يمكن اعتبار زيارة الرئيس مبارك إلي واشنطن للتباحث مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمثابة تطورٍ جوهري في مسار العلاقات الأمريكية المصرية، لاسيما في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من تطورات آنية سواء علي مستوي عملية التسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي المهددة بالجمود مع رفض إسرائيل وقف التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية أو الملف النووي الإيراني وتوازن القوي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط والتهديدات الإسرائيلية بشن هجوم عسكري علي المنشآت النووية الإيرانية بصورة منفردة، ناهيك عن كون هذه الزيارة هي الأولي منذ حوالي خمسة أعوام امتنع خلالها الرئيس مبارك عن زيارة واشنطن. واتساقًا مع أهمية هذه الزيارة، اتجهت المنظمات والمراكز البحثية اليهودية في واشنطن علي اختلاف توجهاتها حيال عملية السلام ودعم حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية لإعداد مقترحاتها لتعزيز العلاقات الأمريكية المصرية وطرحها للنقاش العام لاجتذاب الدعم الرسمي والجماهيري لرؤيتها حول مستقبل عملية السلام والدور المصري في إطارها في حين اتجهت منظمات أخري لطرح مطالب تتعلق بأمن إسرائيل والعلاقات المصرية الإسرائيلية والمستقبل السياسي للنظام الحاكم في مصر وترويجها إعلاميا وسياسيا لوضعها علي أجندة مباحثات الرئيس الأمريكي أوباما مع الرئيس المصري. وفي هذا الصدد يمكن القول إن جهود الرئيس مبارك لدفع عملية السلام قدمًا قد وجدت صدي إيجابيا لدي يهود الولاياتالمتحدة ووفق استطلاع الرأي الذي أجرته الرابطة اليهودية لمناهضة التشهير Anti- Defamation League في 8 من أبريل 2009 فإن سياسات الرئيس مبارك تحظي بتأييد 42% ممن شملهم استطلاع الرأي في مقابل اعتراض حوالي 29% علي تلك السياسات، وبالمقارنة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن الذي أشار حوالي 49% من اليهود الأمريكيين أن سياساته لا تدفع عملية السلام قدمًا، فمن المتوقع ألا تتعدي ضغوط المنظمات اليهودية الحملات الإعلامية للتأثير في المباحثات أو إعداد قائمة بمقترحات يوقع عليها أعضاء الكونجرس المرتبطون بتلك المنظمات ورفعها كتوصية لأوباما لطرحها علي الرئيس مبارك. أمن إسرائيل يبدأ من حدود سيناء مع غزة تأتي قضية تهريب الأسلحة عبر شبه جزيرة سيناء المصرية إلي قطاع غزة علي قمة القضايا التي أولتها المنظمات اليهودية بالولاياتالمتحدة اهتمامًا كبيرًا، خاصةً منذ نهاية العملية العسكرية الإسرائيلية علي قطاع غزة مع مطلع عام 2009، فلقد انتقد كل من ماثيو ليفيت Matthew Levitt ويورام كوهينYoram Cohen الباحثين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني Washington Institute For Near East Policy عدم فاعلية الإجراءات المصرية في التصدي لتهريب الأسلحة عبر الأنفاق الفلسطينية منذ سيطرة حركة حماس علي قطاع غزة في عام 2007 مؤكدين أن الفترة بين عامي 2005 ويناير 2009 قد شهدت تهريب 250 طنا من المتفجرات و80 طنا من الأسمدة الكيمائية و4000 من رءوس صواريخ القسام وحوالي 1800 صاروخ وفق التقرير الذي أعده جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد، مؤكدين أن القاهرة يجب أن تتعاون بشكل أكبر مع تل أبيب للقضاء علي مشكلة الأنفاق التي تمثل تهديدًا مشتركًا للدولتين. وفي السياق ذاته اقترح كريس هارنيش Chris Harnisch في تقرير بعنوان دور مصر في تهريب السلاح لغزة نشرته كل من مؤسستي معهد أمريكان إنتربرايز American Enterprise Institute ومركز السياسات اليهودي في واشنطن the Jewish Policy Center في 3 من أغسطس الجاري تبني رؤية الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي Israeli National Security Council جيورا إيلاند Giora Eiland حول إنشاء منطقة أمنية تمتد لمسافة ميلين من الحدود بين مصر وغزة، مغلقة بسياج مزدوج، لإحكام السيطرة علي الأمن علي الحدود بين مصر وقطاع غزة. واقتبس التقرير عن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي السابق أفي ديختر Avi Dichter انتقاده للقاهرة في أكتوبر 2007 بقوله :"إن السلطات المصرية تستطيع إنهاء كافة عمليات تهريب الأسلحة في يوم واحد إذا ما أرادت ذلك" كما نوه كريس إلي قيام الكونجرس بتجميد 100 مليون دولار من المساعدات الأمريكية المخصصة لمصر في ديسمبر 2007 وربطها بالقضاء علي تهريب الأسلحة وقيام الرئيس بوش بتخطي قرار الكونجرس وإصدار قرار رئاسي باستئناف المساعدات للقاهرة وإمكانية تكرار ذلك إذا لم تبذل القاهرة جهودها في هذا الصدد. ويري كريس أن معالجة مشكلة تهريب الأسلحة ترتبط بتدني مستويات التنمية في شبه جزيرة سيناء وافتقاد البدو لفرص العمل وتردي أوضاعهم المعيشية ومن ثم يلجأ عدد كبير منهم للانخراط في عمليات التهريب التي تدر أرباحًا سنوية تقدر بحوالي 200 مليون دولار ومن ثم يؤكد كريس أن الاستثمار في البنية التحتية وتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في شبه جزيرة سيناء وتوفير فرص العمل يمكن أن يقضي علي الأسباب المحورية لتنامي أنشطة التهريب إلي قطاع غزة. وفي سياق متصل أشار ديفيد ماكوفسكي David Makovsky الباحث السياسي بمعهد دراسات الشرق الأدني Washington Institute For Near East Policy إلي أن الكونجرس قد خصص حوالي 23 مليون دولار من المساعدات للقاهرة بعد دراسة التقييم الميداني التي أجراها فريق من سلاح المهندسين الأمريكي the U.S. Army Corps of Engineers لشبكات الأنفاق علي الحدود المصرية مع قطاع غزة بعد نهاية الهجوم الإسرائيلي علي القطاع فضلا عن إمداد القاهرة بمعدات تقنية متقدمة لتدمير الأنفاق إلا أنه لم يجد في تلك الجهود ما يكفل إنهاء تلك الظاهرة واقترح تكوين لجنة أمنية ثلاثية عليا من ممثلين عسكريين من مصر وإسرائيل والولاياتالمتحدة لتداول المعلومات الاستخباراتية حول مسارات الأنفاق وعمليات التهريب.