توريد 203 آلاف و280 طن قمح لشون وصوامع البحيرة    جهاز التنمية الشاملة يوزيع 70 ماكينة حصاد قمح على قرى سوهاج والشرقية    الهلال الأحمر الإيراني يبدأ البحث عن مروحية رئيسي في موقع جديد    أيمن حفني مهنئا الزمالك بالكونفدرالية: «تفضل أمجادك قدام عيني»    نتائج مواجهات اليوم ببطولة الأمم الإفريقية للساق الواحدة    ضبط 1300 كيلو رنجة بدون بيانات بدمياط    محمد إمام يروج لفيلمه «اللعب مع العيال»: عيد الأضحى في جميع الوطن العربي    «ذاكرة الأمة».. دور كبير للمتاحف فى توثيق التراث الثقافى وتشجيع البحث العلمى    وزارة الصحة: طبيب الأسرة هو الركيزة الأساسية في نظام الرعاية الصحية الأولية    دموع التماسيح.. طليق المتهمة بتخدير طفلها ببورسعيد: "قالت لي أبوس ايدك سامحني"    سلطنة عمان تتابع بقلق بالغ حادث مروحية الرئيس الإيراني ومستعدة لتقديم الدعم    رئيس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة: جرائم الاحتلال جعلت المجتمع الدولى يناهض إسرائيل    نقيب الأطباء: نشجع مشاركة القطاع الخاص في بناء المستشفيات وزيادة فرص العمل    بينها «الجوزاء» و«الميزان».. 5 أبراج محظوظة يوم الإثنين 19 مايو 2024    أتزوج أم أجعل أمى تحج؟.. وعالم بالأوقاف يجيب    طقس سيئ وارتفاع في درجات الحرارة.. بماذا دعا الرسول في الجو الحار؟    خبير تكنولوجى عن نسخة GPT4o: برامج الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى إغلاق هوليود    مع ارتفاع درجات الحرارة.. نصائح للنوم في الطقس الحار بدون استعمال التكييف    الكشف على 1528 حالة في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    تحركات جديدة في ملف الإيجار القديم.. هل ينتهي القانون المثير للجدل؟    وزير الأوقاف: الخطاب الديني ليس بعيدًا عن قضايا المجتمع .. وخطب الجمعة تناولت التنمر وحقوق العمال    الجمعة القادم.. انطلاق الحدث الرياضي Fly over Madinaty للقفز بالمظلات    جدل واسع حول التقارير الإعلامية لتقييم اللياقة العقلية ل«بايدن وترامب»    متحور كورونا الجديد.. مستشار الرئيس يؤكد: لا مبرر للقلق    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    «النواب» يوافق على مشاركة القطاع الخاص فى تشغيل المنشآت الصحية العامة    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    حكم إعطاء غير المسلم من لحم الأضحية.. الإفتاء توضح    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    رئيس الإسماعيلي ل في الجول: أنهينا أزمة النبريص.. ومشاركته أمام بيراميدز بيد إيهاب جلال    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحب العذري.. مجانين العشق ما بين البداوة وعصر الإنترنت
نشر في نقطة ضوء يوم 27 - 02 - 2017

يقف الشاعر على درب حبيبته ويتلو قصيد العشق العفيف متغزلا بمخلوقٍ فضائي أقرب إلى الملاك منه إلى الأنثى، وهو ما عُرف بالغزل العفيف والعذري. ولعل السؤال المهم في عصر العولمة والحقائق العارية هو، هل ظهر الغزل العفيف والحب العذري بسبب عفاف الناس، أم بسبب حدود الإسلام التي حدّت من طقوس التهتك التي شاعت قبل الإسلام؟
يخال لكثير من المحدثين أنّ تعبير "الحب العذري" يختص بالمحافظة على عذرية وبكارة الفتاة، فيما الأمر يرتبط على الأغلب بقبيلة عذرة التي شاع فيها الغزل العفيف بعد الإسلام. وعلى المهتم بشعر ومشاعر العرب في تلك المرحلة أن ينظر بجد الى كيف عاش آباؤهم قبل عقود من موجة الغزل العذري والحب العفيف.
ويحتج المدافعون عن العفة في الحب العذري بأن شعر عنترة وقصائد غزله بعبلة كمثال سبقت ظهور الإسلام، لتنفي بذلك فرضية أنّ التعفف صفة نشأت اضطرارا بسبب الإسلام وحدوده الصارمة بشأن الاختلاط.
الحب العذري هو تشبب عاشقٍ متيمٍ بحبيبةٍ واحدةٍ، ويُجهل في الأصل سبب نسبه إلى بني عذرة، لا سيما أنّ أشهر من عشقوا ودبجوا القصيد الغزلي العفيف لم يكونوا من بني عذرة، فعروة بن حزام، وقيس بن الملوح مجنون ليلى، وقيس لبنى، وجميل بثينة، وعبدالله بن الدمينة، وكثيّر عزة، والعباس بن الأحنف، ويزيد بن معاوية، كلهم ليسوا من بني عذرة، بل إنّ قبيلة عذرة لم تنجب شاعرا عفيفا متعففا واحدا نقلته لنا قصص العرب.
لا علاقة للحب العذري بقبيلة عذرة
حرتُ في تفسير نسب العفاف إلى عذرة، فبحثت في كتاب محدث هو “سوسيولوجيا الغزل العربي” للطاهر لبيب الذي نقل هذا القول “قال سفيان بن زياد: قلت لامرأة من عذرة رأيت بها هوى غالبا خفت عليها الموت منه: ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين أحياء العرب؟ فقالت فينا جمال وتعفّف، والجمال يحملنا على العفاف، والعفاف يورثنا رقة القلوب، والعشق يُفني آجالنا، وإنا نرى عيوناً لا ترونها”. وحاولت أن أتقصى أصل هذه الحكاية فعييت. وبحثت في ما نسب إلى روضة المحبين لإبن قيم الجوزية فوجدت رواية جاء فيها "قال سعيد بن عقبة لأعرابي: ممن أنت؟ قال الأعرابي: من قوم إذا عشقوا ماتوا قال: عذري وربّ الكعبة فقلت وممّ ذاك؟ قال: في نسائنا صباحة وفي رجالنا عفة". وحين أردت التثبت منها، عييت مرة أخرى.
وبحثت في نهج البلاغة لابن أبي حديد فوجدت أنّ حجازيات الشريف الرضي يمكن أن توصف بالغزل العفيف، فيما لم يعرف عن "نقيب الطالبيين" صبابة وغزل .
فحبيبة غزله هي مرة أميم "أميمة":
وهل ينفعني اليومَ دعوى براءةٍ
لقلبي ولحظي يا أميمَ مُريبُ.
ومرة ظمياء :
أشمّ منكَ نسيماً لستُ أعرفُه
أظنُ ظمياءَ جرّت فيك أردانا.
وتارة هي لمياء:
ومالي يا لمياءُ بالشعر طائلٌ
سوى أنّ أشعاري عليك نسيبُ.
وكل هذا في الحقيقة هو إعلان عن "لا حبيبة"، وأرى أنّ الشريف الرضي لم يكن قط عاشقا صبا، وأخال أنّ عشق العذريين المعلن يخفي وراءه عطشا للأنثى وشوقا لتلمس مواضع خصبها يتخفى في ثياب العفة.
فهل كان شعر الغزل العفيف تعبيرا عن عفة وتنزهٍ عن الجنس، أم كان تنفيسا عن الحرمان في المجتمعات العربية الإسلامية في عصور الإسلام الأولى في القرنين الأول والثاني الهجريين؟
الكاتب والصحفي فارس يواكيم تحدث ل"العرب" جوابا عن هذا السؤال بالقول “كان الغزل العفيف من تقاليد الحياة الاجتماعية العربية في الجاهلية وصدر الإسلام. وانعكست المفاهيم الاجتماعية في الصياغات الإبداعية الشعرية. كان التعفف ضرورة، لأن الحب بوجه عام "تابوه" لا يجوز الاعتراف به. بالرغم من تمرد بعض الشعراء على الأعراف، مثل قيس بن الملوح (ليلى) وعنترة (عبلة) جميل (بثينة) وكثير(عزة)".
في الوقت نفسه، وانسجاما مع الأعراف، كان الغزل يتقنع بالتعفف، وبصفة “الغزل العذري”. أو يتقنع بمخاطبة المؤنث بصيغة المذكر، وهذا التمويه ورد في الكثير من القصائد.
وانسجاما أيضا مع هذا المنطق، يمكننا النظر إلى بيت عمر بن أبي ربيعة الشهير:
إذا جئت فامنح طرف عينك غيرنا
لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر .
العاشق العذري المتيم الحالم
يهوى العذريون إن صحَّ عشقهم امرأة بعينها لا يغادرونها إلى أخرى، وهذا يضع كل القضية موضع سؤال، فالإسلام كان دائما ضد الكهنوت، ولم يكن دينا يحرّم الجنس، بل يحث على التكاثر والعلاقات الجنسية ضمن مؤسسة الأسرة ورباط الزواج الإسلامي، فكيف عاش هؤلاء متغزلين وهمًا بامرأة واحدة؟
ولم يعرف عن كل أصحاب الغزل العفيف تشببا ووصفا لمحاسن الأنثى في حبيباتهم، فهنّ أشبه بجنيات أسطورية، لا تحيض ولا تحبل، وتكتفي بالتحليق في أخيلة عاشقيهن بغلال وردية ليست شفيفة. معشوقات العذريين لسن إناثا بل هنّ أقرب الى الملائكة وهذا برأيي إعلان قطيعة وبراءة مقصودة من شعر الخلاعة والمجون العربي الفاحش الذي سبق الإسلام، وعاد إلى الظهور في العصر العباسي مع انتشار ألف ليلة وأقاصيصها الإباحية. ولا أود أن أذهب بعيداً في عرض الغزل العربي الصريح قبل الإسلام (ومن العجب أنّ النت خلا منه تماما، وكأنها رسالة ممّن حمّلوا الأدب العربي على وسائل الإعلام الإلكترونية بأنّ أدبنا كان أبدا عفيفا رومانسيا لا يجرح) لكنّي سأكتفي بما اشتهر من شعر الملك الضلّيل امرؤ القيس:
سموت إليها بعدما نام أهلها
سموّ حباب الماء حالاً على حال
فقالت سباك الله إنّك فاضحي
ألست ترى السمّار والنّاس أحوال.
العذريون ما برحوا مسهّدين ساهرين يعانون حرّ الصبابة والحزن الرومانتيكي المغرق في الشاعرية والعفة، فهل كان العرب الفاتحون المنصورون بإسلامهم القوي الذي اجتاح العالم، أهل رومانسية يتعفّفون عن النسوة؟ وما مصير مئات الألوف من الجواري اللواتي غنمهن المقاتلون وأردفوهن على ظهور الجياد ليعودوا بهن سبايا هنّ حِلٌّ لهم بملك اليمين؟
عن حقيقة الحب العذري
الشاعرة ريم قيس كبة لم تبتعد كثيرا عمّا روته كتب البحث في الشعر والتاريخ العذري، لكنها اقتربت جدا من حدود التحريم التي أراد الحاكم العربي الإسلامي في العصر الأموي فرضها فقاربت الموضوع في حوار مع “العرب" بالقول "يرى بعض الباحثين أنّ أصل التسمية جاءت نسبة إلى "بني عذرة".. وهي القبيلة التي ينتسب إليها أكثر من شاعر عذري.. لعل أقدمهم هو عروة بن حزام عاشق عفراء.. وهناك من يحيل أصل المصطلح إلى عفَّة اللسان والمسلك.. أي العذرية".
أما السبب وراء تلك الظاهرة فيرجعها بعض الباحثين إلى أنّ الأمويين كانوا فرضوا على أهل الحجاز سورا من العزلة السياسية لأنهم كانوا يشكون بولائهم.. وقد انقسم أهل الحجاز إلى قسمين القسم الأول هم أهل المدن من أبناء الصحابة وسواهم وكان بنو أمية يجدونهم خطرا يهدد سلطانهم فأغدقوا عليهم الأموال فانصرف الكثير من القوم الى اللهو والمتع.. بينما انصرف البعض الآخر إلى حياة الزهد والتقى والعفاف.
أما القسم الثاني فهم من أهل البادية الذين استبدّ بهم الفقر واليأس فانصرفوا إلى تأمل المثل العليا ونشأت فيهم نزعة شبيهة بالتصوف وهي الغزل الروحي العفيف.
ويرجع فريق آخر من الباحثين سبب تلك الظاهرة إلى أنّ الحب العذري كان غالبا ما ينشأ في سن مبكرة قبل أن تبلغ الحسية نضجها لدى العاشقين.. ويبقى ذلك أسلوبا حياتيا لا تغيير فيه.. وخير مثال حب قيس بن الملوح:
عشقتكِ يا ليلى وكنتِ صبيةً
وكنتُ ابنَ سبعٍ ما بلغتُ ثمانيا.
جبران ومي، قصة حب عابرة للقارات
لنرحل بالقضية إلى القرن العشرين، حيث شاع بين الناس عشق جبران خليل جبران لمي زيادة، وعشقها له، وهو من أغرب نسج الخيال في عوالم الحب العذري، إذ أنّ جبران لم يلتق اللبنانية المبدعة مي زيادة قط. لكن ما جمع بينهما هو رسائل حب تناقلها بريد عابر للمحيطات. وإلى ذلك تحديداً أشارت الباحثة سلمى حفار الكزبري التي حققت مع سهيل بشري تلكم الرسائل حيث تقول "إنّ العلاقة بينهما بدأت بعد أن قرأت مي رواية جبران الرومانسية "الأجنحة المتكسرة". ولكن، بغض النظر عن كيفية بدء "الحب"، فقد أتاحت الخطابات ضوءا باهرا للمؤرخين على حياة كل من كاتبيها وأفراحه وشجونه وآرائه في مختلف شؤون الحياة. وقد كانت تلك علاقة يزيد في تفرّدها أنّ طرفيها لم يلتقيا وجها لوجه على الإطلاق. لكنها دامت قرابة عشرين عاما وأتت إلى ختامها مع وفاة جبران في نيويورك في 10 أبريل 1931. ماذا تسمّي هذا وأين يمكن أن تصنّفه؟".
من جانبي، وضمن رؤية عصرية واقعية فارقت هواجس العصر الرومانتيكي إلى عصر العولمة القاسي بحقائقه الفاضحة وثقافته السريعة، ليس بوسعي كبح نفسي عن هذا السؤال: ما كان يحصل لو التقى الحبيبان، هل كانا اكتفيا بالهمس العذري المتباعد، دون لمسٍ حسيٍّ يحوّل الشوق المحروم إلى سرير عشق صاخب؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.