كان التبني معروفاً في الجاهلية عند العرب، وكان الولد المُتبني في مرتبة الابن الحقيقي تماماً، ويري بعض العلماء أن نظام التبني الذي كان سائداً في الجاهلية مستمد من شرائع اليونان والرومان، حيث كان التبني معروفاً في القانون الروماني فيلحق شخص بنسبه من يشاء سواء أكان من ألحقه معروف النسب أم مجهول النسب.. ولقد جاء الإسلام مقرراً ما قررته الأديان السماوية السابقة كلها من أن النسب لايثبت إلا بولادة حقيقية ناشئة عن علاقة غير محرمة ولذلك أبطل الاسلام هذا النوع من الرعاية وهو "التبني" وأبطل كل الآثار المترتبة عليه تأكيداً لقوله تعالي: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ماتعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيما} [الأحزاب آية (5)].. وهكذا أبطل الإسلام الإدعاء وهو ما يعرف بالتبني وأبدله بالإخوة في الدين والموالاة ويكون ذلك عوضاً عما فاتهم من النسب.. ولقد شدد الإسلام علي من يُدْعي بغير أبيه وهو يعلم ذلك.. ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "ليس من رجل ادعي لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله ومن ادعي قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار" (صحيح البخاري كتاب المناقب حديث رقم 3508).. وقد جاء هذا التشدد من الإسلام وغيره من الديانات السابقة في قضية تحريم التبني لأسباب عديدة ذكرها الإمام محمد أبو زهرة في كتابه "تنظيم الإسلام للمجتمع" منها: السبب الأول: أن التبني مخالف للفطرة الإنسانية وكذب، فإن جعل شخص ولداً وهو ليس بمولود له كان هذا إفتراء علي الحقيقة وضد الطبيعة الانسانية، ذلك أن الأبوة أو الأمومة ليست ألفاظاً تردد ولا عقداً يعقد ولكنها حنان وشفقة وإرتباط لحم ودم أو علي حد تعبير الفقهاء إرتباط جزئية بحيث يكون الولد جزءاً من أبويه، ولايمكن أن يكون هذا الإرتباط الصناعي كهذا الإرتباط الطبيعي لأنهما متباينان متغايران ولذلك قرر القرآن الكريم أن التبني ليس إلا بنوة بالأفواه لا بالطبع والفطرة والحقيقة إذ قال سبحانه: {ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل} [الاحزاب آية (4)]. والسبب الثاني: أن اللصيق في الأسرة والذي يتخذ مكان الابن فيها لايمكن أن يأتلف مع سائرا آحادها فإذا كان للرجل الذي ألحق بنسبة ولداً أسرة لايمكن أن يكون مؤتلفاً مع آحاد هذه الأسرة، فإذا كان للرجل أولاد آخرون لايشعرون نحو هذا الدخيل شعور الأخوة الذي يربطهم به بل ينفرون منه وإذا كان للرجل إخوة لايشعرون نحوه بأنه ابن اخيهم وهكذا ولايمكن أن تتكون أسرة مع هذا التنافر وذلك التنابذ. والسبب الثالث: انه في كثير من الأحيان يُتخذ التبني للمكايدة في داخل الأسرة لا للشفقة بالولد المُتَبَنَّي، فيتبني ليمنع ميراث قريب له ولايصح أن يقر نظام يتخذ سبيلاً للكيد وهو لايمكن أن يكون داعياً لتقوية الأسرة وبث روح المودة فيها. والسبب الرابع: أن الاسلام وسع نطاق الأسرة الاسلامية فجعلها تمتد إلي درجات بعيدة فالأخوال من أي طبقة كانوا أقارب لهم حقوق والأعمام من أي جد كانوا أقارب وكذلك أولادهم مهما تكن طبقة أجدادهم أقارب لهم حقوق وعليهم واجبات وهذه الحقوق بعضها أدبي وبعضها له مظهر مادي، فالأدبي صلة ذوي قربي بالزيارة والمودة الواصلة المستمرة وكذلك أمر الاسلام بالإحسان إلي الاقارب في القول والعمل، وقد وردت في ذلك آيات قرآنية كثيرة ومن الحقوق المادية وجوب نفقة القريب العاجز عن الكسب علي قريبه الغني فتجب نفقة الأخ علي أخيه والعم علي ابن أخيه والخال علي ابن أخته وهكذا ولا يتصور أن تثبت هذه الحقوق لأولئك الذين يلحقون بالإنسان من غير ولادة ولا أسباب هذه الولادة وكذلك من الحقوق المادية الميراث، وما كانت هذه الحقوق لتثبت بأنساب زائفة مكذوبة هي ضد الفطرة وضد الطبيعة الإنسانية. وتقول الدكتورة زينب رضوان: يؤدي التبني إلي تحليل الحرام وتحريم الحلال إذ يصبح هذا الدخيل فرداً من أفراد الأسرة في الظاهر ومحرماً لنساء أجنبيات عنه، فيري منهن مالا يحل له ويحرم عليه الزواج بإحداهن وهن حلال له في الواقع. كما أن إقرار التبني وترتيب آثار البنوة الحقيقية عليه يؤدي إلي تحميل الأقارب واجبات تترتب علي ذلك، فتجب نفقة المُتَبَنَّي عند الحاجة أو العجز وفي ذلك تحميل للأقارب تبعات ومغارم لشخص لاتربطهم به قرابة حقيقية ولارحم موصول. وهكذا من أجل هذه الأسباب وغيرها نجد أن الاسلام لايعترف بالتبني ولا يثبت به حقوقاً ولا واجبات.