علي الرغم من الوفرة النفطية والغاز الطبيعي بدولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أن القيادة الإماراتية قد أعربت عن رغبة قوية في تنويع مصادر طاقاتها بدلا من الاعتماد علي الطاقة التقليدية (النفط والغاز الطبيعي)، وكذلك الاستثمار في الطاقة النووية. وهذه الرغبة الإماراتية لاقت ترحيبًا من الولاياتالمتحدةالأمريكية، ليس لأن التعاون النووي الأمريكي الإماراتي سيشكل فرصة لايجاد وظائف للأمريكيين في حال تولي الأمريكيين بناء وتشغيل مفاعلات الطاقة النووية الإماراتية، ولكنه سيعزز من العلاقات الاستراتيجية بين البلدين من جهة، وتعزيز تطوير برامج القوي النووية السلمية تحت الإشراف الدولي من جهة أخري، بدلاً من الانتشار غير القانوني لبرامج إنتاج الأسلحة النووية. وقبل أن تشرع الولاياتالمتحدةالأمريكية "بصورة قانونية" في إمداد دولة أجنبية بالتكنولوجيا النووية السلمية فإن عليها التوصل إلي اتفاق تعاون نووي مع تلك الدولة. فكما نص الفصل (123) من قانون الطاقة الذرية Atomic Energy Act لعام 1954 فإن علي الدولة الأجنبية المتلقية لتكنولوجيا نووية من الولاياتالمتحدة تقديم ضمانات أن تلك التكنولوجيا لن تُستخدم لأغراض عسكرية، وتقديم الضمانات الأمنية لمنع انتقال تلك التكنولوجيا النووية إلي أشخاص أو جماعات أو دولة غير مخول انتقال التكنولوجيا النووية إليها، ويحظر الفصل (123) تخصيب أو إعادة تشغيل أو تبديل المواد النووية. والفصل (123) في حد ذاته لا يسمح بنقل التكنولوجيا النووية السلمية وإمداداتها إلي الدول الأجنبية، ولكنه يقدم الإطار القانوني لعقود الشركات الأمريكية المنخرطة في مشاريع التطوير النووي في الدول الأجنبية. إن أي عملية بيع للمنتجات النووية لابد أن تمر من خلال مراجعة إضافية وفردية لمدة تصديرها. وفي الثاني عشر من مايو الماضي قدم الرئيس الأمريكي طلبًا رسميا لمثل هذا الاتفاق مع دولة الإمارات العربية المتحدة. ويدرس الكونجرس الأمريكي طلب الرئيس ومدي استيفائه لمتطلبات الفصل 123 وعلي الرغم من توافر جميع متطلبات الفصل 123 في الاتفاق إلا أنه مازال هناك بعض المخاوف لدي أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب. هواجس أمريكية منذ سنوات الحرب الباردة والتنافس الأمريكي السوفيتي القوي والظاهر لبناء أكبر مخزون من الأسلحة النووية والولاياتالمتحدةالأمريكية مهتمة بمخاطر انتشار الأسلحة النووية. فيري الأمريكيون أنه مع تزايد عدد الدول التي تمتلك قنابل نووية تتزايد احتمالية الحروب النووية. فحاليا ليست دولاً فقط، بل جماعات إرهابية أيضًا، تسعي بقوة إلي امتلاك الأسلحة النووية، في حين تسعي الولاياتالمتحدة بصورة نشطة لمنع انتشار الأسلحة النووية وامتلاك الدول والمنظمات الإرهابية تكنولوجيا نووية تستخدمها في إنتاج أسلحة نووية. ويتساءل كثيرون داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية حول ما إذا كانت دولة الإمارات العربية الدولة المناسبة لمثل هذا التعاون النووي غير المسبوق؛ لعلاقاتها الطيبة والقوية مع إيران، وتواطئها في أنشطة المنظمات الإرهابية وإهمالها وغض طرفها عن عدد من تلك الأنشطة. فتحافظ دولة الإمارات العربية المتحدة علي علاقات اقتصادية استراتيجية مع دولة إيران المنبوذة دوليا لسعيها لامتلاك برنامج نووي عسكري، ضاربة بعرض الحائط التزاماتها النووية بعدم تطوير أسلحة نووية. ففي الوقت التي تتزايد فيه العقوبات تلو العقوبات المفروضة علي إيران من قبل مجلس الأمن الدولي تُعد دولة الإمارات مركزًا للمنتجات الخارجية والأموال المتجهة إلي طهران، مساعدة إيران في تطوير برنامجها لتخصيب اليورانيوم. وفي هذا السياق يشير البعض إلي تصريح الرئيس الإماراتي الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي أكد فيه علي العلاقات القوية بين بلده ودولة إيران، والتصريح بأن البرنامج النووي الإيراني سلمي والذي يتعارض مع رؤية المجتمع الدولي للبرنامج النووي الإيراني بأنه غير سلمي يهدف إلي إنتاج أسلحة نووية. وفيما يتعلق بقضية الإرهاب، فلدي دولة الإمارات أيضًا سجل سييء. فقد استفادت كثير من المؤسسات المالية داخل الدولة الإماراتية من غياب فاعلية قوانين غسل الأموال، بحيث أصبحت تلك المؤسسات مصادر ذا قيمة لتنظيم القاعدة وعديد من التنظيمات الإرهابية الأخري. وتعتبر عدد من المنظمات الإماراتية وعدد من الإماراتيين أنها ليست أنشطة لتسهيل الأنشطة الإرهابية وإنما فرص تجارية متبادلة. بالإضافة إلي أن شبكة عبد القدير خان التي نقلت تكنولوجيا نووية سرية إلي ليبيا وإيران وكوريا استخدمت مواد تم شحنها عن طريق دبي. وحتي وقت قريب كانت الدول الثلاث (ليبيا وكوريا الشمالية وإيران) علي قائمة وزارة الخارجية كدول داعمة للإرهاب. ومع تزايد تلك الهواجس لدي كثير من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، حاولت إلين تاوشر Ellen Tauscher، وكلية وزارة الخارجية لشئون السيطرة علي التسلح والأمن الدوليUnder Secretary of State for Arms Control and International Security، أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي تبديد تلك المخاوف. قائلة: إن لدي دولة الإمارات العربية سجلًا قويا ومشرفًا في التعاون ومكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووي في الآونة الأخيرة. فدولة الإمارات من الدول الموقعة علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية Nuclear Nonproliferation Treaty (NPT، والاتفاقية الدولية لقمع الأعمال الإرهابية International Convention on the Suppression of Acts of Terrorism، وتشارك الولاياتالمتحدة في قيادة مبادرة أمن الانتشار Proliferation Security Initiative، وتشديد الرقابة علي الصادرات والعمل النشط لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. اتفاق يحتذي يدعو عديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي إلي أن أي اتفاق تعاونٍ بين البلدين لابد أن يضمن آليات فاعلة وأكثر صرامة للمراقبة. وقد قدمت النائبة الجمهورية روس ليهتينين Ros- Lehtinen مشروع قرار حمل عنوان "House Resolution 364" لتهدئة مخاوف أعضاء الكونجرس الأمريكي. وهذا يتطلب أن يؤكد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" علي امتثال دولة الإمارات العربية المتحدة للعقوبات الدولية المفروضة علي إيران، وتطبيق جميع القوانين الأمريكية فيما يتعلق بالتجارة مع إيران، والقضاء علي تمويل المؤسسات المالية الكائنة داخل حدودها للإرهاب. وحتي إذا وافقت دولة الإمارات بشروط الاتفاق فإنه ما يزال هناك فائدة كبيرة لوضع ضوابط صارمة في الاتفاق، لأن هذا الاتفاق بين الولاياتالمتحدة ودولة الإمارات بمثابة نموذج لاتفاقات في المستقبل مع باقي دول منطقة الشرق الأوسط الساعية إلي حذو الإمارات في امتلاك طاقة نووية سلمية. ومثل هذا الاتفاق سيقلل من خطر انتشار الأسلحة النووية ولاسيما مع وجود دول عربية أخري مثل مصر والأردن واللتين تؤكدان علي حقهما في الطاقة النووية المدنية بوصفهما موقعين علي معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأنهما يفاوضان مع الولاياتالمتحدة علي اتفاق مماثل، ومن ثم من الصعب حرمانهما من حقهما في امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية لإنتاج الطاقة. الشركات الأمريكية؟ والسؤال الهام: هل مثل هذا الاتفاق سيخدم القوي العاملة الأمريكية؟. ففرنسا، الدولة الرائدة في الطاقة النووية المدنية، تتفاوض مع دولة الإمارات العربية حول اتفاق مماثل للتعاون النووي، وهناك دول أخري تسعي إلي مثل هذا الاتفاق. وهناك هاجس أمريكي من أنه حتي ولو وافق الكونجرس الأمريكي علي (اتفاق 123) فإنه ليس هناك ما يضمن أن الشركات الأمريكية هي التي ستتولي بناء وإدارة المنشآت النووية الإماراتية. وفي حقيقة الأمر فإنها ستخسر في بداية الأمر أمام الشركات الفرنسية التي لديها خبرة واسعة في مجال الطاقة النووية المدنية، فما يقرب من 75% من الطاقة الفرنسية يأتي من القوة النووية. وفي الاتفاق النووي بين البلدين حذفت الولايات أحكام التأمين. ففي حين أن الشركات الفرنسية سوف تتولي الحماية في حال التعرض إلي حادث نووي مؤسف، فإن الشركات الأمريكية ستضطر إلي التوصل إلي تسوية قانونية، وتعويض المتضررين.