يمكن اعتبار زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو إلي واشنطن للتباحث مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بداية لمرحلة جديدة علي مستوي العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قد لا يكون من اليسير التنبؤ بسماتها العامة وانعكاساتها علي عملية التسوية السلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتوازنات القوي الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في ظل التناقض الواضح في توجهات الطرفين وأهدافهما المعلنة فيما يتعلق بتلك القضايا وأولوية حسم كل منها خاصة التهديد النووي الإيراني لإسرائيل، والمضي قدمًا في عملية التسوية السلمية للقضية الفلسطينية. وفي هذا الصدد فإن مواقف الرأي العام الأمريكي تُعد محددًّا هامًّا لمسار المباحثات بين الجانبين وقدرة أيهما علي ممارسة مستوي معين من الضغوط علي الطرف الآخر لأخذ رؤيته تجاه القضايا الخلافية بالاعتبار وهو ما يثير تساؤلاً علي قدر كبير من الأهمية يتعلق بمدي الدعم الذي تحظي به الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يغلب عليها التوجه اليميني المتشدد والرافض بقوة لاستئناف المحادثات مع الطرف الفلسطيني أو وقف النشاط الاستيطاني الآخذ في التصاعد، ومن هذا المنطلق يسعي هذا التقرير لاستقصاء توجهات الرأي العام الأمريكي حيال القضايا التي سوف تتناولها محادثات نيتنياهو وأوباما منتصف هذا الشهر. أولوية أمن إسرائيل من المنظور الأمريكي بداية يمكن الإشارة إلي أن الرأي العام الأمريكي يرجح المصالح الإسرائيلية المرتبطة بالأمن ووضع إسرائيل في توازن القوي الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وهو ما توضحه نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة التعاون الأمريكي الإسرائيلي American Israeli Cooperation Enterprise في 12 من يناير 2009 والتي أكد فيها حوالي 90% ممن شملهم الاستطلاع علي تأييدهم لضرورة حث الفلسطينيين علي وقف تعليم أبنائهم كراهية إسرائيل. بالتوازي مع تأييد حوالي 91% لأولوية وقف الميليشيات الفلسطينية لإطلاق الصواريخ علي مستوطنات ومدن جنوب إسرائيل، وذلك في مقابل تأكيد حوالي 41% علي ضرورة فتح معابر قطاع غزة وتأييد 38% لوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية كمتطلب أساسي لتقدم عملية السلام بين الطرفين. وفي السياق ذاته رأي حوالي 76% من الأمريكيين أن جهود الولاياتالمتحدة لدعم توصل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلي تسوية للصراع فيما بينهما يجب أن ترتبط بالضغط علي إيران لمنع إمداد الفصائل الفلسطينية بالسلاح لاعتبار ذلك تهديدًا لأمن إسرائيل، يبرر عدم انخراطها بجدية في محادثات السلام مع الطرف الفلسطيني. حدود الدور الأمريكي في عملية التسوية وتؤكد تلك التوجهات علي أن الرأي العام الأمريكي لا يدعم فرض ضغوط علي الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نيتنياهو ذات التوجه اليميني المتشدد والتي تطرح سياسات جدية فيما يتعلق بعملية التسوية تنحو تجاه العودة لنقطة الصفر وعدم الاعتراف بما تم التوصل إليه من اتفاقات. فضلاً عن محاولة استبدال التسوية السياسية بأخري اقتصادية تقوم علي تحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية في الضفة الغربية، وبناء مؤسسات لإدارة الاقتصاد الفلسطيني كمرحلة انتقالية قبل البدء في التفاوض السياسي. وفي السياق ذاته كشف استطلاع للرأي أجرته مؤسسة بيو لاستطلاعات الرأي Pew Research Center for the People & the Press في يناير 2009 أن حوالي 48% من الأمريكيين لا يفضلون انخراط الولاياتالمتحدة بصورة أكبر في مفاوضات التسوية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وذلك في مقابل الانقسام الواضح حول ثوابت الدور الأمريكي في عملية التسوية ما بين تفضيل حوالي 39% لإعلان الولاياتالمتحدة عن دعمها لإسرائيل في جهودها الداعمة لعملية التسوية وتأييد حوالي 38% لعدم قيام الولاياتالمتحدة بأي نشاط وعدم اضطلاع مسئوليتها بأي جهد في عملية التسوية. وقد يعزي ذلك إلي تركيز الرأي العام الأمريكي علي القضايا الداخلية لاسيما تداعيات الأزمة المالية العالمية علي الاقتصاد الأمريكي بما سوف ينعكس بطبيعة الحال علي مستوي الاهتمام الذي توجهه الإدارة الأمريكية لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. البعد الديني للصراع وفرص التسوية كما أن غالبية الأمريكيين لا يفرقون بين حركة حماس من جانب والشعب الفلسطيني من جانب آخر وهو ما كشفه استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيبسوس Ipsos في 7 من يناير 2009 الذي أكد خلاله 57% من الأمريكيين أنهم لا يرون أي وجه للاختلاف بين توجهات حركة حماس تجاه إسرائيل وبقية الشعب الفلسطيني. ويدعم تلك النتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة التعاون الأمريكي الإسرائيلي American Israeli Cooperation Enterprise في مارس 2009 والذي أكد خلاله حوالي 73% من المبحوثين أن الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو صراع ديني إيديولوجي يشمل جميع قطاعات المجتمع في الدولتين وتمتد آثاره لتنال جميع الأطراف بصورة متوازية. وفي السياق ذاته أكد حوالي 59% ممن شملهم الاستطلاع سالف الذكر أن التوصل لاتفاق سلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لن يؤدي بصورة قاطعة إلي تقلص نشاط التنظيمات الإرهابية علي مستوي العالم لغياب الارتباط وفق رؤية الأمريكيين بين عمليات الإرهاب التي تستهدف المصالح الأمريكيةوالغربية في مختلف أنحاء العالم والصراع العربي الإسرائيلي. وعلي الرغم من ذلك فإن حوالي 41% ممن شملهم ذك الاستطلاع يرون أن تعزيز فرص التوصل إلي تسوية شاملة للصراع في منطقة الشرق الأوسط يعد رهنًا ببذل إسرائيل مزيدٍ من الجهد في هذا الصدد في مقابل تأييد حوالي 15% لمسئولية الطرف الفلسطيني عن دفع عملية السلام قدمًا. وتنطوي الرؤية الأمريكية علي قدر من التناقض فيما يتعلق بموقفهم من إقامة دولة فلسطينية في المرحلة الراهنة، حيث كشف استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة إيبسوس Ipsos في يناير 2009 عن معارضة حوالي 45% من المبحوثين لدعم الولاياتالمتحدة لإقامة دولة فلسطينية في المرحلة الراهنة لاسيما بعد الحرب علي غزة وسيطرة حركة حماس علي القطاع في مقابل تأييد حوالي 31% لسياسة الولاياتالمتحدة في هذا الصدد. نهاية الانفراد الأمريكي برعاية التسوية وفي السياق ذاته كشفت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة إيبسوس Ipsos في يناير 2009 عن عدم ثقة حوالي 52% من الأمريكيين في قدرة إدارة الرئيس أوباما علي حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فيما يعد تأكيدًا لإدراك الرأي العام الأمريكي لتعقد أبعاد ذلك الصراع بالنسبة لطرفيه، وعلي الرغم من عدم تفضيل الأمريكيين لانخراط الولاياتالمتحدة بشكل أكبر في عملية التسوية. بيد أن حوالي 65% ممن شملهم استطلاع رأي مؤسسة التعاون الأمريكي الإسرائيلي American Israeli Cooperation Enterprise في مارس 2009 يؤيدون التوصل لتسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي تنخرط فيها جميع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بشكل متوازن تجنبًا لتحميل الولاياتالمتحدة المزيد من الأعباء علي الصعيد الخارجي. ومن ثم يمكن القول: إن الرأي العام الأمريكي لا يفضل بأي حال قيام الرئيس أوباما بالضغط علي الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة بنيامين نيتنياهو لتغيير مواقفها المعلنة حيال عملية السلام ولا يجد ما يبرر انخراط الولاياتالمتحدة بصورة أكبر في عملية التسوية السلمية للصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، علي الرغم من تأييده للتوصل لتلك التسوية.