قس مغمور اسمه تيري جونز يهدد بحرق المصحف احتجاجا علي خطط اقامة مركز ثقافي يضم مسجدا بالقرب من جراوند زيرو تيري جونز تكرم علينا وتراجع عن حرق المصحف، تيري جونز يهدد بالتراجع عن التراجع مالم يتم تغيير موقع بناء مركز "دار قرطبة " الثقافي، ولابد من الاشارة هنا لأن اختيار اسم دار قرطبة كان اختيارا عبقريا لأنه في قرطبة بالاندلس في سنوات المجد الاسلامي تعايشت مختلف الاديان والثقافات والافكار في مجتمع متناغم منذ مئات السنين علي عكس جو التربص الحالي الذي يشيعه في عصرنا من يدعون انهم يحملون لواء اديان تدعو جميعها في جوهرها الي الرحمة والاخاء . وسارت مظاهرات مؤيدة لبناء مركز دار قرطبة بالقرب من جراوند زيرو، ومظاهرات مناهضة لبناء نفس المركز الثقافي بالقرب من جراوند زيرو فيما يعكس طبيعة المجتمع الامريكي التعددي . كان الامر اشبه بمولد وصاحبه غايب، وصاحبه هو الحكومة الامريكية التي لم تتدخل لوقف اهانة دين يدين به نحو 8 ملايين من مواطنيها بحجة ان الدستور الامريكي يمنع تدخلها في الشأن الديني، رغم ان هذا الدستور لم يحل دون ملاحقة مسلمين داخل وخارج الولاياتالمتحدة علي اساس دينهم بعد الحادي عشر من سبتمبر الذي تشكك حركات داخل الولاياتالمتحدة نفسها في صدق الرواية الرسمية عنه . وتجاهلت الحكومة الامريكية ايضا ان الامر لايقتصر علي مجرد ابداء رأي برفض الدين الاسلامي، فحتي القرآن نفسه ينص علي حرية اي امريء في أن يصدقه او يرفضه وسيكون الحكم لله في النهاية . لكن مكمن الخطورة في هذا الموقف هو ان هناك قلة مسلمة متعصبة مثل القلة المسيحية المتعصبة في الولاياتالمتحدة يجب ان توضع عواقب رد فعلها في الاعتبار، سواء داخل الولاياتالمتحدة او خارجها . وقد تراجع تيري جونز فعلا عن تنفيذ تهديده بحرق المصحف، لكن عدوي التعصب الذي اظهره هذا القس، الذي اشك انه يفهم جوهر المسيحية القائم علي المحبة، امتدت لتطول رجال دين آخرين واشخاصا عاديين في مناطق اخري من الولاياتالمتحدة اعربوا عن كراهيتهم لدين لم يسعوا لفهمه حقا . وتواترت انباء عن قيام احد المشاركين في مسيرة مناهضة للمسلمين في نيويورك بتمزيق صفحات من القرآن الكريم واحراقها، وقيام مجموعة مسيحية تابعة لجماعة حفلات الشاي اليمينية المتطرفة بتمزيق صفحات من كتاب الاسلام المقدس امام البيت الابيض وقام بوب اولد راعي كنيسة سبرينجفيلد بتينيسي باحراق نسخ من القرآن في منزله . وظهر علي موقع يوتيوب فيديو يصور احراق كنيسة ويستبورو المعمدانية بكانساس للقرأن الكريم تنفيذا لتهديد راعيها القس فريد فيليبس الذي قال في هذا الفيديو ان الله يكره الاسلام ليعود بذلك الي ظلام العصور الوسطي حين كان رجال الدين يدعون احتكارهم للحقيقة ويمنحون الناس صكوكا لدخول الجنة او ينذرونهم بالنار . كل هذا كان يجب ان يلفت انتباه الحكومة الامريكية من الجهة الامنية .فماذا يمكن ان يحدث لو قام مسلم متعصب مثل هؤلاء المسيحيين المتعصبين بحرق نسخة من الانجيل، وهو كتاب تحترمه اغلبية المسلمين وتضعه في مكانة لا تمس، ألن يتصاعد الامر بافعال وردود افعال تنذر بالخطر ؟ وماذا سيكون رد فعل تلك الاحداث مثلا علي امن الجنود والمواطنين الامريكيين في الدول الاسلامية ؟. واتذكر انني اثناء عملي كصحفية بالصين قرأت عن قيام جزار من الهان، وهي الاغلبية التي لا تدين بدين هناك, بتعليق خنزير في محل الجزارة الخاص به في احد اقاليم الصين التي يوجد بها مسلمون، وكتب عليه لحم خنزير اسلامي . وعقب ذلك تعرض هذا الجزار للقتل فألقي الهان بالمسؤلية علي المسلمين وهاجموهم، فزحف مسلمون من مناطق مجاورة لنجدة بني جلدتهم، ولم يهدأ الامر الا بتدخل الجيش . فالدين من الاشياء الحساسة التي قد تثير مواطني دولة واحدة علي بعضهم البعض فيما قد يؤدي لحدوث كوارث لا داعي لها . فمعظم النار تأتي فعلا من مستصغر الشرر. ومع تعالي بعض الاصوات بدعاوي سخيفة ضد المسلمين والاسلام في الولاياتالمتحدة في خضم هذا المولد الذي امتلأ بالسخافات . وبعد يومين من بلوغ الحملة المناهضة لبناء مركز ثقافي يضم مسجدا علي بعد ناصيتين من موقع مركز التجارة العالمي ذروتها بالاحتفال بذكري9/11 خرج صوت عاقل يبشر بامكانية ايجاد حل لهذه الفورة المفتعلة للمشاعر، حين صرح فيصل عبد الرؤوف، الامام الذي يقف خلف خطة بناء المركز الثقافي، بأن تغيير مكان المشروع هو خيار وارد وانه لو كان يعلم بالعاصفة التي ستثيرها هذه الخطة لاختار منذ البداية موقعا آخر مشيرا لأن احدا لم يعترض عندما تم الاعلان في البداية عن خطة بناء المركز في هذا الموقع خاصة انه مركز ثقافي لكل الديانات والثقافات وليس مقصورا علي المسلمين . وقال عبد الرؤوف في كلمة القاها امام مجلس العلاقات الخارجية يوم الاثنين 13 سبتمبر انه يبحث جميع الخيارات مع من يدعمون المشروع لنزع فتيل هذه الازمة، لكنه دافع عن اهمية المضي قدما في بناء المركز كجزء من المعركة ضد قوي التطرف الاسلامي . قائلا ان المتطرفين المتشددين اختطفوا التعبير عن الاسلام، لكنه بحكم معرفته الحقيقية بهذا الدين قادر علي مواجهة حججهم والرد عليهم . وهنا لابد من الاشارة لأنه لا ينبغي ايضا للامريكيين، علي المستويين الرسمي والشعبي، السماح للمتطرفين المسيحيين باختطاف التعبير عن الدين المسيحي، او استهداف حرية العقيدة والفكر للمخالفين لهم ليهدموا بذلك اساس دولة الحريات في الولاياتالمتحدة ويقوضوا حقوقا كفلها الدستور الامريكي لكل من يعيش علي الاراضي الامريكية .