لا ينظر كثيرون إلي انتخاب باراك أوباما رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية علي أنه سيحدث تحولاً في السياسة الخارجية الأمريكية بعد ثماني سنوات من الإخفاقات المتتالية، ولكن إلي عرقه غير الأمريكي الخالص، وما إذا كان انتخابه يعني غياب مرحلة من العنصرية. وأثار كثيرون داخل واشنطن وخارجها عديدًا من التساؤلات حول دلالات انتخاب أول أسود رئيسًا للولايات المتحدةالأمريكية. وعن دور العرق في انتخاب باراك أوباما، وما الأسباب الحقيقية لفوزه في انتخابات تأتي في لحظة فارقة في التاريخ الأمريكي. ومن تحليل مجريات العملية الانتخابية والتصويت يتضح أن العرق ولون باراك أوباما لم يكونا العامل الحاسم في فوز أوباما، ولكنَّ هناك كثيرًا من الأسباب الكامنة وراء هذا الفوز والتي تتنوع بين إخفاق حملة منافسه الجمهوري وطرح حملة أوباما البديل الذي ينتظره الناخبون الأمريكيون. تجاوز العنصرية لأول مرة في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية ستطأ أقدام رجل أسود البيت الأبيض، لكنه هذه المرة ليس شخصًا عاديا إنما هو رئيس الولاياتالمتحدة. باراك حسين أوباما Barack Hussein Obama- الأمريكي من أصل إفريقي- تخطي أسوار العنصرية، وأثبت بفوزه الساحق أن إرادة الشعب الأمريكي قد تحققت وأنها أقوي من أي لون أو جنس. بحسب صحيفة نيويورك تايمز New York Times، فإن انتخاب أوباما ليكون الرئيس ال 44 للولايات المتحدة، يكون قد أزال آخر حاجز عنصري في السياسة الأمريكية. وأكدت أن هذا التحول التاريخي الذي شهدته أمة مثقلة بإرث عنصري لم يكن متوقعًا قبل عامين فقط. وقال أنصار أوباما أنهم يحتفلون بما يمكن أن يصفوه ب "عصر جديد" في دولة كانت منذ 143 عامًا يعتبر الإنسان الأسود فيها عبدًا. ووفقًا لمجلة تايم Time، فقد أثبت أوباما -47 عامًا- أنه "أيقونة" مزدوجة الجنس تستطيع حشد أصوات السود والبيض علي حد سواء. ربما يكون أبواه المختلفين في الجنس واللون قد أعطياه خلفية ثقافية متعددة ساعدته علي تخطي الانقسام العنصري الذي تعانيه الولاياتالمتحدة. وتوضح المجلة أنه لا يمكن لأي رجل أن ينهي كل الصراع العنصري، ولا يمكن أن تزول كل المرارة التي ورثها الشعب من مجتمع كان يؤمن بالعبودية. الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الولاياتالمتحدة تتطلب من إدارة أوباما تخطي مسألة الجنس ليقود البلاد. وفي هذا الصدد تشير صحيفة نيويورك تايمز إلي أهمية هذا التوحد خلف الرئيس الجديد قائلة: "لن نهتم بلون من يقودنا أو كيفية نطق اسمه، ولكن يبقي أملنا في قدرته لتقديم الدواء الذي يحيي هذه الأمة من جديد". غياب التصويت علي أساس عرقي ولم يأت فوز أوباما بفضل تصويت الأمريكيين السود فقط لصالحه بل بفضل أصوات البيض أيضًا. ووفقًا للتقارير الأخيرة بحسب تايمTime ، فإن بعض الديمقراطيين البيض قالوا: إنه لا يمكنهم التصويت لأوباما لأنه أسود، كما يمكن أن يكون قليلٌ من السود قد صوتوا له فقط لأنه أسود. إلا أن الحقيقة تكمن في أن غالبية السود الذين اختاروا أوباما لم يأخذوا في الاعتبار مسألة الجنس أو اللون. إنما قام اختيار هؤلاء الذين صوتوا لصالحه، بعد تفكير عميق، علي أساس الوعود التي قطعها أوباما علي نفسه والتي عليه الآن أن يفي بها. وأكدت النتائج أن أوباما نجح في أسر قلوب الشباب الأمريكي بقطع النظر عن لونهم. وعلي الرغم من أن ثلثي الشباب الذين صوتوا تحت سن ال 30 عامًا أيدوا أوباما وكان غالبيتهم من السود والهسبانيكHispanic، فإن عديدًا من هؤلاء الشباب أكدوا أن كون أوباما أسود لم يكن أمرًا مهمًّا بالنسبة لهم ولم يؤثر في قرارهم. كما صوت نصف الشباب البيض لصالح أوباما بينما صوت 2 من كل 5 شباب بيض لصالح المرشح الجمهوري جون ماكين John McCain. وتقول تايم: إنه حال وضع أوباما يده السوداء علي الإنجيل ليدلي بالقسم، فإن ذلك لن يجعله رئيسًا للسود فقط الذين أعجبوا به ولن تبقيه مدينًا للبيض الذين ساعدوه. كما لن يستطيع أن يرضخ لليبراليين الذين أيدوه أو يحط من قدر المحافظين الذين عارضوه. بل يجب أن يكون فيلسوفًا وسطيا يحقق الأفضل للجانبين، ويتخطي كل هذه الأمور ويهب لخدمة الله وبلده وشعبه بكافة أجناسه. وتؤكد تايم Time أنه إذا كان علي أمريكا بقيادة أوباما أن تنجح فذلك يكون بأن ينصهر البيض والسود معًا. وتضيف المجلة أن أمريكا لم تعد بلدًا للبيض فقط، علي الرغم من أن البيض يمثلون الأغلبية، بل أنها أصبحت مكانًا حلت فيه التعددية محل الهوية الجنسية. وأخيرًا يمكن القول بأن أمريكا أصبحت بلدًا تعتبر فيه شخصية رئيسها أكثر أهمية من لون جلده. الأسباب الحقيقة للفوز وإن لم يكن اللون والعرق هو العامل الحاسم في نصر أوباما ، فثمة أسباب جوهرية تقف وراء هذا الانتصار الكاسح. فكثيرٌ من التحليلات والكتابات الأمريكية تري أن انتصار أوباما جاء تعبيرًا عن الغضب الشعبي تجاه الوضع الاقتصادي والحرب الطويلة في أفغانستان والعراق. وبحسب مجلة تايمTime ، فقد فاز أوباما بسبب شعور الشعب الأمريكي بالإحباط الشديد تجاه سياسات إدارة الرئيس جورج بوش خاصة في العراق وفزعهم من الانحراف الديني لليمين الذي يسيطر علي الحزب الجمهوري الحاكم. وقد فشل ماكين McCain في هزيمة أوباما لأنه لم يستطع تجاوز آثار صلته بإدارة بوش التي هوت شعبيتها إلي أدني المستويات. وفي الوقت ذاته، كان لأسلوب كل من ماكين وأوباما في الترويج لبرنامجهما الانتخابي عامل كبير في اختيار أوباما والعزوف عن ماكين فالمناظرات التي أجريت بين المرشحين كان لها بالغ الأثر علي موقف الناخبين من كلا المرشحين، ففي الوقت الذي كان يركز فيه ماكين علي مهاجمة أوباما وإظهار نواقصه بدلاً من الحديث عن رؤيته وما ينوي تحققيه في حال انتخابه رئيسًا، كان أوباما يركز علي الحديث عن برنامجه وخططه التي سيسعي لتنفيذها في مجال الاقتصاد والرعاية الصحية والتعليم. ومن يقول: إن أوباما فاز لأنه تحدث عن الأزمة المالية فإنه لم يقل سوي نصف القصة. فقد فاز أوباما لأنه تصرف مع القضية بطريقة عقلانية ومحسوبة، وخلال مناظرته الثانية شرح أسباب الانهيار الاقتصادي والحاجة إلي حلها. والآن وبعد هذا الفوز التاريخي تبدأ المرحلة الصعبة بالنسبة لأوباما. فيري بيتر بيكر في مقال له بجريدة" نيويوركتايمزNew York Times " أن أوباما الذي بدأ حملته وهو لا يتمتع بخبرة كبيرة في منصب تنفيذي تقع علي عاتقه في أول عامين مسئوليات أهمها التعامل مع حربين وحماية أمريكا من التهديدات الإرهابية ومعالجة الوضع الاقتصادي المتأزم. ويري أنه لم يتضح حتي بالنسبة لأنصار أوباما كيف يتصرف كصانع قرار وهل يكون جريئًا في البداية مستغلاً رصيده بعد هذا الفوز أم يكون حذرًا في مواجهة مطالب متباينة حتي من داخل حزبه. وتقول صحيفة واشنطن بوست :إن أوباما فاز ببرنامج يعد بالتغيير، فالآن عليه أن يحدد كيف يمضي قدمًا في هذا التغيير.