لم يكن فاروق جويدة كاتبا صحفيا مرموقا فحسب، حيث تنوعت كتاباته لتشمل كل ألوان المقال الصحفى ما بين الاقتصاد والسياسة والاجتماع وسائر ألوان الأدب الإبداعى ووصل بها إلى قمة الحرفية الصحفية ونال على إثرها كل الاحترام والتقدير من جموع قرائه، حيث وضع لنفسه هدفا واضحا يعمل جاهدا على تحقيقه من خلال كل ما يكتبه وهذا الهدف ينطلق من حرصه على مصلحة الوطن والمواطن فى آن واحد دون أن يتخلى عما يفترض من حسن النية والرغبة الحقيقة فى الإصلاح. ولكنه أيضا أحد أشعر شعراء العربية منذ أكثر من ثلاثين عاما مضى إن لم يكن أشعرهم على الإطلاق وأغزرهم إنتاجا وأكثرهم تنوعا فيما يقرضه من أشعار احتلت مكان الصدارة فى عقول وقلوب محبيه لما احتوته من قضايا جادة تمس حياتهم بصورة مباشرة وما تمتلئ به من مشاعر رقيقة تساهم بشكل فعال فى تهذيب مشاعرهم وتوظيفها نحو كل ما هو راق ونبيل، وهذا الرأى ليس وليد إعجاب شخصى فقط- ولا أنكره- وإنما تقره جماهيريته ذائعة الانتشار وما يحظى به من شعبية ليس فى مصر وحدها، وإنما فىكل أرجاء الوطن العربى بل كل قراء العربية فى العالم أجمع.. وإذا كانت مقالات فاروق جويدة تتضمن أحيانا وجهة نظر معارضة تبلغ فى حدتها مبلغا يندر وجوده فى أكثر الصحف المعارضة إلا أن سطور هذه المقالات تنطق برغبة مخلصة من كاتبها لإصلاح ما يراه معوجا ابتغاءً لنهضة الوطن ورفعته. ولنا فى ذلك أمثلة واضحة مثل قضايا بيع أراضى الدولة والزواج الباطل بين الحكومة ورجال الأعمال وغيرهما مما تزدحم به قائمة مقالاته القيمة، والمدهش أن ذلك لا يثير حفيظة المسئولين استشعارا منهم بحسن نية الكاتب فضلا عن استجابتهم لما تتضمنه من انتقادات وهنا تجدر التحية خالصة للصديق الكاتب الصحفى أسامة سرايا- رئيس تحرير الأهرام الذى أتاح نشر هذه المقالات رغم ما تحتويه من ملاحظات قد يراها البعض خروجا - عن السياق الحكومى- إن صح التعبير- ويؤكد ذلك ما نحياه الآن من حرية صحافة حقيقية فى عهد الرئيس حسنى مبارك. وقد كانت المفاجأة الكبرى يوم عيد الفطر حين قرأت لفاروق جويدة نقدا لاذعا فى أهرام الجمعة قبل الماضى فى زاويته (هوا مش حرة) لما عرضه التليفزيون خلال شهر رمضان الماضى، وكان عنوان المقال (فوضى المسلسلات) لنكتشف به جانبا خفيا من جوانب الإبداع لدى الشاعر الكبير وهو النقد الفنى ورغم ما فى المقال من حدة تصل أحيانا لدرجة الغضب إلا أن أسلوبه الشائق لم يخل من شاعريته المعهودة التى خفضت نوعا ما مما تضمنه من رفض واستنكار لم يجعلاه يتجاوز حدود الأعراف النقدية أو يخرجا به عن اللياقة الصحفية. وقد نال مسلسل (زهرة وأزواجها الخمسة) نصيب الأسد من انتقاداته والتى جاء من أبرزها أن المسلسل يشوه صورة المرأة المصرية بشكل سافر علىغير حقيقتها السوية والتى أوصلتها إلى أعلى المراتب والمناصب والتى يفوق بعضها ما وصل إليه الرجال كالوزيرة والسفيرة والقاضية وغيرها من المناصب الرفيعة ثم تناول المسلسلات التى تقع أحداثها فى جنوب الوادى والتى أبرزت بسخرية مرفوضة شخصية الصعيدى والذى بدا لنا فى معظم هذه المسلسلات مسخا يتسم بالسطحية والبلاهة ناهيك عن مظاهر الإجرام البشعة والتى جعلتهم كقطاع الطرق والخارجين على القانون. وأكد فاروق جويدة أن الصعيدى الحقيقى هو نموذج أمثل للمصرى الأصيل الذى قاد مصر فكريا وسياسيا واجتماعيا ولنا فى العقاد وطه حسين وجمال عبد الناصر وغيرهم المثل الواضح على ذلك.. ثم تطرق إلى بعض المسلسلات والتى وصفها (بالغرزة) حيث امتلأت أحداثها بالعرى والمخدرات وسائر الموبقات الأخرى بما يجعلها سمة سائدة مغلوطة للمجتمع المصرى تسىء إلينا جميعا خاصة فى زمن السماوات المفتوحة، ثم انتقل بنا إلى البرامج الحوارية والتى خرج معظمها عن حدود الآداب العامة والتى خدشت حياء معظم المشاهدين وهزت ثقتهم فيما حسبتهم نماذج إنسانية مثالية من النجوم ضيوف هذه البرامج التى احتوت على اعترافات أغلبها شائن كالخيانات والنزوات والوضيعة، وألقى الكاتب لوما على هؤلاء النجوم الذين باعوا أسرارهم وتاريخهم مقابل حفنة من الدولارات. واختتم جويدة مقاله النقدى بالإعلانات التى اتخذت من الألحان القومية موسيقى للإعلان مهدرة لقيمة هذه الألحان فى وجدان الشعب المصرى ثم تمنى فاروق جويدة ونحن معه أن يأتى رمضان القادم بمادة درامية مغايرة وألحان الإعلانات تناسب الجبنة والزبادى بعيدا عن أناشيدنا الوطنية. وفى الختام تحية للشاعر الكبير فاروق جويدة الذى اغتنمناه ناقدا فنيا مستنيرا.