ما يلفت الانتباه في “مهرجان سماع للموسيقى الصوفية” بالعاصمة المصرية القاهرة، ذلك التمازج المبهر بين الأصوات والألحان واللهجات واللغات والأزياء، وكذلك التجاوب الملحوظ من قبل الجمهور الذي ملأ جنبات شارع المعز لدين الله الفاطمي في قلب القاهرة القديمة لمشاهدة الفرق الغنائية والتقاط الصور التذكارية مع أعضائها. وكانت فرقة التنورة المصرية قد افتتحت المهرجان في دورته التاسعة بمجموعة من الرقصات الصوفية والتواشيح الغنائية، ثم تلتها الفرقة الإندونيسية، وهي ضيفة شرف المهرجان هذا العام، بتقديم العديد من الفقرات الغنائية والموسيقية، ثم أعقبتهما بقية الفرق الأخرى في مسيرة امتدت بطول الشارع الأثري القديم الذي يحوي أكبر مجموعة من الأبنية الأثرية الإسلامية في مصر، ويقطع مخطط القاهرة بأسوارها القديمة من باب الفتوح شمالا وحتى باب النصر جنوبا. ومنذ انطلاقه قبل ثمانية أعوام استطاع “مهرجان سماع” استيعاب كافة النماذج الموسيقية والغنائية الروحية بغض النظر عن العقيدة الدينية التي تنتمي إليها، ففيه تجتمع ثقافات العالم بلغاته المختلفة وألوانه المتعددة لتجسد في شكل عملي فكرة الإخاء الإنساني. وتتجاور في المهرجان التواشيح الدينية الإسلامية وتراتيل الغناء الكنسي وموسيقى الفرق الهندية والآسيوية بمعتقداتها المختلفة، ويشارك في المهرجان هذا العام 24 فرقة من بينها فرقة “سونام كارلا” و”كورال الإنجيل الصوفي” من الهند، وفرقة “الأصالة للمديح النبوي” من المغرب، و”الفرقة الوطنية النيجيرية”، وفرقتا “النجاح للموسيقى الروحية والإنشاد الديني” و”سلامية الهناء بالمنستير” من تونس، وفرقة “آلجرو” النسائية للإنشاد من البوسنة والهرسك، وفرقة “بروكلين للغناء المسيحي” من الولاياتالمتحدة الأميركية، بالإضافة إلى فرق من الأردن وسوريا والجزائر والكويت والمالديف وزامبيا والصين وباكستان وفرنسا واليونان وتايلاند. ويشارك من مصر كل من فرقة “سماع للإنشاد الصوفي والموسيقى الروحية”، و”مجموعة سماع للتراتيل والألحان القبطية”، و”فرقة السباعية للإنشاد الديني”، و”فريق راشي للألحان القبطية”، و”فرقة النيل للإنشاد الديني”. وكان للفرقة الهندية “سونام كارلا” حضور لافت في المهرجان، وهي التي تضم ستة أعضاء ينتمون جميعا إلى إحدى الطوائف الدينية التي يعود تاريخها إلى ألف عام مضت، كما يقول بورنا داس زعيم الطائفة وأحد المشاركين بالغناء في عروض الفرقة. ويؤكد داس أن طائفته تضم مجموعة من البدو الذين ترجع فلسفتهم الدينية إلى أكثر من ألف عام مضت، وأن أحد المبادئ لهذه الطائفة هو حب البشر جميعا، بغض النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو عقيدتهم أو إيمانهم أو ديانتهم أو لونهم أو عاداتهم. وعن فلسفة الفرقة يقول “يتحدث أعضاء تلك الطائفة عن أسرار الحياة بكلمات بسيطة تلمس قلب الإنسان العادي، فهم يسعون لتحقيق ذواتهم من خلال إنشاد الترانيم الروحية، ويؤمن أفراد الطائفة بأن الروح ليست إلاّ إلها كامنا في النفس يجب إدراكه والوصول إليه من خلال الاستنارة الداخلية، فالشخص الذي ينتمي إلى هذه الطائفة ويؤمن بها إيمانا حقيقيا، هو ذلك الشخص الذي يبحث عن الإله في الإنسان”. ويكرّم المهرجان الذي يستمر حتى الثلاثاء ال27 من سبتمبر الجاري الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل، وهو أحد الأصوات الشهيرة في مجال التواشيح والابتهالات الدينية، كما يكرّم في مجال التراتيل الكنسية المعلم فهيم جرجس رزق، ومفتي الديار المصرية الأسبق علي جمعة، والأنبا موسى أسقف الشباب والمنشد عبدالقادر المرعشلي.