الهجرة: نتابع تطورات أوضاع الطلاب المصريين في قرغيزستان بعد الاشتباكات بالحرم الجامعي    سعر الذهب ينخفض اليوم الاثنين في مصر مع بداية التعاملات    تداول 146 ألف طن بضائع بميناء الإسكندرية خلال 24 ساعة    إزالة بناء مخالف على مساحة 120 مترا بمدينة الأقصر    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مخيم جباليا    علي معلول يخضع لجراحة وتر أكيلس اليوم    السيطرة على حريق في منفذ بيع لحوم بالمنصورة    قبل نظر جلسة الاستئناف على حبسه، اعترافات المتسبب في مصرع أشرف عبد الغفور    تعرف علي الحالة المرورية بالقاهرة والجيزة    طريقة عمل العدس بجبة بمكونات بسيطة    اليوم.. مجلس النواب يستأنف عقد جلسته العامة    بدأت بسبب مؤتمر صحفي واستمرت إلى ملف الأسرى.. أبرز الخلافات بين جانتس ونتنياهو؟    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    اليوم.. محاكمة طبيب نساء بتهمة إجراء عمليات إجهاض داخل عيادته    اليوم.. الذكرى الثالثة على رحيل صانع البهجة سمير غانم    دعاء النبي للتخفيف من الحرارة المرتفعة    الاثنين 20 مايو 2024.. البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب4 مليارات جنيه    الرعاية الصحية تعلن حصول مستشفى الرمد ببورسعيد على الاعتراف الدولي من شبكة المستشفيات العالمية الخضراء    باكستان تعلن يوما للحداد على الرئيس الإيرانى ووزير خارجيته عقب تحطم المروحية    مجلس الوزراء الإيرانى: سيتم إدارة شئون البلاد بالشكل الأمثل دون أدنى خلل عقب مصرع إبراهيم رئيسي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    محاكمة 13 متهمًا بتهمة القتل واستعراض القوة ببولاق الدكرور، بعد قليل    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    "جهار": الإرادة السياسية الدافع الأكبر لنجاح تطبيق المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل    استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري قبل اجتماع البنك المركزي    الشعباني يلوم الحظ والتحكيم على خسارة الكونفيدرالية    رحل مع رئيسي.. من هو عبداللهيان عميد الدبلوماسية الإيرانية؟    جوميز: هذا هو سر الفوز بالكونفدرالية.. ومباراة الأهلي والترجي لا تشغلني    نجمات العالم في حفل غداء Kering Women in Motion بمهرجان كان (فيديو)    عمر كمال الشناوي: مقارنتي بجدي «ظالمة»    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    فلسطين.. شهداء وحرجى في سلسلة غارات إسرائيلية على قطاع غزة    ما حكم سرقة الأفكار والإبداع؟.. «الإفتاء» تجيب    معوض: نتيجة الذهاب سبب تتويج الزمالك بالكونفدرالية    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    محمد عادل إمام يروج لفيلم «اللعب مع العيال»    اتحاد الصناعات: وثيقة سياسة الملكية ستحول الدولة من مشغل ومنافس إلى منظم ومراقب للاقتصاد    تفاصيل حادث طائرة رئيس إيران ومرافقيه.. مصيرهم مجهول    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    الأميرة رشا يسري ل«بين السطور»: دور مصر بشأن السلام في المنطقة يثمنه العالم    وسائل إعلام رسمية: مروحية تقل الرئيس الإيراني تهبط إضطراريا عقب تعرضها لحادث غربي البلاد    أول رد رسمي من الزمالك على التهنئة المقدمة من الأهلي    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    الإعلامية ريهام عياد تعلن طلاقها    مصدر أمني يكشف حقيقة حدوث سرقات بالمطارات المصرية    جريمة بشعة تهز المنيا.. العثور على جثة فتاة محروقة في مقابر الشيخ عطا ببني مزار    اليوم.. علي معلول يخضع لعملية جراحية في وتر أكيليس    قبل إغلاقها.. منح دراسية في الخارج للطلاب المصريين في اليابان وألمانيا 2024    استشهاد رائد الحوسبة العربية الحاج "صادق الشرقاوي "بمعتقله نتيجة القتل الطبي    لبيب: نملك جهاز فني على مستوى عال.. ونعمل مخلصين لإسعاد جماهير الزمالك    الشماريخ تعرض 6 لاعبين بالزمالك للمساءلة القانونية عقب نهائي الكونفدرالية    كلية التربية النوعية بطنطا تختتم فعاليات مشروعات التخرج للطلاب    نقيب الأطباء: قانون إدارة المنشآت الصحية يتيح الاستغناء عن 75% من العاملين    حتى يكون لها ظهير صناعي.. "تعليم النواب" توصي بعدم إنشاء أي جامعات تكنولوجية جديدة    عالم بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة    أيمن محسب: قانون إدارة المنشآت الصحية لن يمس حقوق منتفعى التأمين الصحى الشامل    تقديم الخدمات الطبية ل1528مواطناً بقافلة مجانية بقلين فى كفر الشيخ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خوف الديكتاتور!
نشر في نقطة ضوء يوم 23 - 06 - 2013

كل نظام ينزع إلى ديكتاتورية ما، هو نظام يمكن أن نختزل فترة إقامته بنيَّةٍ واحدة: محاولة تقنيع خوفه، وهذا بغض النظر عن أشكال القمع أو مستوياتها التي يمارسها أو ينشط دورها في المجتمع لصالحه.
فتحت هذه الممارسات القمعية، يتوارى عاملان: الاول خوف الديكتاتور كفرد، وهو خوف يتحرك في محور بسيكولوجي، وينتج عنه أحيانا سلوك يفوق قدرة المجتمع الخامد على التسليم بأمر الديكتاتور كظاهرة مؤقتة مهما طال أمدها. أما العامل الثاني فهو الارتياب. ونعني ارتياب نظام الديكتاتور كمؤسسة ناشطة لكن متوترة، وهو ارتياب يتحرك في محور سياسي، وتتمخض عنه مجموعة مبتدعة من القيم غير المسبوقة، والقوانين الجائرة، ووسائل استبعاد النقد، والزام التاريخ بوجهة نظر مطلقة. وهو ما تعلله المنصة الاعلامية للديكتاتور، والرقابات الموضوعة في حال طوارئ، كترتيب وقائي لتحصين ذات الأمة استراتيجياً.
النظام الشمولي، يقيس ويترقب، ويبدو دائما جاهزا لمعاقبة نموذج معارض، أو منتقد. لكن ذلك لا يتم بدون آلية متكررة، وهي دفع الأصوات المعارضة إلى حجرة الخونة والعملاء بدعوى أن هؤلاء يطمحون إلى تحطيم الهوية القومية سواء آمن النظام بهذه الهوية أو إدّعاها. لكن هذه العملية، من الإبعاد القسري، المتعجل والجائر، لا تفضح فقط همّاً سياسياً يمارس رمي أطراف من المجتمع خارج السفينة، وإنما تمثل إنفاذا ميكانيكيا لقرار يتدحرج عبر المؤسسات ليصل إلى مراقبي الساحة الأمنيين. ويكون مصدر هذا القرار الديكتاتور نفسه.
ولا بد من الاعتراف بأن النتاج العلمي والثقافي للبشرية مدين في بعض وجوده لفترات زمنية كان الأمن يسود فيها تحت جناح ديكتاتوريات أو امبراطوريات عظمى أو قياصرة وربما حكام عسكر. وذلك أن هذه الدول الجائرة، إما عززت الامن وبالتالي هيأت فكرة المنفى امام العلماء والمفكرين، أو حثتهم على الكتابة ضدها مستفَزين بسياستها. ويتحتم علينا عزل الديكتاتور، كي نفهم الدوافع التي تحثه على تحصيل مجتمع سلبي، يمتص دون أن ينفجر. خوف النظام يكون جاهزا قبل نشأة النظام نفسه، لا بعده. فهو خوف له علاقة بالطبيعة النفسية للحاكم/ الشخص، وهو يسبق الخوف السياسي أو الظرفي الذي يستجد بسبب مصالح دول غريمة أو تغييرات في أولوياتها أو توزيع جيشها أو تعديل استراتيجياتها أو إقدامها على حلف سياسي أو عسكري أو اقتصادي. وبالتالي، فان النظام الديكتاتوري، لا يقوم إلا على تطويع المجتمع بما يؤمن للحاكم أرضية بصرية تناقض خوفه النفسي.
يكون الحاكم في حاجة إلى حجة دامغة تطفو كبقعة زيت عريضة على وجه الماء خافية السخام الأسود الذي يلمع في العمق. المجتمع خانعاً يمثل بالنسبة للديكتاتور، مادة سينمائية/ بانورامية/ مونوكرومية، ممنوع أن يتنفس أي جزيء فيها مستقلاً عن المجموعة، إنه كنظام النقاط التي تكوّن خط الموجة، ‘واجب' عليها أن تخضع لنفس الطاقة وأن تتفاعل بنفس الطريقة دائما، سواء هبوطاً أو صعوداً. بينما يمثل الخوف النفسي النيغاتيف غير القابلة تفاصيله للقراءة الواضحة، لأنها تفاصيل لا يريد صاحبها (الديكتاتور) الاعتراف بوجودها. يحظر على نفسه الغوص في أعماق ذاته لنبش هواجسها، وبدلا من ذلك، يختار أن يوجه مناورته مع الذات عبر محور آخر.
هكذا تبدأ شرعية الديكتاتور بأخذ اتجاه واحد: انطلاقا من خيوط بذلته العسكرية نحو تلك النقطة في دماغه التي منها ينبثق وهمه أنه على صواب. إنه بحاجة لعامل أكثر حميمية، فالشعب بالنسبة له أداة، يريد منها، الكتلة/ الشعب، عامل يسلّم الديكتاتور بوجوده دون أن يكون قادرا على تفسيره. فالديكتاتور يعرف في قرارة نفسه أن سلوك الشعب حياله هو عامل قابل للتفسير والتأويل وقد يتأجج على حين غرة، وينفلت من قبضته. ذلك أن الشعب يتموضع، بحسب الديكتاتور، في مربّع هو نقيض الحميمية. لا يمكن لشعب أن يكون حميما لدى الديكتاتور، ولا يمكن لديكتاتور أن يكون حميماً لدى شعب. والإثنان، الديكتاتور والشعب، لا يجرؤ الواحد منهما على الإفصاح بهذا للآخر. هكذا، تتحول صورة الديكتاتور، في مرآته البسيكولوجية، إلى مجرد رتق موصولة ببعضها لكن بخياطة ضعيفة، ويولّد ذلك بالنسبة لديه إرباكا يضاف إلى خوفه المنقول معه من قبل تسلم السلطة. وهذا ما يفسر تماثل سلوك كل أباطرة التاريخ مع بعضهم البعض وتميُّزهم جميعاً بالبطش والحزم والانفعال والعناد والعصبية (عصبية الآلة العسكرية المعلنة على الأقل). وهو ما يفسر أيضا عدم قدرتهم على تحمل مشهد تظاهرة ضدهم، ولا سماع هتاف يندد بهم او يدعوهم لترك السلطة. يصبح الامر بالنسبة لهم مسألة شخصية بامتياز، وتتحول البلاد إلى طاولة شطرنج مؤجلة، بينما يقف اللاعب الوحيد على طرفها شاهراً سكينه وجاهزاً لمعاقبة الخصم/ الشعب، لأن هذه الكتلة الديمغرافية فاجأت الديكتاتور بأمرين: أولاً قدرتها على نقل حجرها الوحيد، وثانياً حقيقة أنه لا يمتلك هذا الحجر.
إن نشاط المجتمع فجأة لاستعادة حقه، يراه الحاكم مجسّماً متمدداً لفشله. في كل يوم، يصبح وزن هذا المجسّم أكبر، وتتضخم ملامحه ويجوع أكثر. يصبح فشله فشلاً جائعاً. يوقن الديكتاتور فجأة أنه فقد اللحظة، وأن اللحظة انزلقت من قبضته، وأن قبضته مثقوبة. وبالتالي، فهو بفقدانه الشعب (الذي لم يكتسبه أصلاً)، يفقد الشرط الضروري لتصريف خوفه. لذلك يصبح عليه الاستعانة بالنسخ المعدّلة لصورته، نسخ أقل تمزقا لكن أكثر هشاشة. هؤلاء أتباعه، الأكثر جهوزية لبذل ما أمكن لإعادة الشعب إلى طاولة الشطرنج مكبّل اليدين وأمامه حجره الوحيد. وفيما يمضي الشعب قدما في تطوير نشاطه، سعيا لاستعادة حقه الانساني، يكون الديكتاتور منشغلا بوضع الخطط لاستعادة الرقع التي سلبه إياها الشعب. الشعب يرتبط وجوده بقيمة إنسانية، والحاكم يقيس وجوده بقدرته على ملء ثقوب صورته المعطوبة، وبالتالي، فإنهما يتحركان ضمن معطيين مختلفين، وغالبا ما يحدث أن الشخص ذا الصورة الممزقة يكون غير قادر على مطاردة الخصوم، وأغلب الظن، ينفرط قبل نهاية الطريق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.