سنا في حاجة للتذكير بكتاب صراع الحضارات او اقوال الكثير من الكتاب والمفكرين ورجال الدين في عدد من الدول الغربية، ويكفي فقط ان نشير ان مسألة كراهية العرب خاصة والمسلمين عامة كانت من الاطروحات التي برزت اثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الامريكية لا شك أن المتتبع لدراسة التطورات السياسية في منطقة الشرق الاوسط عامة والدول الاسلامية والعربية خاصة يلمس بلا لبس كيف ان هذه المنطقة وعقيدتها مستهدفة بغرض تدميرها والقضاء علي ثقافتها واشعال الفتن بين طوائفها واديانها ومن ثم اضعافها بدرجة اكبر مما هي ضعيفة الان. وتبرز حالة الاستهداف في سعي الاعداء في بث الفرقة من خلال خمس وسائل: الاولي: اثارة الخلافات المذهبية والثانية: إثارة الخلافات الدينية والثالثة: اثارة الخلافات العرقية والاثنية والرابعة: اثارة الخلافات السياسية بين الحكام والمحكومين وبين القوي السياسية المختلفة، الخامسة: اثارة الخلافات بين الدول الاسلامية والعربية بعضها البعض. وهذه الوسائل الخمس تمثل احسن وصفة لتدمير الدول واذكاء نار الفتنة بين الشعوب، وللاسف الدول والقوي السياسية والدينية والمذهبية والعرقية في المنطقة احيانا تندفع بلا وعي في هذا السياق اما لاغراض ضيقة وفكر محدود الافق، واما تحت اغراءات مالية او سياسية او تصورات مذهبية، واما استرجاعا لتاريخ واحداث سابقة عفا عليها الزمن وتجاوزتها الاحداث ولا مبرر ولا فائدة من نبش قبور الموتي الا اذكاء نار الفتنة وما يحدث في العراق وفلسطين والي حد ما في لبنان والسودان من الشواهد والامثلة الواضحة في هذا الصدد. ولتوضيح ما سبق يمكننا ان نشير الي ان ما يتردد حول حوادث الصراع بين السنة والشيعة والاكراد والمسيحيين وغيرهم في العراق، وحوادث التبشير المسيحي والشيعي في مصر وحوادث ما يسمي بالهلال الشيعي او الهلال السني او غيرها كلها حوادث مفتعلة وتمليها مصالح ضيقة الافق والرؤية وهذا كله امر مؤسف للغاية وكما ذكرت يعد افضل وصفة لتدمير الاوطان بل وايضا الاديان. فلا يمكن استدعاء الحروب الصليبية او ادعاء التاريخ القبطي لمصر او الخلافات بين الامام عليكرم الله وجهةوبين يزيد بن معاوية او الحسين بن علي او غير ذلك من احداث التاريخ ان اهمية التاريخ هي للعبرة وليس لاجترار احداثه وللاسف يمكن القول ان العراق في ظل الحكم السابق علي حكم الاحتلال اكثر امنا للعقائد والاعراق رغم كل تجاوزات ذلك النظام الاستبدادي، وحقا قال بعض العلماء في العصر الماضي حاكم غشوم ولا فتنة تدوم، انني ضد اي حاكم غشوم او ظالم ولكن احتدام الفتن اكثر تدميرا، ولهذا ادرك الاوربيون بعد حرب دينية بين الكاثوليك والبروتستانت استمرت ثلاثين عاما هذه الاخطار وتجاوزوها في فكرهم وانظمتهم وعلاقاتهم، اما نحن العرب والمسلمين فلن ننضج فكريا بعد وما نزال نعيش الماضي السيئ، في حين ان المطلوب ان نعيش الماضي الجميل، ونتطلع للمستقبل الافضل نتعاون كأديان او طوائف او مذاهب او اعراق مع بعضنا البعض لقد كان صلاح الدين الايوبي كرديا وقاد جيوب المسلمين ضد الصليبيين ولا يعرف 90% من المسلمين الي اي الاعراق ينتمي او علي اي المذاهب الدينية يتعبد، ولكنهم يعرفونه قائدا عظيما للامة الاسلامية ضد اعدائها الحقيقيين الذين غزو بلادها واوطانها. ان تحويل مسيحي للاسلام او مسلم للمسيحية او شيعي الي السنة او سني الي الشيعة هو من صغائر الاعمال، ولن يزيد من قيمة المذهب او الدين الذي يتحول اليه شخص ما، ولا نقص من قيمة الدين او المذهب الذي يتركه شخص ما، ولا يؤكد مصداقيته ولا عدم مصداقيته، ان عالم القرن الحادي والعشرين هو عالم الحرية الدينية والمذهبية وليس عالم الحروب الدينية والمذهبية ونشرها لاكتساب اتباع لهذا الدين او ذاك او هذا المذهب او ذاك ان بعض ما يحدث يذكرنا بحروب الطوائف في الاندلس وكذلك الانقسام والتصارع بين الدويلات الاسلامية في عصر الدولة العباسية وما بعدها ولهذا زالت شوكة المسلمين وانزوت حضارتهم وضعفت قوتهم واصبحوا فريسة سهلة للاستعمار والتخلف والجهل. إن آفة الاديان والمذاهب هي صراع رجال الدين والمذاهب بأفكارهم الضيقة وفي سعيهم للسيطرة علي السياسة، وكذلك الآفة الاخري هي استخدام رجال السياسة للفكر المذهبي والديني لاغراضهم التوسعية ومآربهم السياسية وسياسات الدول، حتي وان رفعت شعارات دينية فان جوهرها سياسة وطنية وقومية والشواهد عديدة علي ذلك في جميع مناطق العالم اذ ان تغير النظام العقيدي او المذهبي في دولة ما لم يغير مواقفها السياسية وطموحاتها القومية. لقد اسعدني متابعة مبادرات الازهر الشريف منذ اربعينيات القرن العشرين في التقريب بين المذاهب الدينية وعلي الاخص السنة والشيعة، وهو عمل فكري طيب، وكذلك فتوي الشيخ محمود شلتوت الشيخ الاسبق للازهر بجواز التعبد علي اي من المذاهب الخمسة اي الاربعة المعروفة للسنة والمذهب الشيعي وهذا موقف عقلاني، كما اسعدتني كتابات الامام محمد مهدي شمس الدين العالم الشيعي اللبناني حول التجديد في الاسلام واراءه البناءة حول الدين والمذهب وضرورة اولوية الولاء الوطني كذلك اراء الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ تسخيري والشيخ حسين فضل الله وكلها تصب في فكر الاسلام الصحيح والمعتدل والعقلاني ولا يقلل من قيمة هؤلاء حدوث بعض اختلافات في الاجتهاد او الرؤي، وهي خلافات يجب ان تظل محصورة في جانبها الفقهي والعقيدي وان تكون في قاعات الدرس والعلم ولا ينبغي ان تفسد للود قضية، كما ان اجتهادات الرئيس الايراني السابق الدكتور محمد خاتمي وانشطته في حوار الحضارات وفي الدعوة لمؤتمر اطلق عليه "الاسلام وليس الاسلمة" الذي عقده في اوائل اكتوبر 2008 في طهران. وهذا التحرك من الدكتور محمد خاتمي يعد تحركا ايجابيا يستهدف في تقديري توضيح المفاهيم المرتبطة بالاسلام من ناحية، والنظرة المستقبلية من ناحية اخري. ولا مراء ان الصراحة والشفافية تقتضي ان نشير بأن الاسلام والمسلمين والعرب والهوية العربية مستهدفين بشدة في السنوات الاخيرة ولسنا في حاجة للتذكير بكتاب صراع الحضارات او اقوال الكثير من الكتاب والمفكرين ورجال الدين في عدد من الدول الغربية، ويكفي فقط ان نشير ان مسألة كراهية العرب خاصة والمسلمين عامة كانت من الاطروحات التي برزت اثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الامريكية ورددها كثير من المحافظين الجدد والمتطرفين اليمنيين في الولاياتالمتحدة ضد مرشح الحزب الديمقراطي باراك اوباما حتي ان احدي السيدات في اجتماع انتخابي لمرشح الحزب الجمهوري جون ماكين قالت بصراحة وبصوت عال انها لا تثق في اوباما ولا تحترمه لانه "عربي" كما ان كثيرا من الاتهامات التي وجهت للمرشح الديمقراطي بأنه مسلم وانه ارهابي بل وتطرف البعض بوصفه انه ينتمي سرا للقاعدة، وبالطبع نحن ندرك مدي حجم المبالغات في الدعاية الانتخابية، ولكن نجد ان القاسم المشترك والحد الادني يعكس كراهية للعرب والمسلمين رغم ان باراك اوباما ليس عربيا وليس مسلما وهو عضو في كنيسة مسيحية في امريكا وزار اسرائيل ولبس الطاقية اليهودية واجتمع مع اللوبي اليهودي في امريكا، ودافع عن اسرائيل وامنها احيانا بتطرف بخصوص القدس الشريف واكد مرارا وتكرارا انه ليس مسلما، ونتساءل هل هذه المفاهيم حقوق الانسان والمساواة بين المواطنين والحرية في الديمقراطية الامريكية؟ وباختصار نقول ان المطلوب من العرب والمسلمين حكاما ورجال دين ومحكومين ونخب سياسية ادراك حقيقة الواقع الدولي المعاصر والواقع الاقليمي والتصرف بما يعكس مصالحهم المشتركة، وليس تطلعاتهم الضيقة بترديد شعارات الكراهية او التفكير او التفسيق ضد بعضهم البعض واجترار ذكريات الماضي المريرة، والانحشار في ذلك التاريخ، وايضا من الضروري التخلي عن مفاهيم التبشير في عقائد او مذاهب او اديان الاخرين، ان عالم اليوم هو عالم الحريات وعالم الانسان العادي وليس عالم الرسل والمعجزات، ان عمليات التبشير من الشيعة في بلاد السنة او العكس او التبشير المسيحي للمسلمين او العكس كلها اعمال غير مجدية ووصفة جيدة للصراع السياسي وتفكك المسلمين والعرب واضعافهم وتهميشهم واستنزاف مواردهم واخراجهم من التاريخ والسياسة المعارصة فهل يدركون ذلك ويتخلي حكامنا ورجال الدين المسلمين والمسيحيين عن هذه الاوهام.