ما زال الغموض يكتنف شكل الإستراتيجية التي ينتهجها المجلس الأعلي للسلام في أفغانستان للوصول إلي مصالحة وطنية شاملة، وذلك بعد مرور أكثر من أربعة أشهر علي تشكيله برئاسة الرئيس الأفغاني السابق برهان الدين رباني وعضوية سبعين شخصية تعتبرهم الحكومة ممثلين لكل أطياف المجتمع الأفغاني وأعراقه. ويري مقربون من رباني أنه يسعي إلي الخروج بالمصالحة الوطنية عن طابعها الحكومي السابق الذي أظهرها وكأنها دعوة للاستسلام، لإعطائها طابعا شعبيا وقبليا، والابتعاد عن أخطاء لجنة المصالحة الوطنية برئاسة صبغة الله مجددي التي ركزت علي انضمام مسلحي حركة طالبان للحكومة وتسليم أسلحتهم. وقد دعا رباني إلي مشاركة شعبية أوسع في برامج المصالحة الوطنية أثناء جولته التي شملت حتي الآن هرات وقندهار وجلال آباد، والتقي أثناءها بزعماء القبائل والوجهاء. واعتبر رباني في تصريحات له أثناء زيارته لجلال آباد شرقي البلاد أن مسألة السلام والاستقرار في أفغانستان قضية محلية وإقليمية وعالمية، لا يمكن استثناء أي طرف منها، وإن كانت الحكومة الأفغانية وطالبان هما المعنيان الرئيسيان بها وعليهما أن يجلسا علي طاولة المفاوضات. وقال بيان للمجلس الذي يحتل الصدارة فيه قادة وزعماء أحزاب المجاهدين في حقبة الاجتياح السوفياتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن الماضي إن هذه الاجتماعات تهدف إلي التعرف علي الواقع وبناء إستراتيجية جديدة للسلام والمصالحة. وأشارت مصادر المجلس الأعلي للسلام إلي أن وفدا يستعد لزيارة باكستان لإجراء محادثات واسعة تشمل شخصيات وأحزاباً معروفة بعلاقاتها بحركة طالبان إضافة إلي الجهات الرسمية. وان كان من المبكر الحكم علي مدي نجاح أو فشل المجلس الأعلي للسلام، الا ان بعض المراقبين الافغان يوجهون إليه انتقادات كثيرة تتعلق بهيكلة وطريقة العمل التي بدأ بها، وأهلية رئيسه زعيم الجمعية الإسلامية الذي تجاوز الثمانين من عمره وكان الخصم الرئيسي لحركة طالبان حتي اواخر 2001 مع هجمات سبتمبر. في الوقت ذاته تساءل رئيس المركز الأفغاني للتحليل السياسي في كابل غلام جيلاني خواك عن الهدف من اللقاءات التي يجريها رباني مع الشخصيات العامة في الولايات مؤكدا ان الهدف من تشكيل المجلس الأعلي للسلام هو الحوار مع طالبان وغيرها من المنظمات المسلحة. وأعرب خواك عن قلقه من تقارير اعتبرها تثبت استغلال رباني للمجلس لتحقيق مصلحة حزبه "الجمعية الإسلامية". ونقل عن وزير الإعلام الأسبق عبد الرحيم مبارز عضو في المجلس قوله إنه لا يدري ما علاقة المشاورات التي أجراها رباني في هرات غربي البلاد بموضوع المصالحة وجلب طالبان والمنظمات المسلحة لطاولة الحوار، مشيرا إلي استغلال المجلس لحسابات سياسية غير المصالحة. وإلي جانب عدم نجاح المجلس الأعلي للسلام حتي الآن في الخروج عن الرعاية الرسمية حتي لا يتهم بأنه أداة للحكومة فإنه بدأ يسير بخط متواز وبتنسيق مع برنامج السلام والاندماج التابع للحكومة الذي يرأسه معصوم ستانكزي أحد أكثر المقربين من الرئيس الأفغاني حامد كرزاي. وقد قال ستانكزي إن مساعي المصالحة والسلام تحقق تقدما ولو بطيئا، خاصة فيما يتعلق بانضمام جماعات مسلحة للحكومة، لكنه رفض الإفصاح عن طبيعة التقدم وحجمه في وقت تؤكد فيه حركة طالبان رفضها للحوار دون الموافقة علي شرط خروج القوات الأجنبية من أفغانستان. وقد بدأ مصطلح الغاضبين إشارة إلي الجماعات المسلحة يتردد علي ألسنة المسئولين الأفغان منذ الإعلان عن تشكيل المجلس الأعلي للسلام، وهو ما فهم منه بعض المحللين أن عملية السلام الجارية يراد لها أن تكون عملية استرضاء لتلك الجماعات، خاصة أن 140 مليون دولار رصدت في مؤتمر لندن قبل عام بهدف إغراء المسلحين للانضمام للحكومة رفضته حركة طالبان حينها بتهكم. الا ان التقديرات رغم مرور ما يزيد علي عام مازالت تؤكد ازدياد حجم المقاومة وارتفاع عدد القتلي في صفوف القوات الأجنبية الي ان بلغت رقما قياسيا في العام المنصرم ببلوغها حاجز 710 قتيل. وعلل حاكم ولاية كونر الواقعة شرقي أفغانستان عدم تجاوب الجماعات المسلحة في الولاية الي برنامج المصالحة بعدم وجود ضمانات لأمنهم ومستقبلهم، بعد أن تعرض بعض من انضموا للحكومة سابقا للتحقيق بهدف الحصول علي معلومات عن جماعاتهم، وخضع آخرون للرقابة الأمنية. وفي هذا الصدد اعتبر رئيس مركز التحليل السياسي غلام جيلاني خواك التحركات التي جرت حتي الآن باتجاه المصالحة الوطنية أنها مجرد تمرين لا فائدة منه، معربا عن قناعته بأن الأمر لا يخرج عن قرار الأجهزة الأمنية.