علي مدار الأسبوعين الماضيين تلقيت أكثر من رسالة ومعلومة ووصلت إلي الشكاوي المطولة كلها تصب في مضمون واحد هو نظرية الاستبعاد للمتخصصين من أهل الخبرة لحساب أهل الثقة والقريبين من مصادر صنع القرار.. كل هذه الحكاوي والقضايا تدور الآن في خبايا مراكز تطوير التعليم وفي اطار مشروع الثانوية العامة الجديد الذي تم إقراره أو الموافقة علي الاطار العام له خلال الأيام الماضية. لم تكن المعلومات رغم جديتها الشديدة جديدة علي مسامعي فنفس النهج يتبع أيضاً مع الصحفيين المتخصصين في التعليم من استبعاد شبه كامل عما يجري ويحدث لأمور التطوير والتبديل.. والتوفيق في العملية التعليمية والغريب أننا نفاجأ فقط بما يحدث فطوال العام الماضي منذ عقد مؤتمر تطوير التعليم الثانوي وما أحاط به من ملابسات وغموض مشروعات التطوير ومحاولة المتخصصين للكشف عن خبايا المشروع فقد أدي ذلك إلي استبعاد تام ليس لأهل التخصص من التربويين فقط بل حتي للصحفيين من الحضور أو حتي الدعوة إلي أي شأن تعليمي يخص هذا الملف رغم ان هذه الندوات والمؤتمرات تسير علي قدم وساق وبمعدل أسبوعي وفي أفخم مناطق وفنادق الجمهورية وتعدت العاصمة إلي مختلف المناطق السياحية الأخري بوطننا ويكتفي بعد ذلك بإرسال "ورقة" فاكس لا يحكي وقائع ما جري وانما كلام عام جداً لا يفهم منه شيء حتي إنني جمعت في ملف واحد كم الاخبار والفاكسات اليومية التي تصلني حتي أصل إلي معلومة واحدة مؤكدة لم أجد ما بالك بمضمون المشروعات المعروضة أو الاسماء التي تقوم بها فكلها يندرج تحت بند "سري للغاية". ويبدو ان عدوي "سري للغاية" قد انتقلت أيضاً للأساتذة والباحثين في المراكز التعليمية والتربوية التابعة لوزارة التربية والتعليم ويجري الآن في سرية تامة اصدار أوامر التكليف لعمل المشروعات البحثية الخاصة بالثانوية العامة بعد اتخاذ القرار ببداية التطبيق في عام 2011، وأي زيارة سريعة للمراكز التربوية التابعة لوزارة التربية والتعليم سوف يجد حالة من التذمر الكبير داخلها، الاعتراضات من السر إلي العلن وحالياً تجري اجتماعات بين الغالبية من العاملين في هذه المراكز لجمع توقيعات ورفع مذكرة لوزير التربية والتعليم احتجاجاً علي عملية الاستبعاد عن العمل.. فكما يؤكد الأساتذة والباحثون بأنه قد جرت عملية استبعاد كاملة لباحث المركز بكل تخصصاته من اللجان التي شكلت مؤخراً لوضع المناهج المطورة للنظام الجديد للثانوية العامة، مع العلم أن هذا المركز يضم باحثين علي ارفع مستوي وهو مؤسسة بحثية قومية لاتجري فقط البحوث الاكاديمية "التي تركن علي الرف" ولكنها أيضاً تجري البحوث الميدانية التطبيقية علي مشكلات التعليم قبل الجامعي. نفس الأمر ينطبق علي المركز القومي للامتحانات الذي أصدر د. فتحي سرور قراراً بإنشائه في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وحتي الآن سنجد ان ابحاث هذا المركز الحقيقية بعيدة عن التطبيق بل انها الآن بدأت تأخذ اتجاهات ومنحنيات كثيرة هذا المركز يشارك في أعمال بعيدة عن تخصصه مثل ندوات للمعايير القومية للتعليم وتأليف ونشر الكتب والمناهج الدراسية، وفي هذا الاتجاه وصلت معلومات غريبة حتي ان أحد كبار الاساتذة التربويين أكد لي انه دُعي لحضور مؤتمر ورشة عمل فخمة في أحد فنادق القاهرة الكبري المطلة علي النيل وانه فوجئ بعد دعوته والمشاركة انها كانت "وهمية" علي حد تعبيره فلما استفسرت قال لي ان التوصيات التي صدرت في آخر المؤتمر لم نكن علي علم بها وانها كانت معدة سلفاً من قبل المنظمين للمؤتمر وأبدي انزعاجه الشديد من محاولة تهميش المتخصصين في قضايا مهمة مثل المناهج ومضمونها وإسناد الأمر للبعض من أهل الثقة فقط وان الأمر تكرر كثيراً في الآونة الأخيرة واصبحت الفنادق المصرية هي المكان المفضل لعقد هذه المؤتمرات وورش العمل باسماء مختارة تتكرر في كل المحافل والندوات والميزانيات المرصودة لذلك البند تعدت الملايين من الجنيهات، فهل في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وانخفاض موازنات التعليم يتم تخصيص الملايين من الجنيهات لعقد المؤتمرات الفاخرة "سبع نجوم" والتي لا تأتي بجديد ولدينا منها العشرات من الدراسات لحل المشاكل المزمنة التي يعاني منها التعليم المصري ويعترف بها القاصي والداني بما في ذلك وزير التربية والتعليم د. يسري الجمل كما قال في ندوته بنقابة الصحفيين التي عقدت الأسبوع الماضي. ان تطوير التعليم وعلي الاخص قضية الثانوية العامة قضية لاتهم فقط القائمين علي شئون التعليم أو الاكاديمية فقط وانما تهم كل بيت مصري ومبدأ "سري للغاية" الذي تصاغ به تلك القضية يتعارض مع ما نادي به الرئيس مبارك في افتتاحه لمؤتمر تطوير التعليم الثانوي من ضرورة إجراء الدراسات الكافية والتأني فيها قبل التطبيق وكما طلب ضرورة اشراك الرأي العام فيها واقناع الأسرة المصرية بمميزات التطوير حتي لا يتحول الأمر إلي مجرد لعبة الكراسي الموسيقية نرفع هذا البند من هنا لنضعه هناك وهكذا وبدون تطوير حقيقي للمنظومة التعليمية.