رئيس لجنة الزراعة بمجلس النواب يقدم اقترحا لسد عجز الأطباء البيطريين    أحمد أبو الغيط: القضية الفلسطينية وأوضاع غزة هيمنت على أعمال القمة العربية بالبحرين    بالصور.. بعثة نهضة بركان تصل القاهرة لمواجهة الزمالك في نهائي الكونفدرالية    تطور جديد بشأن مستقبل نافاس بعد رحيله عن باريس سان جيرمان    إصابة 3 أشخاص في حادث مروري بالمنيا    تفاصيل جنازة وعزاء زوجة أحمد عدوية    مدبولى يبحث نظاما للرى تحت السطحى يوفر 55% من المياه    قرار حكومى باعتبار مشروع نزع ملكية عقارين بشارع السبتية من أعمال المنفعة العامة    زراعة النواب توافق على مشروعى قانونى ربط الموازنة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية    بشاي: الصين أكبر شريك تجاري لمصر على مدى 12 سنة متتالية    الفئة من 401 إلى 500.. تصنيف تايمز العالمي يضم «جنوب الوادي» لقائمة الجامعات الشابة    أحمد الطاهرى: الرئيس الفلسطينى وصّف ما جرى لأهل غزة فى كلمته بالقمة العربية    رئيس أذربيجان يدعو شيخ الأزهر لحضور قمة المناخ «COP29»    حريق في طائرة أمريكية يجبر المسافرين على الإخلاء (فيديو)    فيديو| وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يعزف الجيتار في ملهى ليلي ب أوكرانيا    واشنطن تنهي ربط الميناء العائم المخصص للمساعدات بشاطئ غزة    رئيس مجلس السيادة السوداني يوجه دعوة رسمية لشيخ الأزهر لزيارة الخرطوم    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    فانتازي يلا كورة.. صلاح ضمن المرشحين لشارة "الكابتن" في جولة الختام    رئيس جامعة الأقصر: منشآت جميع الكليات جاهزة لاستقبال امتحانات نهاية العام    زراعة النواب توافق على مشروع موازنة جهاز تحسين الأراضي بوزارة الزراعة    وفاة زوجة أحمد عدوية    ذكرى ميلاد الزعيم    الصحة تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد    «الصحة» توجه إرشادات لتجنب الإصابة بالعدوى خلال فترة الحج.. تعرف عليها    «كارثة متوقعة خلال أيام».. العالم الهولندي يحذر من زلازل بقوة 8 درجات قبل نهاية مايو    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    إسباني محب للإنذارات.. من هو حكم مباراة النصر والهلال في الدوري السعودي؟    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    طريقة عمل طاجن العكاوي بالبطاطس    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    الجمعة .. انطلاق نصف نهائي بطولة العالم للإسكواش بمصر    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    تأكيدا ل"مصراوي".. تفاصيل تصاعد أزمة شيرين عبد الوهاب وروتانا    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    الطاهري: نقاشات صريحة للغاية في جلسات العمل المغلقة بالقمم العربية    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    وزيرا النقل والري يبحثان تنفيذ المحاور الرئيسية أعلي المجاري المائية والنيل (تفاصيل)    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني لعام 2024.. الرابط بالاسم فقط    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبده وازن في كتابه « قلب مفتوح»
نشر في نقطة ضوء يوم 26 - 12 - 2011

الموت كما في كل الأديان، هو انفصال الجسد عن الروح، هو التحليق في الأعالي وطيران الروح فوق جسدها.ويتحدث الناجون من الموت عن عالم مبصر يرون فيه جسدهم وماضي حياتهم كما لو انه منظور من شخص آخر.هذا " الطيران" كما يقرأ مرسيا إلياد، ينطوي على انفصام على المستوى الانتولوجي والانتقال من الوجود الشرطي إلى العالم اللاشرطي، أي عالم الحرية الكاملة. وسنجد في تجارب الأدباء والفنانين وحتى الناس العاديين الذين مروا بفترات طويلة من الغيبوبة أو واجهوا الموت خلال زمن معلوم، رغبة في الانعتاق من قيود ما، ربما هي قيود الخوف من الموت ذاته. عبده وازن الأديب اللبناني الذي كان من الناجين من معضلة في القلب كادت تودي بحياته، يخرج من تلك التجربة بنص استرسالي مشوق في كتابه " قلب مفتوح" الدار العربية للعلوم ناشرون.
بدا هذا الكتاب كما لو انه ذكريات وصور عن ماضي الكاتب،ولكن تلك الصور في اقترابها وابتعادها عن صورة الحاضر،تتشكل ضمن ناظم العلاقة المتداخلة بين الصحو والغيبوبة، فإن كان الصحو هو اليومي والعادي، فما يقف بمحاذاته، تأملات اليقظة وما شف عن عالم الروح من تخيلات. عندما فتح الشاعر عينيه بعد غيبوبة العملية، تراءت له ثلاث شخصيات : المسيح بوجهه النازف، ويوكيو ميشيما بجسده المكوم، وصورة الحلاج معلقاً على خشبة.
اللحظة الأولى هي خيار البداهة،حيث ولد الكاتب كائنا متدينا بالفطرة ( انني كائن ديني مهما ابتعدت او اغتربت عن نفسي)، وصورة ميشيما والحلاج يستكملان شاعرية الموت في ثقافة تعود إلى منابعها الأولى،إلى فكرة الفداء أو الانعتاق من الجسد.
لعل الكتابة في حالة عبد وازن، تشكل نوعا من الخلاص،مكافئة إدراك الحياة مجدداً ومواجهة صحوتها. ترتيب الدرس على مدارات تصل التجارب في ناظم واحد منذ الطفولة حتى سرير المرض." أكتب الآن وكأنني أكتب عن جسم واجه نفسه بنفسه، وعن جسم ليس جسمي، عن جسم متشبث بصورته الأخرى، صورته الغائبة". ما تمحوه الذاكرة هو الغياب،أي العبور إلى النسيان. ولكن العودة من سَفَر النسيان الطويل، يجعل حكاية الحياة ذاتها أقرب إلى مغامرة اقتضت الكثير من المواجهات كي تستوي على ما هي عليه من سطوع للمكان والناس والمشاعر.
يبدأ الشاعر من البيت والضيعة المسيحية، حيث غدا الطفل كائنا دينيا بالفطرة، بعد أن صحا على هبة الحياة التي منحها القديسون والرسل. كان في الرابعة حين استقرت رصاصة طائشة على مقربة من قلبه، وبقيت تلك الرصاصة إشارة الى معجزة نجا منها يوم احتفال القرية بمولد النبي إيليا مار الياس.ويواجه الموت مرة أخرى وهو مراهق حين وجد نفسه يعاني مكابرة اليتم، وعلى ايقاع احداث الموت تسير الحياة بين حداد وفرح وطقوس تدين ولهو أطفال، وبينها ساعات اكتئاب ومراقبة الناس والأهل وهم يجتازون مفازة العمر، وهم يحتضرون او ينتحرون او يصنعون تواريخهم في فسحة الحرب والتهجير. يغادر الدكوانه إلى جونية بعد أن احتلها المسلحون المعادون للكتائب، ويفقد أماكن الأحلام وطبول الحرب تدخل الحارات والبيوت.
يدرك الكاتب ان فعل الكتابة هو أقرب إلى حلم يقظة منه إلى شيء آخر " يكتب المرء في أحيان ليحلم أنه يحلم، ليصنع عالماً لا يمكن أن ينهض إلا في مثل تلك اللحظة المتوهمة التي يعيشها بحواسه كافة". يجد عبده وازن نفسه في يوتيبيا الكتابة متنقلاً بين ماضيه القريب والبعيد، ومتجولاً في عالم من القراءات التي تشكل الناظم الأساسي لتلك المدونات. بيد أن ما يغري على المتابعة في هذا النص هو عفوية الاسترسال وفطنة الربط في تداعي الصور، ولا يبدو المؤلف على رغبة في خلق صورة جاهزة لنفسه في الكتاب، فهو في تلقائية الإعراب عن ذكرياته يستعيد شخصيات وبينها شخصيته، كما لو انها مرت في حلم من أحلامه: الأم الأرملة والفتى اليتيم الذي يؤلمه عطف الأقارب والجيران، والشاب المكتئب،والغارق في خدمة الكنيسة، والمقترب من أسئلة الشك في مسلمات المسيحية وبديهياتها.
كي يرى المؤلف بوضوح كينونته، عليه أن ينتقل إلى عبثية الفكرة التي قادته إلى نفسه، إلى إدراك فرديته، تلك التي يضع من خلالها سجلات حياته أمام القاريء. يتبدى امتياز تدوين الذكريات في هذا الكتاب، من الغرض الذي وجد من أجله،فالنص كُتب تحت تأثير صدمة مواجهة الموت،فهو ينظر العالم عبر الكوة التي أوشك فيه مغادرته،فيصبح لاسترجاع الأيام الخوالي، سحر الدهشة الأولى والحلم والتهويم : " وما الأحلام التي أتذكرها سوى لقطات من حلم لا ينتهي، حلم يجتاز تخوم الموت وما وراءه" .وهو من جهة أخرى ينظر إلى ذاته من زاوية جد قريبة،وعلى وعي ومزاج لا يبعده كثيرا عن تاريخه الواقعي، ولا يزّين له صورته كي يراها في عين الأنا المتضخمة.
ولعل المكان المسيحي باناسه وطبيعته وحكاياته أجمل ما في الكتاب، ولكنه لا يبدو مشبعا كمشهد للذكريات،فالقارئ يشعر أن الكاتب مر على الكثير من الشخصيات والوقائع على عجل، وبينها شخصية جدته القوية، سيدة المكان، حيث تختلف عن شخصية الأم الأرملة المستسلمة الى قدرها. كما ان وقائع الحرب والهجرة، تلوح في النص كأصداء بعيدة، ولا تلحظ إلا ضمن اشارات جد مختصرة.
يعود إلى صور الأصدقاء " فيشعر بخوف غامض او برهبة مبهمة، لعلها رهبة الزمن الذي لا ينظر إلى الوراء". الصورة الفوتغرافية تشيخ ويبقى الذين داخلها شباباً. تلك صورة شاعرية يبثها عبده وازن بين صور كثيرة يتحرك النص من خلالها بين النثر والشعر، ولعلها معادلة ربما صاغت فكرة هذا الكتاب، فهو عن ذكريات تتشكل في ذهن من حلم بها في لحظات بين الصحو والغيبوبة، لحظات موت وهب حياة أكثر سطوعا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.