يحاول الأولاد الأربعة في الفيلم الأسترالي “أولاد الخلاء” للمخرج ديفيد سيزار (إنتاج 2016) أن يجربوا حظهم في أن يكونوا مختلفين في حياتهم اليومية، فهم وإن واظبوا على مدرستهم في حي بريمن الأسترالي، إلاّ أنهم منشغلون كليا بالتفكير في كيفية الخروج من محدودية الزمان والمكان إلى عوالم أخرى يجهلونها. ومع ذلك، وفي نفس الوقت سيحلقون في أجواء الخيال العلمي من خلال معالجة بسيطة وإمكانات ومتطلبات محدودة، مع تميز واضح في تقديم قصة متماسكة من قصص الخيال العلمي أبطالها فتية صغار وفتيات يسند بعضهم بعضا لبلوغ أهدافهم، ذلك ما استمتعنا بمشاهدته في الفيلم. قد تبدو القصة والمعالجة معتادتَيْن، بل أحيانا مفبركتين وغير مقنعتين في البداية، مع أن هنالك تقديما مميزا بالرسوم المتحركة تُعرض فيه الشخصيات وطبيعة كل منها، ولكي يتخلص من الرتابة والتكرار يعمد المخرج إلى محاولة الزج بالقصة في متاهة الخيال المطلق. بإمكان الشخصيات المأزومة أن تجد حلا في السحر، وأن يتمثل الأصدقاء الأربعة المكونات الكونية الأربعة، وهي: عنصر النار والذي يمثله فيليكس (الممثل داوغي بالدوين)، عنصر الماء وتمثله إندي (الممثلة جويل لوك)، عنصر الهواء ويمثله سام (الممثل راهارت أدامز) وعنصر الأرض ويمثله جايك (الممثل مات تيسترو). على وقع هذه الإرادات المرتبطة بالكون الميتافيزيقي تتبعثر آراء وأفكار المجموعة التي ترغب في أن تحقق حدثا هائلا واستثنائيا، من خلال اجتياز الحوادث اليومية وما هو سائد إلى ما هو مدهش وغرائبي، وعلى هذا تكامل السرد الفيلمي من خلال مجموعة من المفارقات والمتطلبات الشعبية، ومن ذلك أيضا الجدال حول مصير القلادة السحرية والأيقونة ذات المفعول الهائل والتي ينجح الإخوة الأربعة في زجها في الأحداث الفيلمية، متجاوزين الكثير من المصاعب والاحتقانات، ولكن باتجاه ذلك الإبحار في المجهول. على صعيد الشخصيات اعتمد المخرج على شخصيات من الشباب اليافعين، ما أعطى الفيلم مسحة شبابية بحق، وقاد إلى مغامرات شغلت جل اهتمامهم، ومن ذلك التشعب في الحوارات بين المجموعة، وهي تشق طريقها وسط تداخلات من قبل الآباء والأصدقاء. المدرسة التي تحتضنهم ستتحول مكانيا إلى منطلق للجدل والنقاش ما بين أفراد المجموعة، جدل طريف وممتع مصحوب بتعاويذ ابتدعوها ليجعلوا من الطبيعة ميدانا لتلك المغامرة المشوقة التي قدمت شخصيات أكثر فاعلية وتعبيرا عن نفسها، وكذلك التمدد باتجاه التعاويذ الجماعية التي كان الجميع يلقونها فيسيطرون على القوى الجارفة التي تعصف بهم ما بين الحين والآخر. التصوير في الأماكن الطبيعية خارج الأستوديو كان علامة فارقة في الفيلم، وبالتالي فإننا بصدد فيلم قليل التكلفة، تصوير في داخل المدرسة وفي الحقول والغابة وفي البيوت الخشبية، كلها كانت فضاءً جغرافيا غزيرا، مع أننا لن نكتشف أماكن تدهشنا عندما تنتقل الشخصية – سحريا – من مكان إلى آخر. لم يلجأ المخرج كثيرا إلى الخدع البصرية والحلول في مجال الصورة، بل بدت الصور غالبا متواضعة، ليس هنالك الكثير من الأحداث الخارقة، في مقابل الكثير من الحوارات التي هي أقرب إلى الثرثرة في بعض الأحيان لكثرتها، بل إنك تشعر بأجواء عمل مسرحي بسبب كثرة الحوارات وتشعبها. في موازاة ذلك لن تبتعد قصة الفيلم كثيرا عن القصة الأصلية التي كتبها توني إيريس، وهو نفسه شارك في كتابة سيناريو الفيلم إلى جانب اثنين آخرين، والذي سبق وأن قدم في شكل مسلسل تلفزيوني موجه للأولاد اليافعين والفتيان، ليتم إعداده سينمائيا من خلال هذا الفيلم. الفيلم هو التجربة الأحدث للمخرج ديفيد سيزار (مواليد 1963)، وقد جاء من التلفزيون وكان قد أخرج ما يقارب 18 مسلسلا أغلبها نالت حظها من النجاح، لينتقل إلى السينما بإخراج خمسة أفلام سينمائية وفيلمنا هذا هو آخرها. وواقعيا بدا أسلوب السرد التلفزيوني واضحا في المسار الفيلمي من خلال محدودية الأماكن وكثرة الحوارات التي لاحت وكأنها أقرب إلى الحوارات المسرحية في بعض الأحيان. هذه التجربة في السرد الفيلمي قدمت في البداية في شكل رسوم متحركة لرصد الشخصيات وتقديمها للجمهور، ومن ثم الانتقال بالأحداث تباعا إلى تلك المغامرة والغرائبيات التي أجاد تجسيدهما أولئك الفتيان الأربعة وأصحابهم في فيلم مليء بروحية الشباب مع عدم إشباع كامل على صعيد الخيال العلمي.