وفجر صدمة في التحالف الذي تشكل عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005. وكان جنبلاط المعروف بتقلباته السياسية والانتقال من أقصي اليمين إلي اقصي اليسار قد أعلن انسحابه من قوي 14 آذار واعتبر ان الظروف أجبرته علي الانخراط في هذا التحالف وأبدي ندما شديدا علي مد اليد واللقاء مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالنقطة السوداء في تاريخه السياسي مشددا علي ضرورة العودة إلي ثوابت الحزب التقليدية في اشارة إلي الاصول اليسارية والاشتراكية والالتزام بقضايا العمال والفلاحين والتمسك بالهوية العربية. وفي أوضح نموذج علي ان السياسة لا تعرف تحالفات دائمة، بل مصالح دائمة، انقلب جنبلاط علي أقرب حلفائه الذين حققوا فوزا كاسحا علي المعارضة التي تقودها قوي 8 آذار وأبرزها حزب الله حيث حصلت الأكثرية علي 71 مقعدا من أصل 120 مقعدا في مجلس النواب مقابل 57 مقعدا للمعارضة غير ان انسحاب جنبلاط يعني ضرب الأكثرية في مقتل ولاسيما ان الحزب التقدمي الذي يتزعمه جنبلاط يملك 11 مقعدا في مجلس النواب مما يفقد الأكثرية قوتها داخل المجلس ويجعل الحكومة عرضه لسحب الثقة منها هذا إذا تم تشكيلها من الأساس. وقد اجتهدت الصحافة اللبنانية في محاولة رصد تداعيات قنبلة جنبلاط علي مجمل المشهد اللبناني برمته ولاسيما ان توقيت اطلاقها كان حساسا للغاية.. وبعد أيام قليلة من توافق الأكثرية والمعارضة علي تشكيل الحكومة تضم ثلاثين وزيرا منها 15 للأكثرية و10 للمعارضة وخمسة للرئيس ميشال سليمان بما يعني ضمان الأكثرية من النصف زائد واحد وكذلك حرمان المعارضة من الثلث المعطل الذي انتزعته في اتفاق الدوحة عام 2007 وتسبب في اصابة حكومة التوافق الوطني التي قادها فؤاد السنيورة بما يشبه الشلل الكامل. انقلاب مفاجيء وفيما يشبه الصدمة يعيش اللبنانيون علي وقع فك الارتباط بين جنبلاط وحلفائه في الأكثرية فيما يأمل حلفاؤه القدامي في المعارضة ان يؤدي هذا الانقلاب المفاجيء في مواقف الحزب التقدمي الاشتراكي في تعزيز مكانتها تحت سقف مجلس النواب وداخل الحكومة الجديدة ولاسيما ان حزب الله الذي يقود المعارضة سبق ان كان ضمن التحالف الرباعي الذي ضم تيار المستقبل وهو التحالف الذي منح الأكثرية ورئاسة الحكومة للأكثرية في الانتخابات التي أجريت عام 2005 عقب اغتيال رفيق الحريري قبل ان تدب الخلافات بين الطرفين ويعاد رسم خارطة سياسية جديدة بعد تحول حلفاء الأمس إلي خصوم وانقسام اللبنانيين بين فريقي 14 آذار و18 آذار وهو الانقسام الذي يراه المراقبون خلافا بين مشروعين يتنازعان علي مستقبل لبنان.. ففريق 14 آذار المدعوم من الغرب ودول الاعتدال العربي لا يمانع في السلام مع إسرائيل والحاق لبنان بالقاطرة الأمريكية.. أما فريق 8 آذار فيقف مدافعا عن عروبة لبنان ويتنبي المقاومة كمشروع سياسي ويدافع عن تحالفه مع سوريا وإيران وحتي حركة حماس وكل من يعادي إسرائيل العدو الأول للبنان وللعرب من وجهة نظر هذا الفريق. لقد قلب جنبلاط وبحق الطاولة علي فريق 14 آذار وأربك حساباتهم في توقيت عصيب وهو ما جعل صحيفة السفير المقربة من المعارضة اللبنانية تشعر بالزهو والانتصار مؤكدة ان الأكثرية التي تباهت بحصولها علي 71 نائبا فقدت أكثريتها بعد خروج كتلة جنبلاط المؤلفة من 11 نائبا وأنه أصبح لزاما علي فريقي الأكثرية والمعارضة ان يجهزا أنفسهما لمرحلة سياسية جديدة وان يحسبا حسابات جديدة في محطات كثيرة في مقدمتها الاستحقاق الحكومي الوشيك.. في المقابل مضاعفات كبيرة يري المراقبون ان طلاق جنبلاط للأكثرية ستكون له مضاعفات سياسية كبيرة علي مستقبل التحالف الذي تشكل عقب اغتيال الحريري ويخشي ان تؤدي هذه المضاعفات إلي وضع الاستحقاق الرئاسي في الثلاجة وربما الذهاب به في اتجاه آخر مثل التراجع عن تشكيل حكومة من السياسيين تتناسب مع أوزان الكتل السياسية في مجلس النواب.. واستبدالها بحكومة فنية "تكنوقراط". جنبلاط الحليف السابق لسوريا التي لاتزال تحتفظ بقدرتها علي التأثير في لبنان رغم إنهاء وجودها العسكري عام 2005 عاد إلي مغازلة سوريا التي سبق ان كال لها الاتهامات إبان اغتيال الحريري ووصل به الأمر إلي حد تحريض الولاياتالمتحدة ورئيسها السابق جورج بوش علي الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد كما اتهمها باغتيال الحريري.. الآن ولأسباب لا يعلمها إلا جنبلاط وبمنتهي البساطة يدعو جنبلاط إلي فتح صفحة جديدة مع دمشق أو علي حد قوله "كفانا بكاء علي الاطلال" فعهد الوصاية ولي والجيش السوري انسحب. جنبلاط برر انقلابه الذي سيخلط كل الأوراق السياسية بلبنان وليس داخل فريق 14 آذار فقط بأن الانتخابات النيابية الأخيرة أفرزت نتاجا طائفيا يجب التخلص منه واعتبر ان فريقه الفائز بالأغلبية مع حلفائه لم يخض معركة ذات مضمون سياسي بل معركة قائمة علي رفض الآخر من موقع مذهبي وقبلي وسياسي. نموذج ديمقراطي وعندما ينطق زعيم لبناني بحجم جنبلاط بهذه الأوصاف فلابد من تأملها جيداخاصة أن النموذج الديمقراطي في لبنان طالما كان ينظر اليه بعيون الإكبار والتقدير في العالم العربي باعتباره النموذج في تنظيم انتخابات نزيهة ولأنه ضمن بلدان عربية قليلة يعرف ظاهرة "الرئيس السابق" ويشذ عن قاعدة بقاء الرئيس في منصبه حتي الرمق الأخير.. وتفصيل الدساتير والقوانين التي تدمغ وجوده بخاتم الشرعية. تيار المستقبل الخاسر الأكبر من انقلاب جنبلاط بدا هادئا وحافظ علي شعرة معاوية معه وجدد التمسك بمباديء ثورة الأرز ورفع شعار "لبنان أولا". وقال في أول رد فعل علي التطور المفاجيء ان تيار المستقبل مؤمن بحق أي فريق سياسي في اختيار الموقع الذي يناسبه إلا ان مصلحة اللبناني تأتي قبل أي حزب تحت سقف الدستور. وأغلب الظن ان الرد الهاديء والمدروس لتيار المستقبل يظهر حرص قوي 14 آذار علي عدم قطع الصلة بجنبلاط قبل ان يقطعها الأخير بنفسه لاسيما وأنه لم يعلن صراحة انسحابه منها.. وحرصت ايضا هذه القوي علي ان تلقي الكرة في ملعب جنبلاط عبر التأكيد علي مبادئها وهذا أمر يمكن فهمه تماما باعتبار زعيم الحزب الاشتراكي قوة وازنة ويملك 11 نائبا بمجلس النواب.. كما ان تبديل تحالفاته سيغير بالتبعية الخريطة السياسية بلبنان. ولا يعلم ما إذا كان جنبلاط سينضم إلي تحالف المعارضة أم سيسعي إلي تكوين جبهة سياسية تقف في مرتبة وسط بين قوي المعارضة وما تبقي من قوي 14 آذار أم أنه سيعمل علي التقرب من توجه الرئيس ميشال سليمان والتساؤل الذي يطرح نفسه ما هي الخطوة التالية لجنبلاط.. هل سيقف عند هذا الحد أم سيفتح النار علي خصومه الجدد في 14 آذار خاصة أنه اعتبر بيان المستقبل حادا.. واقليميا هل يبادر بزيارة دمشق التي باتت قريبة جدا أم ينتظر حتي يسبقه اليها حليفة السابق سعد الحريري وفي كل الحالات لا يمكن تفسير الخطوة التي أقدم عليها جنبلاط بمعزل عن التقارب السعودي السوري وذهاب البلدين نحو مرحلة سياسية جديدة علي صعيد العلاقات الثنائية.