة المصرية.
*وماذا عن نشاط د. أحمد نوار دولياً؟
**أقيمت لى مئات المعارض الفنية فى الداخل والخارج لدرجة أنه يصعب إحصاؤها، بالإضافة إلى حديث عشرات الصحف المحلية والعالمية، بالإضافة إلى وسام الدولة للفنون والعلوم من الطبقة الأولى عام 79 وميدالية نوبل الذهبية فى 1986 ووسام الاستحقاق المدنى من ملك أسبانيا خوان كارلوس عام 1992 ووسام أوفيسيه الفرنسى فى الآداب والفنون من الحكومة الفرنسية عام 1995، وجائزة أوسكار الدولية من المؤسسة الأمريكية للسيرة الذاتية، ووسام الاستحقاق الدولى من المؤسسة الدولية جامعة كمبردج بريطانيا، ثم وسام الاستحقاق الروسى بالإضافة إلى تسجيل د. أحمد نوار فى الموسوعات العالمية بالهند وفرنسا، وبريطانيا، وأمريكا، وأسبانيا.
*د. أحمد.. هل الفن التشكيلى هو فن الصفوة كما يتردد؟
فنان صغير/U/
**كل إنسان بداخله فنان صغير، بمعنى أن كل واحد له ذائقة جمالية خاصة به، حتى الفلاح الفطرى له مكوناته الخاصة، وعلى سبيل المثال فوالدى رحمه الله كان يتمتع بروح فكاهية جميلة، وكان يطلق الأفيهات الراقية التى تنم عن ذكاء فطرى، وكان لا يرى نفسه إلا وسط أهله بالجلباب البلدى، أما والدتى فكانت أجمل من منيرة المهدية وكانت عاشقة للجمال والفن أيضاً، معنى هذا أن الرؤية الجمالية لا تقتصر على شخص دون آخر، فهى موجودة فى كل البشر.
ومن المعلوم أن الفلاح يحرص على تشكيل المكونات البصرية الجميلة فى منزله فتجده مثلاً يخلق نوعاً من التجانس وتنسيق الصور على الحائط، فمثلاً يضع الآيات القرآنية، أعلى الحائط، ثم صور أولياء الله الصالحين، وصور الزعماء والرؤساء، ثم صور الفنانين والأبناء، والسؤال من الذى علم هذا المزارع البسيط هذا التسلسل الجمالى، إنها الذائقة الفنية ونداهة الجمال التى تعيش فى وجدان كل إنسان فينا.
*وماذا عن الفن فى حياة رجال الأعمال؟
**بعض رجال الأعمال لهم اهتمامات خاصة بالفن ويحرصون على اقتناء الأعمال الفنية الجميلة ولا تنسى أن رجل الأعمال نجيب ساويرس أول من رصد مليون جنيه لمن يعرف شيئاً عن لوحة زهرة الخشخاش، وهو فعلاً يحرص على اقتناء اللوحات لأنه يدرك قيمته التاريخية، وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فإن رجل الأعمال الشهير أحمد عز وعدنى بالزيارة أكثر من مرة، لأنه رجل يقدر الفن والجمال أيضاً وأنا أقدر مشاغله الكثيرة، هذا بالإضافة إلى رجل الأعمال د.أحمد بهجت ود. محمد فريد خميس، اللذين اشتريا منى لوحات فنية رائعة لتكون من ضمن مقتنياتهما الخاصة.
إن الكثير من رجال الأعمال عندنا أصحاب نفوس صافية وروح جمالية رائقة وليس كما يدعى أعداء النجاح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.