لم يتوقف منهج الشك الديكارتي عند طه حسين تجاه الأدب الجاهلي فقط، بل امتد للعصر الأموي، أو لعله اعتمد هذا المنهج في دراسة الأدب عامة والقديم منه خاصة. يعترف طه حسين بأنه أغضب الكثير من العاملين بالأدب والقائمين عليه عندما كتب عن بشار وصرح في كتابته بأنه لا يحبه ولا يميل إليه، ووصفه بثقل الروح، ولؤم الطبع، وشدة الغرور والافتتان بالنفس، ثم قدم عليه أبا نواس والحُسَين بن الضحاك، كما أنه وصف العصر العباسي بالمجون والفسق والشدة. ومن يشك في شعرهم، اثنان: إِمَّا أن يكونوا أثرا من آثار الخيال قد اخترعهم اختراعا، وإما ألا تكون لهم شخصية بارزة ولا أثر عظيم، وإنما عظم الخيال أمرهم وأضاف إليهم ما لم يقولوا وما لم يفعلوا، واخترع حولهم من القصص أشكالا وألوانا جعلت لهم في الأدب العربي هذا الشأن العظيم الذي لا يكاد يقوم على شيء. ينتقل طه حسين من العام للخاص بحديثه عن الغزليين، ويقسمهم إلى قسمين، الأول "العذريون" وسماهم بذلك ليس لأنهم ينتسبون إلى بني "عذرة"، لأنهم يتخذون من الغزل العذري مذهبا في الشعر، ومنهم المجنون، وقيس بن ذريح، وعروة بن حِزام، وجميل بن معمر، والثاني "المحققون" الذين انقطعوا للغزل أو كادوا، والفرق بينهم وبين الفريق الأول، أنهم لم يلتمسوا الحب في السحاب، ولم يتخذوا العفة المطلقة مثلهم الأعلى، إنما عبثوا ولهوا واستمتعوا بالحياة، فتغنوا بالعبث واللهو وقصروا شعرهم عليه أو كادوا يتجاوزوه إلى غيره، وزعيم هؤلاء عمر بن أبي ربيعة. يقول طه حسين: لم أشك في كون عمر بن أبي ربيعة، وكثير، وعبد الله بن قيس الرقيات، أشخاص حقيقيون، وجدوا في زمنهم ووصلنا ما نظموا من الشعر، ولكني أشك الشك كله في أن يكون قيس بن الملوح شخصا تاريخيا عرفه الناس واستمعوا له، والشعر المنسوب إليه صحيح وصدر عنه، وأزعم أن قيس بن الملوح خاصة إنما هو شخص من هؤلاء الخياليين، الذين تخترعهم الشعوب لغرض ما. يبرهن طه حسين على شكه في وجود قيس بن الملوح، بعدم اتفاق الرواة على اسمه ونسبه، ولا الخطوب التي امتلأت بها حياته، فبعض الرواة يقرون بوجوده، والثقات منهم ينكرونه كل إنكار، فهناك رواية تقول إن بني عامر أغلظ أكبادا من أن يعبث بهم الحب، ورواية أخرى تقول إن بعض الرواة مر ببني عامر بطنا بطنا وسألهم عن المجنون فأنكروا نسبه. ويؤكد الأديب أن الرواة الذين آمنوا بوجود المجنون اختلفوا في تسميته فهو قيس عند بعضهم، ومهدي عند الآخر، والأقرع عند غيرهم، والبحتري عن طائفة أخرى، من ثم تأتي أسطورية المجنون وأنه ضرب من الخيال، ولذلك كثر الانتحال له في الشعر، ولعل الجاحظ أنصف حينما قال: "ما ترك الناس شعرا فيه ليلى إلا نسبوه إلى قيس بن الملوح، ولا شعرا فيه لبنى إلا نسبوه إلى قيس بن ذريح".