مجتهدة بدرجة "جيد جداً" .. وطموحة بدرجة "امتياز مع مرتبة الشرف"، فالمتابع لمسيرة الفنانة بشري لايجد صعوبة في رصد قدرتها غيرالعادية علي أن تجدد وتطور من نفسها، وهو الأمر الذي تؤكده اختياراتها، سواء السينمائية، كما في الفيلم الذي تصوره الآن بعنوان مؤقت "987"، أو المسرحية التي أعادت تقديمها مؤخراً بعنوان "براكسا" عن نص للكاتب الكبير توفيق الحكيم، أو تتويج اجتهادها، وطموحها، باختيارها لتنضم إلي عضوية لجنة التحكيم الدولية في الدورة الأخيرة لمهرجان الاسكندرية السينمائي. ما الفكرة من إعادة تقديم عرض "براكسا" واختيار مسرح الأوبرا تحديداً؟ - رغبة في تأكيد النجاح الذي حققه العرض عندما قدمناه من قبل، بالإضافة إلي أن التجربة جديدة تماماً علي مسرحنا المصري والعربي، لكونها مأخذوه عن نص لكاتبنا الكبير توفيق الحكيم بعنوان "برلمان الستات"، كما أن العرض أثبت أن هناك من يقدر موهبتي، وكلنا يعلم أن المسرح لايعرف الزيف ولا الخداع، والتجاوب اليومي للجمهور يمثل استفتاء حياً ومباشراً لمدي التواصل الذي يتحقق بين الفنان والجمهور، فإما أن يثبت نفسه أو يغادر التجربة برمتها لأنه غير مرحب به. مافكرة العرض التي و صفتها بأنها جديدة؟ - فكرة قيام النساء بالتفرد بحكم أثينا، عقب إعلان التمرد علي الرجال، وقدن ثورة عليهم تزعمتها "براكسا" التي أجسد شخصيتها، واستقلت بالحكم، والجميل أن الفكرة يتم تقديمها في إطار استعراضي موسيقي كوميدي، وهو القالب الذي أفضله مما شجعني علي خوض التجربة. ألم يكن السر وراء حماسك للتجربة أنها تنصبك بطلة مطلقة للعرض المسرحي؟ - في رأيي أن كل المشاركين في العرض أبطال "نجوم بالفعل علي صعيد الأوبرا مثل: أحمد ثابت وغيره ن الراقصين المحترفين في فرقة باليه أوبرا القاهرة، والكل أدي واجبه علي أكمل وجه. لكن في كل مرة يفاجأة الجمهور بأن مدة تقديم العرض المسرحي غير كافية ومحدودة للغاية؟ - لأن الدعم الذي نتلقاه من وزارة الثقافة غير كاف، فالمنتج خالد إبراهيم يبذل جهوداً كبيراً، ليس علي صعيد الآجور، بل علي مستوي الانفاق علي عناصر مهمة كالديكور والملابس والاستعراضات، والنص المحترم، وكلها أشياء جعلت العرض محل آعجاب وتقدير النقاد ولاقي صدي طيباً لدي الجمهور، لكن كل هذا لا يكفي لدعم المنتج الذي قدم تجربة تليق بوزارة الثقافة نفسها، ولم يلجأ إلي التبرع وإلا اختار المسرح الهابط والمبتذل. ولماذا تجاهلت وزارة الثقافة التجربة علي الرغم من أهميتها؟ - هذا العرض يستطيع، بالاضافة، أن يمثل مصرفي المهرجانات الدولية، لكن في كل مرة نفاجأ بأن مدة العرض لا تتيح انتشاره بالشكل المطلوب، ففي المرة الأولي عرضناه لمدة عشرة أيام، وفي الثانية التي انتهت مؤخراً عرضناه لمدة دار الأوبرا، لكننا فوجئنا بعد التجاهل الذي واجهناه من وزارة الثقافة في المرة الأولي بأن وزير الثقافة حرص علي تشريفنا في العرض الثاني، وكان سبباً في حضور أكثر من مسئول بوزارة الثقافة، لكن يبدوا أن تبعية العرض لفرقة قطاع خاص، وخروجه من عباءة وزارة الثقافة، كان سبباً في تراجع الاهتمام به من قبل قيادات وزارة الثقافة، ومن هنا تراجع الدعم الذي نناشد الوزير أن يقدمه لهذا العرض المسرحي المتميز، والذي يملك اصحابه هدفاً حقيقياً يصب في خانة الارتقاء بالذوق العام، وإعادة الرونق والقيمة للمسرح المصري، بعدما أصيب بالسكتة القلبية، فلا جدال أن كل الأعمال الجيدة في الفترة الأخيرة هي مجرد محاولات فردية تنم عن إجتهادات شخصية، فلا يوجد كيان مسرحي يُذكر، لدينا منظومة تسير حسب منهج محدد. هل صحيح أنك لم تحصلي علي أجر عن مشاركتك في عرض "براكسا"؟ - هذا ماحدث بالفعل، بعدما قررت أن أكتفي بغرس بذرة في التربية التي ينبغي أن تكون أساسا خصبا لقيام نهضة مسرحية شاملة، بمعني أنني أضع، بلامبالغة، حجر أساس هذه النهضة من خلال عرض "براكسا" ولم أنظر في سبيل تحقيق هذا الهدف إلي الماديات، وكذلك فعل كل طاقم العمل في هذا العرض، وأتمني من كل قلبي أن تصبح هذه المبادرة مثلا يحتذي من الزملاء، وتصبح سبباً في تشجيعهم للقيام بمبادرات مماثلة ووقتها سيتغير تماماً حال المسرح المصري. والعوائق التي واجهت تنفيذ رغبتكم في إعادة العرض؟ - الروتين، وثانيها أن البعض لم يتجاوب مع العرض بوصفه تجربة فنيه جديدة، ويحتاج إلي مزيدمن الإقناع والاقتناع، فقد كنا نبذل جهوداً مستميتة لتنظيم العرض، ولا أبالغ أن الوضع تغير بعض الشيء عقب حضور وزير الثقافة، وأيضاً د. أحمد زويل ولفيف من الإعلامين والصحفيين ورجال الفكر والفن والسياسة، ووقتها نسينا كل المشاكل التي كانت تواجهنا، وأدركنا أننا نجحنا بعد إشادة الجميع بالعرض في كل عناصره. وهل هناك نية لتقديمه مرة أخري؟ - أتعشم هذا لأن العرض في نظري لم يأخذ حقه بعد، لكن لابد من الدعم وتقديم المزيد من التسهيلات، وعلي رأسها أن توفر وزارة الثقافة المسرح الذي يستوعب التجربة، فالمسرح الكبير بدار الأوبرا هو الوحيد الذي يصلح لتقديم العرض عليه، سواء من ناحية الديكور أو الإضاءة أو "الشياكة" التي تدفع الجمهور للاقبال علي هذا العرض الراقي، أما بقية المسارح فإنها تفتقد تماماً المواصفات التي تجعلها قادرة علي استقبال العرض أو استيعابه سواء حيث بنيتها الاساسية، أو أسباب الرفاهية المطلوب كوجود مكان لانتظار السيارات مثلاً. ألا يدعوك نجاح العرض إلي التفكير في تقديم تجربة أخري؟ - لقد نجح عرض "براكسا" في شقه التجاري والجماهير أيضاً، بدليل أن الأيام شهدت رفع لافتة "كامل العدد" وإن كان البيع ل 80% و 20% دعوات، لكن النجاح وإشادة النقاد شجعنا علي التفكير في التحضير لعمل مسرحي جديد بنفس المجموعة، ومع المنتج نفسه، وأتصور انه سينتمي لنفس النوعية التي قدمناها في "براكسا" هي نوعية أفضلها، تمزح بين الفكر والاستعراض والموسيقي، وكلها عناصر جذب مهمة للجمهور، مثلما تؤكد علي أهمية روح الجماعة ونبذ "الأنا". بعيداً عن المسرح ماأخبارك السينمائية؟ - أقوم حالياً بتصوير فيلم جديد يحمل عنواناً مؤقتاً "978" مع المخرج محمد دياب، في أول تجربة إخراجية له بعد الكتابة للسينما، ويشاركني بطولة الفيلم، نيللي كريم وباسم سمرة مع ماجد الكدواني وأحمد الفيشاوي وناهد السباعي، ويحكي في إطار مشوق، ومن زاوية جديدة ومبتكرة عن مشاكل المرأة المصرية. وهل سقط الغناء من دائرة أولوياتك؟ - بالعكس، فأنا استعد لتحضير الألبوم الغنائي الجديد، والذي سيشهد تعاوناً مع الشعراء: أيمن بهجت قمر وبهاء الدين محمد والملحنين، محمد يحي ومحمد النادي وعمرو ومصطفي لكننا مازلنا في مرحلة البحث والتنقيب، وإن كنت أستعد الآن لتصوير اغنية"قول وأنا أقول" من ألبومي السابق "احكي". لا أخفي عليك أن قرار اختيارك لعضوية لجنة التحكيم الدولية في مهرجان الاسكندرية والسينما، أثار جدلاً كبيراً، وربما فجر غضباً، في الأوساط السينمائية؟ - لا أنكر أن البعض اعترض علي اختياري لكنني تعاملت معها علي إنها "صيحات رجعية" تنم عن آراء متعسفة، لا تتجاوز في نظرتها أرض الواقع، ولا تمتلك الرؤية المستقبلية، أو النظرة المثقفة، فلا تخلو تظاهر أو احتفالية ثقافية أو فنية من عنصر الشباب، الذي يمثل الرؤية الجديدة والمتطور والطازجة، والذي يمثل شريحة عظمي في المجتمع لابد أن يكون لها صوتها المعبر عنها، ولست أبالغ عندما أقول أن وجود شاب في اللجان التحكيمية يضيف عليها ثراء ويكسبها حيوية. وكيف قيمت التجربة بعد انتهائها؟ - سعدت جداً، خصوصاً أن التجربة اثبتت أن إدارة المهرجان في هذه الدورة كانت تتمتع بوجهة نظر صائبة، ولم تلتفت لصيحات المعارضين للتجربة، بالإضافة إلي الوعي الكبير الذي لمسته من جانب أعضاء اللجنة، والأهم التواصل الذي حدث بين أجيال مختلفة بعدما كانت لجان التحكيم مقصورة في عضويتها علي المخضرمين فقط.. ولا أبالغ عندما أقول إنها كانت دورة مميزة، كما أن التجربة شجعتني علي تكرارها فوراً إذا طلب مني المشاركة في لجان تحكيم مهرجانات أخري، وهي مهمة تحتاج إلي توافر عناصر مهمة مثل إجادة إحدي اللغات الاجنبية إجادة تامة، وأن يتمتع عضو اللجنة باستنارة وانفتاح علي شعوب العالم، والأهم أن تتسم أواؤه، وشخصيته، بالموضوعية والقدرة علي التفاهم، وعدم التعصب الأعمي، وأن يمتلك ميزة التعامل مع روح اللائحة أو القانون، وهو ما سيمنحه مرونة مطلوبة في مثل هذه الأحوال وإلا فلن يجد نفسه سوي طرف في صراع مرفوض ينسف الهدف من الفكرة.