اليوم.. «محلية النواب» تناقش موازنة هيئتي النقل العام بمحافظتي القاهرة والإسكندرية لعام المالي 2024-2025    15 مايو 2024.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    توافد الركاب على محطة مترو جامعة الدول خلال التشغيل التجريبي.. صور    محافظ الفيوم ووفد مجلس الوزراء يتابعان معدلات تنفيذ مشروعات "حياة كريمة"    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    تداول 10 آلاف طن و675 شاحنة بضائع بمواني البحر الأحمر    الإسكان: بدء تسليم وحدات الحي السكني الثالث R3 للموظفين المنتقلين للعاصمة الإدارية الجديدة    نصر الله يلتقي بوفد من حماس برئاسة خليل الحية للتأكيد على وحدة الموقف ومواصلة الجهود الميدانية والسياسية    عاجل| زعيم المعارضة الإسرائيلية: إبرام صفقة وإعادة المحتجزين بغزة أهم من عملية عسكرية برفح    جامعة الدول العربية: جاهزية جدول أعمال القمة لاعتماده وسط توافقات إيجابية    سفير الاتحاد الأوروبي: مصر تقوم بدور حاسم ومهم منذ اندلاع الصراع بغزة    3 مواجهات في الدوري.. مواعيد مباريات اليوم الأربعاء    وزير الرياضة يكشف موقف صلاح من حضور معسكر المنتخب المقبل    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    رسميا.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة الإسماعيلية    توجيهات عاجلة من وزير التعليم قبل انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية    خنقها بسلسلة جنزير.. حبس سائق قتل زوجته بسبب خلافات في الهرم    ضبط 572 صنف سلع غذائية منتهية الصلاحية في الفيوم    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    تحالف والدى «عاشور» و«زيزو» ضد الأهلى والزمالك!    قناة DMC تُبرز ملف الوطن عن فلسطين.. «حلم العودة يتجدد بعد 76 عامًا على النكبة»    مؤتمر صحفي للإعلان عن تفاصيل مهرجان الطبول ب«الأعلى للثقافة» الأحد المقبل    القتل.. تقربًا إلى الله    وزارة العمل: 945 فرصة عمل لمدرسين وممرضات فى 13 محافظة    إعلام فلسطيني: 5 شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة    طرح أهل الكهف ضمن موسم عيد الأضحى 2024    لهذا السبب.. معالي زايد تتصدر تريند "جوجل"    بعد تصدرها التريند.. من هي إيميلي شاه خطيبة الفنان العالمي مينا مسعود؟    عيد الأضحى المبارك 2024: سنن التقسيم والذبح وآدابه    اليوم.. النطق بالحكم على المتهم بدهس طبيبة التجمع الخامس    القليل من الأوساخ لا يضر.. صيحة جديدة تدعو إلى اللهو في التراب لتعزيز الصحة النفسية    وزارة المالية تعلن تبكير صرف مرتبات يونيو 2024 وإجازة عيد الأضحى تصل إلى 8 أيام    مواعيد القطارات على خطوط السكك الحديد الأربعاء 15    الصين تبقي على سعر الفائدة على ودائع العام الواحد عند مستوى 5ر2%    حكم طواف بطفل يرتدي «حفاضة»    بسبب الدولار.. شعبة الأدوية: نطالب بزيادة أسعار 1500 صنف 50%    مرصد الأزهر يستقبل وزير الشؤون السياسية لجمهورية سيراليون للتعرف على جهود مكافحة التطرف    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15 مايو في محافظات مصر    «تنمية وتأهيل دور المرأة في تنمية المجتمع».. ندوة لحزب مستقبل وطن بقنا    وليد الحديدي: تصريحات حسام حسن الأخيرة غير موفقة    أفشة: سأحقق البطولة الرابعة إفريقيا في تاريخي مع الأهلي.. واللعب للأحمر نعمة كبيرة    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    3 قرارات عاجلة من النيابة بشأن واقعة "فتاة التجمع"    أمير عيد يكشف موعد ألبومه المُقبل: «مش حاطط خطة» (فيديو)    أحمد حاتم بعد انفصاله عن زوجته: كنت ظالم ونسخة مش حلوة مني (فيديو)    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 15-5: نجاحات لهؤلاء الأبراج.. وتحذير لهذا البرج    بوتين: لدى روسيا والصين مواقف متطابقة تجاه القضايا الرئيسية    معلول: هدفنا العودة من تونس بنتيجة إيجابية أمام الترجي    قيادي ب«حماس»: مصر بذلت جهودا مشكورة في المفاوضات ونخوض حرب تحرير    إبراهيم عيسى: من يقارنون "طوفان الأقصى" بنصر حرب أكتوبر "مخابيل"    بدأت باتهام بالتأخُر وانتهت بنفي من الطرف الآخر.. قصة أزمة شيرين عبدالوهاب وشركة إنتاج    مباشر الآن.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya في محافظة المنيا    أسهل طريقة لعمل وصفة اللحمة الباردة مع الصوص البني    بعيدًا عن البرد والإنفلونزا.. سبب العطس وسيلان الأنف    أحمد كريمة: العلماء هم من لهم حق الحديث في الأمور الدينية    نقيب الأطباء: مشروع قانون المنشآت الصحية بشأن عقود الالتزام تحتاج مزيدا من الضمانات    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المملوكي
نشر في نقطة ضوء يوم 29 - 12 - 2016

أسماك وأحصنة، ومخلوقات أسطورية، بالأبيض والأسود، ولكنها تبدو كمنحوتات، وسفن وموسيقى، تشكل تلك العناصر عامل الفنان التشكيلي المصري جميل شفيق، أو العم جميل كما كنا نناديه دائما. رحل جميل شفيق أمس، وكان رحيله مفاجأة صادمة لمثقفي مصر، وفنانيها. لم يكن مريضا، بل على العكس، تغلب على مرضه بقوة وإرادة نحات مصري قديم، ينحت تلك الصروح الضخمة والمعابد الهائلة. لم يتوقف عن المشاركة في الأنشطة التشكيلية، أو زيارة المعارض، سافر منذ أيام إلى الأقصر للمشاركة في «ملتقى الأقصر للفنون».. وهناك اختار موته، وكأنه لم يرد أن يرحل بعيدا عن أجداده النحاتين صناع الحضارة.
لم يتوقف جميل شفيق (الملود عام 1938) عن التجريب وطرح الأسئلة على كل أعماله الفنية، لوحات أو منحوتات، من معرض إلى آخر. هو صاحب البصمة والخطوط المتميزة، من القلائل الذين يمكنك أن تتعرف على إبداعهم التشكيلي بدون توقيع. لم يكن يخفي علاقته بالبحر، والصيد في الوقت ذاته.. الذي يعتبره مثل رياضة «اليوغا».. يؤمن شفيق بمقولة طاغور الشهيرة: «الحب والفن كلاهما لا يفسر».. لذا لا يحب تفسير أعماله أو إحالتها إلى دلالات ورموز مباشرة، برغم أن «الخيول» تحتل مساحات كبيرة فى رسوماته باعتبارها «موروثا مصريا» أثار انتباهه منذ الطفولة في مولد السيد البدوي بمدينة طنطا التي ولد فيها.
خلية ثقافية
درس جميل شفيق الفن، حسب رغبته، وبتشجيع الأم التي قضت سنوات طويلة تتستر على كراسات الرسم، خوفا من غضب الأب الذي لم يرد للابن العمل بالرسم، عندما التحق بكلية الفنون الجميلة، كما يقول: «لم تكن الأجواء الثقافية والفنية المفعمة بأحلام الثورة غريبة عني. بعد تأميم قناة السويس في 1956، رسمت لوحة كبيرة عن المقاومة في بورسعيد وعرضت في مدرستي: كانت مدرسة طنطا الأحمدية الثانوية من المدارس العظيمة، تحتضن الهوايات، كانت هناك غرفتا رسم، وغرفة أشغال، وجمعية رسم، وكنت مسؤولا عن جمعية الرسم، وقد ملأنا المدرسة بصور عرابي مع زميلي الفنان حجازي الذي أصبح رسام كاريكاتير شهيراً. وفي القاهرة، تقاسم السكن مع نبيل تاج ومحيي الدين اللباد. ثم كان عمله بالصحافة، التي كانت حسب تعبيره مغرية جدا، تحديدا ما يسميه صحافة للفلاحين، تحديدا في جريدة التعاون في ظل هذا السياق الموجود بعد 1952 والحديث عن دور العمال والفلاحين، الأمر الذي كان يعني الوصول إلى هذا الجمهور بأبسط الوسائل وأكثرها جذبا. في ذلك الوقت كان الوضع أشبه بخلية ثقافية.. كل شيء يتنفس صحافة وسياسة.. عمله في الصحافة تحديدا، صحافة الفلاحين، قدم له نوعا خاصا من المتعة .. كما يقول: «عملي في صحافة الفلاحين نوعا خاصا من المتعة ربما لا تستطيع الصحف الموجودة في القاهرة أن توفره لي حيث كنت أدور في مصر كلها فأذهب إلى الواحات والى سيناء. صحافة القاهرة ربما تصنع منك نجما لكن هذه الرحلات أعطتني رصيدا ثريا جدا، فمن الرحلات التي لا أستطيع نسيانها طوال عمري رحلة وقت بناء السد العالي وغرق النوبة. فالصحافة جعلتني أكثر قربا من الناس. ماذا يحبون وكيف يمكن أن تقدم لهم أنت شيئا مختلفا. كما أتاحت لي أن أشاهد مصر من الداخل من أقصاها إلى أقصاها. سمحت لي هذه التجربة بأن «ألف مصر» من الدلتا إلى الصعيد. وبعد رحلة عشرة أيام من الواحات إلى النوبة، في إطار قافلة نظمها رئيس تعمير الصحاري لتصنيف التربة، عدت مفتوناً بمتعة الصحراء وبخزين داخلي، وعدد لا بأس به من الاسكتشات.
أمواج كل يوم
في لوحاته، كما في منحوتاته، ثمة حكاية، أو سرد يشبه سرد الرواية... معرضه الأخير «طرح بحر» (الذي أقيم منذ عدة شهور) جمع فيه بين لوحة الأبيض والأسود (الذي اشتهر به) وفن النحت. قدم فيه نماذج من تجربته في التشكيل بالأخشاب التي بدأها في تسعينيات القرن العشرين، إلى جوار عدد من أعماله المرسومة بالأبيض والأسود. لماذا حدثت هذه النقلة من اللوحة إلى المنحوتة يجيب: «منذ أن تركت القاهرة إلى الساحل الشمالي، تعودت أن أجلس أمام البحر، الذي تحمل أمواجه كل يوم أشكالا خشبية تلقي بها على الشاطئ، شدنى الشكل، بدأت فى جمع الأخشاب ذات الأشكال الغريبة المنحوتة..».
كانت القطع المنحوتة نحتا طبيعيا، نحتا تحت تأثير الطبيعة. أشكال منحوتة، بعضها ملون، ربما تكون من مركب قديم غارق، بعضها أكله السوس، والطبيعة تترك تأثيرها على القطعة الخشبية، وأحيانا السوس. كنت أسأل نفسي عن هذه القطعة الخشبية، قصتها في البحر، تاريخها، حركتها، عمرها، هل كانت في مركب، هل غرق المركب بفعل حرب أم بفعل قرصنة أم بفعل الطبيعة.. متى؟ أين؟ كل قطعة تثير أسئلتها الخاصة، وتثير شجنا يدفعك إلى التأمل. في البداية. بدأ شفيق في جمع هذه القطع، ليصنع منها رفوفا، ومناضد، وأشكالا فنية أخرى عديدة... شمعدانات، وشوشا، ثم تطور الأمر إلى نحت ثماثيل كاملة. نحت بحر لم يكن هو المعرض الأول والوحيد لمنحوتات شفيق.. سبقته ثلاثة معارض لنفس الموضوع.. وبالعنوان نفسه «طرح بحر».. الخامات واحدة.. ولكن الأسئلة مختلفة.
يقول جميل شفيق: الفنان هو سؤال، والأسئلة لا تنتهي أساسا، كل ما أطرحه أسئلة تعني استمرارية الحوار مع الطبيعة!
- التجربة الأولى مع النحت.. لم تكن نحتا خالصا.. حتى أن الناقد محمود بقيش أطلق عليها فن «نحوير».. وهو فن يجمع بين النحت والتصوير.. هل ترى المصطلح مناسبا؟
- في معرضي الأول في تجربة النحت، كان هناك نحت داخل إطار اللوحة، ولذا أسماه بقيش بهذا المصطلح، ولكنْ في مرحلتي الثالثة نحت كامل، كتل خشبية كاملة عملت عليها بالإزميل ليخرج فورم كاملا وأشكالا متعددة، سواء أحصنة، أو أسماك.
عندما سألته عن تراث الأجداد القدماء.. المثقل به الفنان المصري، أي فنان مصري، ويطرح عليه سؤال التجاوز؟ أجابني: «أنت ابن زمنك، ابن تراثك، ابن وجودك. أنت لست بعدا واحدا بل مجموعة أبعاد تتشكل. مزيج من الفرعوني والقبطي والإسلامي والشعبي.. أنت مزيج من كل هؤلاء، تمتص كل هذه الثقافات والمدارس وتفرز ما هو خاص بك. النحت الفرعوني له خصائصه وتكوينه ودوره، في المعبد، ولكن عندما تذهب إلى المتحف المصري ستجد منحوتات خشبية صغيرة، هي نحت الشعب أو ما يمكن تسميته اللعب الشعبي. كذا الروماني... وبالنسبة لي أعمالي النحتية أميل فيها إلى التلقائية، هي أشبه بالنحت الطفولي. أنحت ما يشعرني بالانبساط والبهجة بغض النظر عن مصطلحات أبعاد الكتلة، وقوانينها. وقوانين النحت الكلاسيكية».
تجربته الفنية هي تجربة الأبيض والأسود.. يبدو أنه ضد اللون، كان يقول: «كان لي بعض المحاولات في اللون، لكنني سرعان ما كنت أعود مرة أخرى إلى الأبيض والأسود، فأنا أعشق الرسم بهما رغم صعوبة التعامل مع الأحبار، فهي خامة تتطلب الكثير من الصبر والتركيز. فحين تضع أول خط على مساحة الرسم لا تستطيع تغييره أبداً. عكس التعامل مع خامات اللون تماماً، التي تعطيك المجال للتراجع. هذا الأمر يتطلب من الرسام المزيد من التركيز والصبر والوقت أيضاً.
عشق الفنان الراحل الصيد، كان يرى فيه شيئا من اليوغا، مع الصيد تنفصل عن الواقع الذي تعيش فيه، تبتعد عن مشكلاته، وعن قضايا السياسة..المخ مشغول بالتركيز في المجهول الذي تصطاده، وأنت تفكر في المجهول تستدعي مجاهيل أخرى، تصبح في عالم آخر من التفكير والرؤى والتخيلات.. الصيد ممتع بهذا المعنى، يجعلك فى حالة حوار مع ذاتك ووجودك».. الصيد انعكس على عمله الفني.. لوحاته ومنحوتاته مليئة برموز بحرية، مراكب وأسماك.. ولهذا ترك شفيق القاهرة قبل سنوات، ليقيم في مملكته في الساحل الشمالي حيث البحر.. في الساحل، كما يقول «أعتبر نفسي ملكا، في القاهرة أنا مملوك»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.