تمر الذكرى الستين لثورة الثالث والعشرين يوليو 1952، والتي بدأت من خلالها مرحلة جديدة وفاصلة انتظرها الشعب طويلا، حيث منحت الثورة المصريين والعرب الكثير مما كانوا يتمنونه، وأصبح الكل في حق الحياة سواء.. وكان للفن دور كبير فى تأريخ ثورة يوليو، وكذلك كان للثورة تأثيرها الكبير فى الفن والإبداع ، فلم تأت الثورة لتقمع الفكر وتحجر على الرأى وتحاصر الإبداع، وإنما واكبها ازدهار كبير فى الآداب والفنون والثقافة، وخرجت للنور الكثير من الأعمال التى تركت وراءها علامة فى تاريخ السينما وكذلك الحال بالنسبة للمسرح والدراما . فقد فتحت ثورة يوليو ذراعيها للفن والفنانين وظهر ما يسمى ب"مطربي الثورة" وكذلك "فناني الثورة"، حيث كان للمطربين والفنانين دور كبير فى ثورة يوليو سواء من خلال مواقفهم الإيجابية فى التعامل معها أو فى أعمالهم التي قدموها لأجل الثورة . مطربو الثورة وكان من أشهر مطربي ثورة يوليو "عبد الحليم حافظ" الذي استطاع من خلال أغنياته أن يؤرخ للثورة منذ بدايتها مرورا بإنجازاتها والأحداث التي مرت بها، حتى الإنجازات والخطوات الإصلاحية التى قام بها الرئيس جمال عبد الناصر، ومن أغانى "عبد الحليم" بالأحضان، بستان الاشتراكية المسئولية، حكاية شعب، ثورتنا المصرية ويا أهلا بالمعارك وغيرها من الأغاني التي قام بتأليفها وتلحينها مجموعة كبيرة من الشعراء والملحنين منهم عبدالرحمن الأبنودي وصلاح جاهين وبليغ حمدي وكمال الطويل والموجي، بالإضافة إلى موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب الذي كانت له إسهامات واسعة فيما يعرف بفن الثورة الغنائي . كذلك كانت أغنيات "أم كلثوم" كوكب الشرق لها عظيم الأثر سواء في سنوات الثورة الأولى أو جهودها خلال العدوان الثلاثي عام 1956 وما قامت به للمجهود الحربي وقطار الرحمة لجمع التبرعات، وقدمت الكثير من الأغاني مثل "مصر التى فى خاطري" و "صوت مصر" للشاعر إبراهيم ناجى و "نشيد صلاح جاهين (والله زمان ياسلاحي) " . ولم تكن "أم كلثوم" و "العندليب" فقط من قاموا بالغناء للثورة، ولكن كان هناك أيضا العديد من المطربين والمطربات مثل فايدة كامل وشادية وفايزة أحمد، ومحمد رشدي ومحمد قنديل وغيرهم، وكانت الإذاعة المصرية تنقل أعمالهم على الهواء ويحرص على تقديمها الإذاعي الراحل "جلال معوض" صاحب الصوت الرائع ؛ حيث استطاعوا جميعا مع عبدالحليم وأم كلثوم أن يضعوا أعظم خريطة للغناء الوطني العربي . الإبداع السينمائى لم يتوقف الإبداع الفنى الذي صنعته ثورة يوليو عند الغناء فقط، بل امتد ليصل إلى السينما والتليفزيون والمسرح أيضا ؛ فعلى جانب السينما قامت مؤسسة السينما التي تتبع الدولة بإنتاج أفلام عظيمة ؛ مثل فيلمى "الأرض" و "صلاح الدين"، كذلك فإنه تم تأريخ الثورة من خلال عدة أفلام سينمائية وعرض الأسباب والفساد الذى أدى إلي قيام ثورة يوليو ؛ فهناك العديد من الأفلام التي رسمت صورة واضحة للثورة وللأوضاع التي سبقتها واستمدت مادتها من الحياة المصرية ؛ فظهرت مجموعة من الأفلام الوطنية مثل فيلم "الله معنا" الذي تحدث عن قيام الثورة وتشكيل الضباط الأحرار وتعرض لقضية الأسلحة الفاسدة فى 1948، وكذلك فيلم "فى بيتنا رجل" للكاتب إحسان عبد القدوس والذي تحدث من خلاله عن الفساد السياسى قبل قيام الثورة، وفيلم "القاهرة 30" للأديب نجيب محفوظ، وفيلم "لا وقت للحب" وغيرها من الأفلام . بينما عبر الفيلمان "رد قلبى" و "غروب وشروق" عن جوهر الثورة، حيث أوضح فيلم "رد قلبى" الفترة التي سبقت الثورة وركز على الصراع الاجتماعى الذي كان يسود المجتمع ، كذلك استطاع فيلم "غروب وشروق" أن يسلط الضوء على الفساد السياسى في القاهرة قبل الثورة وركز على تحليل الفساد الاجتماعي والأخلاقي واندفاع التيار الوطنى لمحاولة تغيير الأوضاع عقب حريق القاهرة فى 26 يناير من نفس العام الذي قامت فيه الثورة . الرقابة الفنية وعلى الرغم من هذا الكم من الإبداع الفنى والتطور السينمائي الذي صاحب ثورة يوليو، إلا أنها لم تسلم من الانتقادات حيث هاجمها البعص واعتبروها أنها قامت بمصادرة الكثير من الأعمال الفنية ، وقد ظهرت العديد من الأعمال السينمائية التي هاجمت الثورة والنظام الاشتراكى والزعيم جمال عبد الناصر ومع ذلك فلم يتم منعها من العرض، فلم تكن الرقابة فى ذلك الوقت شديدة وأزمة القرارات حيث أجازت العديد من الأعمال الناقدة للثورة وللرئيس الراحل عبد الناصر. ومن هذه الأفلام فيلم "شئ من الخوف" للكاتب "ثروت أباظة" والمعروف فى ذلك الوقت بمعاداته للثورة، وبالفعل رفضت الرقابة الفيلم لمهاجمته الصريحة للثورة والرئيس، إلا أن عبد الناصر طلب مشاهدة الفيلم وتم عمل عرض خاص له ؛ وسمح بعدها بعرض الفيلم كاملا ؛ خاصة بعد أن قال "وهل تتصورون أننى عتريس وهو الشخصية المحورية وإن كنا كذلك مثل العصابة فنستاهل الحرق" وتم بالفعل عرض الفيلم . وكذلك الحال بالنسبة لفيلم "يوميات نائب من الأرياف" لتوفيق الحكيم والذي كان يهاجم من خلاله وزارة الداخلية ومع ذلك أجاز عبد الناصر عرضه، بالإضافة إلى فيلم "المتمردين" و "ميرمار" . كذلك الحال بالنسبة للمسرح والذي لم يتم مصادرة أعماله لمهاجمتها للثورة، فقد كانت هذه الفترة تتمتع بحرية الإبداع، فقد تم عرض مسرحية "السلطان الحائر" على الرغم من انتقادها الثورة، وكذلك مسرحية "بنك القلق" وغيرها من الأعمال . الرئيس والفن لم يكن حرص عبد الناصر على الفن والفنانين لمجرد أنهم يخدمون الثورة وينطقون بإنجازاتها في أغنياتهم وأعمالهم، بل تقديرا منه لدور الفن في تقدم الشعوب وكان دائما ما يتابع الأعمال الفنية وكان شديد الاحترام لأهل الفن وكانت له العديد من المواقف معهم . ومن أبرز هذه المواقف موقفه مع عبدالحليم حافظ عندما راح يشكو له مرة إساءة قامت بها أم كلثوم تجاهه فما كان من "ناصر" إلا أن قال له: لا أنا ولا أنت نقدر أن نمس أم كلثوم فخلفها الشعب العربي كله . كذلك كان عبد الناصر دائم المتابعة للفن ومثال على ذلك طلبه من الفنان فريد شوقي تقديم فيلم سينمائي يشرح فيه العدوان الثلاثي على مصر وجلاء البريطانيين عن مصر بعد احتلال دام 71 عاما، وبالفعل قدم فريد شوقي فيلم "بور سعيد" . كما طلب من الفنان إسماعيل ياسين إظهار الدور الوطني للجيش المصري ومحاولة جذب الشباب لأداء الخدمة العسكرية، وبالفعل قام بتقديم سلسلة أفلام منها "إسماعيل ياسين في الجيش، إسماعيل ياسين في الأسطول، إسماعيل ياسين في الطيران، إسماعيل ياسين بوليس حربي" . هكذا كانت نظرة الزعيم جمال عبدالناصر للفن وللفنانين خاصة بعد أن بدأ الفن يعيش عصر ازدهاره بعد قيام ثورة يوليو.