اجتاحت المظاهرات دول الاتحاد الأوروبى احتجاجاً على خطط التقشف التى أعلنتها حكومات دول الاتحاد لسد العجز فى موازنتها والذى وصل لأرقام قياسية وسط أزمة اقتصادية طاحنة خرجت من أمريكا واجتاحت كل دول العالم، وأثرت بقوة على اليونان ولم تنج منها فرنسا أحد أكبر اقتصاديات منطقة اليورو أو حتى الأسد البريطانى الذى ظل محتفظاً بالجنيه الاسترلينى، وهو ما يعنى أن الاتحاد الأوروبى أصبح على حافة البركان. ففى عاصمة النور والثقافة والجمال نظم حوالى 3 ملايين فرنسى مظاهرات عارمة استجابة لدعوة نقابات العمال الفرنسية احتجاجاً على مشروع نظام التقاعد الذى اقترحه الرئيس الفرنسى «نيكولا ساركوزى» ووافق عليه مجلس النواب والذى يقضى برفع سن المعاش الكامل من 65 إلى 67 عاماً ومع ضرورة قضاء الموظف 41.5 سنة فى العمل كشرط لصرف المعاش بدلا من 40 سنة فى النظام السابق. وعلى الرغم من شدة المظاهرات التى بلغت 200 مظاهرة غطت جميع أنحاء فرنسا فمازالت الحكومة الفرنسية مصرة على القانون مؤكدة انه سيوفر نحو 70 مليار يورور بحلول عام 2018 فى حين تؤكد النقابات العمالية أنه سيضر وبشدة الطبقات الفقيرة فى المجتمع الفرنسى وسط معارضة 70% من الفرنسيين للمشروع طبقاً لاستطلاعات الرأى. وعلى الجانب الآخر من بحر المانش أعلنت النقابات العمالية فى عاصمة الضباب الحرب على خطط التقشف التى أعلنتها الحكومة الائتلافية البريطانية الجديدة والتى تهدف إلى خفض الإنفاق الحكومى بعد أن وصل العجز فى الميزانية إلى 156 مليار جنيه استرلينى بما يعادل أكثر من 11% من الناتج المحلى الإجمالى خاصة مع خطط الحكومة لخفض المعونات التى تدفعها كإعانة البطالة للعاطلين وأصحاب الأجور المنخفضة فى أكبر تغيير لنظام الرعاية الاجتماعية المتبع فى الجزيرة البريطانية منذ 70 عاماً فى خطوة وصفها المراقبون بأنها تقلل اعتماد البريطانيين على نظام الرعاية الاجتماعية وعلى حد قول وزير العمل البريطانى «اياد دنكان سميث» فإن العمل سيكون هو الأفضل والأجدى من الآن فصاعدا. ولم تكن الخطة التى ستوفر للحكومة البريطانية 4 مليارات جنيه استرلينى كاملة الأولى ولكنها الأحدث فى سلسلة إجراءات التقشف التى تعلنها الحكومة البريطانية منذ وصولها للسلطة فى مايو الماضى لمواجهة الأزمة الاقتصادية الطاحنة وهى تأتى فى إطار سياسات خفض الإنفاق العام السابقة التى أعلن عنها وزير الخزانة «جورج اوزبورن» والتى يسعى من خلالها لخفض الإنفاق العام بما يعادل 6.2 مليار دولار وهو ما سيؤثر فى مختلف القطاعات الخدمية للدولة مثل النقل والتجارة والتعليم وإلغاء صندوق تمويل الطفل من يناير المقبل. ووجهت خطط اوزبورن سواء التى أعلن عنها أو التى فى طريقها للظهور بغضب كبير من نقابات العمال البريطانية التى تعهدت بمحاربة خطة الحكومة للتقشف مؤكدة أنها ستؤدى لزيادة البطالة وستفاقم الوضع الاقتصادى ووصل الأمر بالنقابات العمالية للتهديد بعصيان عام كما حدث أيام رئيسة الوزراء السابقة مارجريت تاتشر فى الثمانينيات من القرن الماضى وهو ما سيجعل شتاء عاصمة الضباب ساخناً جداًً. وكان من الطبيعى أن تنتقل الاحتجاجات إلى بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبى بعد أن دعا اتحاد النقابات العمالية الأوروبية والذى يمثل نقابات العمال فى 36 دولة أوروبية ويضم 60 مليون عامل إلى مظاهرة أمام مقر الاتحاد الأوروبى شارك فيها 100 ألف متظاهر احتجاجاً على خطط التقشف التى يلزم بها الاتحاد أعضاءه والتى تضر بالعمال الأوروبيين وعلى حد قول «جون مونكس» أمين عام نقابات العمال الأوروبيين فإن التقشف أثناء الركود الاقتصادى جنون علينا التصدى له. ويتبقى السؤال هل يكون التنين الصينى هو طوق النجاه لأوروبا؟ خاصة بعد الجولة التى قام بها رئيس الوزراء الصينى «وين جياباو» إلى أوروبا الأسبوع الماضى لعقد قمة صينية أوروبية وتأكيده مساندة بكين لليورو، مشيراً إلى أن بلاده ستقوم أيضاً بدعم السندات الأوروبية، ولكن الكرم الصينى له ثمن وهو كما لمح جياباو يتلخص فى تعامل الاتحاد الأوروبى مع الصين بوصفها من دول اقتصاد السوق مما يعفى التنين الصينى من رسوم مكافحة الاغراق التى تفرضها قوانين منظمة التجارة العالمية وهو ما يعنى تنافسية أكبر للسلع الصينية فى الاسواق الاوروبية وهو ما لا تريده اوروبا بالطبع ولكن مجبر اخاك لا بطل خاصة ان الدعم الصينى يبدو كالدواء الذى قد يكون مراً ولكنه ضرورى.