يتنامى دور السينما وتتزايد أهميتها وقيمتها في مراحل مختلفة فارقة، ويصبح استلهام حكاياتها وشخصياتها أمراً مهماً في البحث عن سبل وحلول مع مجتمع يتراجع فيه دور وانتشار الكتاب بل والجريدة، وستظل الأفلام التي تنتصر للمستقبل وللحرية وللقيم النبيلة بأسلوب فني راق هي الأقرب والأكثر صموداً أمام الزمن. في البحث الأول من كتاب «حقوق الإنسان في السينما المصرية» الصادر عن الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، يرصد الناقد السينمائي ناجي فوزي «حقوق الإنسان في السينما المصرية خلال الفترة 2006 -2010» ويقول: «لا تخلو الآداب والفنون منذ تاريخ نشأتها من تناول حقوق الإنسان بصفة عامة كما يُلاحظ أن فحواها هو - الحق في حرية التعبير - حتى الفنون الشعبية الصوتية وبينها (الموال والزجل والحكواتي) والصوتية المرئية ومنها (خيال الظل والأراجوز) كثيراً ما تتخذ من حقوق الإنسان موضوعات لها. بل يمكن القول ومن دون مبالغة أن كثيراً جداً من الأعمال المتميزة في هذه المجالات الفنية المتعددة في كل مستوياتها الفنية وتوجهاتها الفكرية تصبح أكثر تميزاً وإبداعاً عندما تتخذ من قضايا حقوق الإنسان موضوعات لها. كما يُلاحظ أن السينما المصرية وهي تقتبس الروايات العالمية ذات الشهرة فإنها تتطرق إلى واحدة من أهم قضايا حقوق الإنسان في مجال حريته وما يمكن أن تتعرض له من خطورة ما يعرف بالاختفاء القسري كما في رواية «الكونت دي مونت كريستو» لألكسندر دوماس والتي تم تمصيرها في فيلم «أمير الانتقام» 1950 من إخراج هنري بركات. ويشير فوزي إلى أن ثمة جانباً ملحوظاً من الأفلام المصرية التي تتناول قضايا حقوق الإنسان هي أفلام تعالج العلاقة بين المواطن المصري وأجهزة الأمن المختلفة وبينها أفلام («واحد من الناس» و«عمارة يعقوبيان» - 2006، «أنا مش معاهم» -2007، «مسجون ترانزيت» و«حسن ومرقص» - 2008، «عزبة آدم» - 2009) ومن قبلها كانت أفلام («الهروب» و«البحث عن سيد مرزوق» و«اللعب مع الكبار» - 1991، «الإرهاب والكباب» - 1992، «الإرهابي» - 1994). وفي العام 1996 («التحويلة» و«ليلة ساخنة» و«الهروب إلى القمة» – «حسن وعزيزة» و«أمن دولة» /1999) وفي العام 2001 «مواطن ومخبر وحرامي». كرامة المواطن ويقدم الناقد السينمائي وليد رشاد في البحث الثاني «كرامة المواطن في الفيلم المصري» رصداً لوضع الفرد داخل المجتمع المصري عبر التحديات التي تواجه المجتمع، كما يوضح الدور الذي لعبته السينما المصرية في بناء عقول جديدة، مشيراً إلى فيلمين تعرضا لقضية كرامة المواطن المصري وهما «ميكروفون» -2011، و«بنتين من مصر» - 2010 لمحمد أمين. كذلك لم يفته أن يشير إلى فيلم «واحد صفر» - 2009، لكاملة أبو ذكري وفيلم «ليلة سقوط بغداد» - 2005، لمحمد أمين وفيلم «واحد من الناس» - 2006، لنادر جلال وأيضاً فيلم «هي فوضى-2007، للراحل يوسف شاهين وفيلم «حين ميسرة» - 2007، لخالد يوسف. أما الدكتور وليد سيف فيقدم في البحث الثالث «الأفلام المستقلة في طريق الوعي والتنوير» ويقول: «قد يختلف البعض حول انتماء موجة كاسحة من أفلامنا الجديدة إلى ما اصطلح عليه بالسينما المستقلة وقد يرونها بعيدة عن المعايير التقليدية للمسمى الذي ارتبط أساساً بالاستقلال عن استديوات هوليوود الكبرى التي تخرج من رحمها جميع الأفلام المنتجة على الطريقة الأميركية التقليدية». ويضيف سيف: «ولكن مع بدايات الألفية الجديدة بدأت تظهر على استحياء أفلام مصورة بكاميرا الفيديو لها طابع فني وتتيح لها طبيعة التقنية وقلة التكلفة حرية أكبر في التجديد والتجريب». ورصد سيف مجموعة من الأفلام المستقلة القصيرة التي التقطت صوراً من حياتنا وآلامنا وأحلامنا وآمالنا منها («الإسانسير» لهديل فهمي، و«البنات دول» لتهاني راشد، و«سنترال» لمحمد حامد، و«مربع داير» لأحمد حسونة، و«ملكية خاصة» لروجينا بسالي، و«قلعة الكبش» لأمل فوزي، و«من دم ولحم» لعزة شعبان، و«اسمي جورج» لمحسن عبد الغني، و«قطار الحياة» لحسين شكري) وغيرها. الألفية الثالثة وترى الناقدة السينمائية آلاء لاشين في البحث الرابع «السينما المستقلة وحقوق الإنسان في الألفية الثالثة»، أن الأفلام السينمائية هي أكثر الوسائل الإعلامية المؤثرة في تعرية انتهاكات حقوق الإنسان على اختلاف أشكالها ولا تستطيع أية جهة رسمية أو غير رسمية نفي أية معلومة موثقة بالكاميرا السينمائية، وإن كانت السينما الحديثة لاتزال محاصرة بالقوانين الرقابية التي تحاول أن تحد من حريتها في التعبير عن النسيج الذي يستمد منه الفنان مادته في الخلق والإبداع باعتبار أن السينما هي نقطة الانطلاق وهي ميدان السحر الذي تتحد فيه العوامل السيكولوجية والبيئية لخلق أفق مفتوح لتحرير العقل، حيث إن الصورة تظل قوية وفعالة وهي تملك القدرة على الوصول إلى أعماق النفس أكثر من الكلمة أو الفكرة وبذلك تستطيع السينما أن تتوصل إلى نتيجة مقبولة ومسلم بها كما لو كانت في الحياة لأن حقوق الإنسان بطابعها الكوني فهي ليست شأناً محلياً ولا تتقيد بالحدود السياسية للدول أو المناطق الجغرافية للعالم لأنها لا تتغير في أصولها ومبادئها وإنما ترتبط بطبيعة الكائن البشري أينما وجد، ومن ثم فإن الفن السابع سيظل هو المرآة التي تعكس كل ما يدور في المجتمعات المحلية والعالمية والوقوف على ما يدور من حولنا سواء كان سلباً أو إيجاباً.