منذ مدة يرقد الشاعر العربي الكبير محمد الفيتوري على فراش المرض، وقلما نجد خبراً عنه في صحيفة، أو برنامجاً تلفزيونياً يتناول حياته وشعره، أو قراءة نقدية في أحد دواوينه الكثيرة والتي يعود أولها إلى أكثر من نصف قرن، حيث يعد من جيل الرواد زمناً وإبداعاً. ثمة مبادرات هنا وهناك، مثل إصدار أعماله الكاملة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، وكانت صدرت من قبل عن دار العودة ببيروت، لكن بالتأكيد ثمة جديد لدى الشاعر الكبير منذ ذلك الحين، وهو يستحق الإشارة والحفاوة، وهو لا يزال حياً بيننا، أطال الله عمره، أم أننا لا نعرف تقدير مبدعينا إلا بعد رحيلهم، حتى أن المرء يعتقد أن نظرية "موت المؤلف" التي تقوم عليها المدرسة البنيوية في النقد، ذات أصول عربية واقعاً وممارسة حياتية، لا نقداً أدبياً! ناهيك عن المعاناة التي يتعرض لها مبدعونا الكبار والصغار، من تهميش ومضايقات وأساليب مبتكرة في الحفاوة .. لكن بطريقة معكوسة! يقول الفيتوري في الأعمال الكاملة المشار إليها: "أنا أحد شعراء هذه المرحلة وإذا كانت ثمة من مآخذ أو اتهامات أو حتى إدانات يمكن أن توجه إلى شعراء الجيل الذي أنا منه، فالحق أنني أحد أولئك المدانين، إنني إنسان يتحرك راضيا أو مكرها، ضمن دوائر هذا الخراب الهائل الذي تعيشه أمتنا العربية، كنت أتصور منذ أكثرمن ربع قرن، وكنا ما نزال حينذاك، نحمل باقات الأحلام داخل أجفاننا، كنت أتصور ان من سوف يعيش تلك الرحلة إلى مسافات بعيدة منها، سوف يكون من حظه، أن يرى وجها آخر مضيئا، من وجوه هذا العالم، كنت أتصور أن وقتا سوف يجيء وسوف نكون نحن بعض بناته، ضمن من سوف ينعمون ببعض الانتصارات والأيام الحلوة فيه ولكن ها نحن ذا، حيث بدأنا، وكأنا لم نخط خطوة واحدة إلى الأمام .. القيود في الأرجل والسلاسل في الشفاه .. أقصد الحرية التى حلمنا بها، (نحن الشعراء) لم نتجاوز طفولتها المضحكة"! ولد الشاعر الفيتوري عام 1936 بالسودان، ونشأ في مدينة الاسكندرية، هناك حفظ القرآن الكريم، ودرس بالمعهد الديني بالإسكندرية ثم انتقل إلى القاهرة، أكمل تعليمه بالأزهر كلية العلوم، عمل محرراً أدبياً بالصحف المصرية والسودانية، وعين خبيرا إعلاميا بالجامعة العربية 1968- 1970، وعمل مستشارا ثقافيا في السفارة الليبية بإيطاليا، شغل منصب مستشار وسفير بالسفارة الليبية ببيروت ثم مستشارا سياسيا وإعلاميا بسفارة ليبيا بالمغرب، من مؤلفاته: أغاني إفريقيا - شعر 1955، عاشق من إفريقيا - شعر 1964، اذكريني يا إفريقيا - شعر 1965، سقوط دبشليم - شعر 1968، معزوفة لدرويش متجول - شعر 1969، سولارا - مسرحية شعرية 1970، البطل والثورة والمشنقة - شعر 1972، أقوال شاهد إثبات - شعر 1973، ابتسمي حتى تمر الخيل - شعر 1975، عصفورة الدم - شعر 1983، ثورة عمر المختار - مسرحية 1974، عالم الصحافة العربية والأجنبية - دراسة 1981، الموجب والسالب في الصحافة العربية - دراسة 1986، يأتي العاشقون إليك - شعر 1992، شرق الشمي غرب القمر - شعر 1992، اللعبة والشاعر - نثر 2005، عرياناً يرقص في الشمس - شعر 2005، ومن الكتب التي ترجمها: نحو فهم المستقبلية - دراسة، التعليم في بريطانيا، تعليم الكبار في الدول النامية. من أشعار الفيتوري نقرأ: الله .. يا كم تغرّبنا وكم بلغت منا الهموم كما لم يبلغ الكبر فإن أكُن أمس قد غازلت أُمنيةً حيث استوى الصمتُ أو حيث استوى الضّجر فالمجد أعظم إيقاعاً وَربَّ دمٍ يمشي حزيناً ويمشي إثرهُ القَدَرُ. كما يقول في إحدى قصائده الشهيرة "أغاني إفريقيا": يا أخي في الشرق، في كل سكن يا أخي فى الأرض، فى كل وطن أنا أدعوك .. فهل تعرفنى؟ يا أخا أعرفه .. رغم المحن إنني مزقت أكفان الدجى إننى هدمت جدران الوهن لم أعد مقبرة تحكي البلى لم أعد ساقية تبكي الدمن لم أعد عبد قيودي لم أعد عبد ماض هرم عبد وثن أنا حي خالد رغم الردى أنا حر رغم قضبان الزمن.