مع وصول أزمة الملف النووي الإيراني إلي حافة الخطر يجد المرء ذاته مدفوعا لقراءة الأسباب الجوهرية التي تقود كلا الطرفين للمواجهة وفي الحق انه إذا كانت هناك من أسباب اقتصادية وأخري عسكرية تدور في فلك الهيمنة السياسية في منطقة الخليج العربي بوجه خاص فانه من المحقق أن هناك رؤي دوجماطيقية " عقائدية " تساعد علي إشعال نيران المواجهة بين الطرفين وتنطلق من معتقدات إيمانية تسيطر علي الجانبين الإيراني والأمريكي وتعود بنا إلي دائرة الأصوليات الدينية وحتمية الصراع بين المطلقات وهو صراع لا حل له من خلال الحوار فكل يري انه صاحب الحق المطلق ومالك الحقيقة المطلقة . والمعروف أن تعددية المطلق هي تعددية زائفة لان المطلق بحكم تعريفه واحد لا يتعدد وإذا تعدد فصراع المطلق واجب الوجود وتساير هذا القول النتائج الأبحاث التي أجريت علي الصراع في مجتمعات متباينة وهي أن الصراعات الاقتصادية تدور علي الخيرات القابلة للقسمة وهي لهذا صراعات قابلة للتفاوض ومن ثم من الميسور حلها وعلي الضد من ذلك الخيرات التي لا تقبل القسمة فإنها لا تقبل التفاوض وصراع المطلقات من هذا القبيل . وقد يتساءل القارئ ما علاقة هذه الأطروحة الفلسفية بالمشهد التصادمي الأمريكي _ الإيراني ؟ الإجابة في تقديري هي أن صراع الارادتين الأمريكيةوالإيرانية ينطلق في جزء كبير منه من جدل عقائدي ديني بين تيارين احدهما يمثل الأصولية المسيحية في صورتها المطلقة والتي تسعي لقيادة العالم منذ تولت إدارة بوش الحكم في أمريكا والثانية تمثل فكرا إسلاميا يتعلق بالغيبيات وما هو آت ويزعم بدوره قوله للحق المبين الذي لا يأتيه الشك من بين أيديه ولا من خلفه وكلاهما يجعل من الحاضر نقطة انطلاق لتهيئة الأرض للصراعات القادمة والتي هي في غالبها صراعات دموية وكلاهما كذلك يستعلن نفسه علي انه من طغمة ما يسمي بموظفي الله Les Fonction aire de Dieu علي حد تعبير الكاتب الألماني Drewermany Eug . وفي المواجهة خطر عظيم علي أتباع الأديان من الجانبين ويتمثل في الغرق في المقدس من حيث الطقوس ومن ثم فراغ النفوس والبعد عن حقائق الإيمان والاكتفاء بمظاهر العيان مما يحصر الشرائع والنواميس الإلهية في دعوات لتبرير قتل الأبرياء باسم الدين والخلط بين الترويع والإرهاب وحق الدفاع عن النفس والحرية والكرامة وإعمال العقل والنقد دون التقليل من شان النقل . وهنا نجد الرئيس الأمريكي جورج بوش يهيئ الأرض لعودة السيد المسيح ثانية وهي في تقديره عودة لن يقدر لها أن تحدث إلا بعد معركة تجعل الولدان شيبا يطلق عليها في الفكر ألتوراتي معركة هرمجدون . فيما الرئيس الإيراني احمدي نجاد ومن خلفه المؤسسة الدينية الإيرانية تدعو الناس بشكل لافت في الخطب الدينية للاستعداد لمؤازرة الإمام المهدي المنتظر في حربه لإرساء العدل في مواجهة قوي الشر في العالم . وبصورة أكثر تفصيلا يمكننا العودة بادي بدء إلي أمريكا وبدايات حكم بوش والي خطاب تنصيبه وما سبقه من أحاديث في حملته الانتخابية إذ ربما كانت تلك المرة الأولي في تاريخ انتخابات الرئاسة الأمريكية والتي يستغل فيها البعد الديني للعب علي أوتار الناخبين . كان بوش وعلي الدوام يؤكد أن السيد المسيح هو المفكر المفضل لديه وانه أنقذ قلبه من المعاصي وفي خطابه الرئاسي الأول أعلن أن " ملاكا يقود الدوامة ويوجه العاصفة " في إشارة إلي الطقس الممطر الذي خيم علي سماوات واشنطن في ذلك اليوم وقد أراد بوش أن يتزيا بزي أنبياء التوراة ورؤاهم وتنبؤاتهم . وفي حقيقة الأمر يمكننا القول ان هناك بونا شاسعا بين فكر السيد المسيح الداعي للحب والسلام وبين أفعال الرئيس الأمريكي الواجدة للكراهية والخصام والساعية لإشعال الكرة الأرضية من أدناها إلي أقصاها لكنه الفكر الديني الأصولي الذي يجتهد للسيطرة علي العالم عبر تطويع النصوص الدينية لخدمة أغراضه الإمبراطورية . وفي هذا الإطار نشير إلي ان المعركة المتوقع حدوثها مع إيران لا يقود إليها البرنامج النووي الإيراني كأصل أصيل ودافع رئيس إنما في فكر اليمنيين الجدد أصحاب الكلمة العليا اليوم في واشنطن تقود إليها أوهام ما يسمي بمعركة هرمجدون حيث الصراع الكوني الشامل والذي تجري فيه وقائع المعركة الكبري بين قوي الخير وقوي الشر وهو ذات الفكر ألتقسيمي المانوي للعالم الذي استنه بوش غداة الحادي عشر من سبتمبر عندما قسم العالم إلي معسكرين واحد للخير وأخر للشر ووضع العالم أمام طريقين لا ثالث لهما " إما معنا وإما مع الإرهاب". والتساؤل بين يدي المشهد ماذا عن تلك المعركة ؟ دون تطويل ممل أو اختصار مخل يمكننا الإشارة إلي ان مجدو جغرافيا تقع إلي الغرب من نهر الأردن بين الجليل والسامرة في سهل يزرعيل وكان ان وقف فيها نابليون بونابرت أثناء حملته علي الشرق الأوسط قائلا " ان هذا المكان سيكون مسرحا لأعظم معركة في التاريخ ". والأصل في قصة تلك المعركة هي أنها تخص تجمع اليهود في فلسطين ذلك انه دون ان يجتمعوا في أورشليم " القدس " لن يكون للمعركة غرض أو هدف لان الهدف الرئيسي لها كما يقولون هو الهجوم علي معسكر القديسين أي اليهود في جميع بقاع الأراضي اليهودية وهو مسوغ لا يقبل التشكيك فيه عندهم للعمل علي توطين القدر الأكبر منهم قبل يوم المعركة الأعظم . أما عن وصف المعركة فيشير إليه القس اليميني هال لندسي في كتابه " الراحل العظيم كوكب الأرض " بقوله إنها ستبدأ بما يشبه المحرقة عندما يغزو العرب ( المسلمين ) والروس دولة إسرائيل ويضيف " تأملوا معي مائتي مليون من البشر في الشرق وملايين أخري من البشر في الغرب يتصدون لهم وفيما أهل الشرق يدمرون المدينة المقدسة أورشليم فان السيد المسيح سيضرب الجيوش المحتشدة في وادي هرمجدون ولا عجب ان يبلغ الدم شكائم الخيل ". ومعروف ان أهل الشرق يقصد بهم بلاد فارس وقد جاء ذكرهم علي أنهم " مجوس من المشرق " أي ملوك من بلاد فارس ، وغني عن البيان ان الإعداد لهذه المعركة بهذا الشكل إنما هو إعداد لحرب عالمية لكن هذه المرة سببها ديني روحي وليس نزاع إيديولوجي بين معسكرين كالرأسمالية والشيوعية . ولعل هذا الطرح يأخذنا للجانب الإيراني الذي عزز في السنة الأخيرة من خطابه العقائدي تلك الشكوك وكثيرا ما نظر إلي إسرائيل نظرة لا تخلو من ابعاد ذات ملمح ديني يقود إلي تصادم حتمي لا مفر منه لا سيما بعد تهديده بابادة إسرائيل في محرقة جدية وهو التصريح الذي ألب عليه الغرب بأكمله ولا يزال . وقد تجلت المنطلقات الإيرانية المرتكزة علي توجهات عقائدية في التصريح الأخير للرئيس احمدي نجاد والتي رد فيها علي اتهامات بوش له بأنه طاغية بقوله " ان بوش لا يمثل شيئا أمام مشيئة الله مضيفا ان اتجاه عبادة الله وحكومة الإسلام الحنيف يتقدم وأنت لست شيئا أمام مشيئة الله ". وحث الرئيس الإيراني العالم الغربي علي ان يسلك طريق الله وألا واجه بئس المصير قائلا ان أولئك الذين لا يستجيبون للدعوة للامتثال لإرادة الله سيلقون بئس المصير . هذه التصريحات تعود بنا إلي فكرة ان الدين هو قطب الرحي وحجر الزاوية والمنطلق الأساسي للصراع وهو فكر ابعد بكثير من مجرد الخلاف علي الصراع علي السلاح النووي أو امتلاكه ذلك ان هناك دول غربية وآسيوية كثيرة تمتلكه و لا يقلق الأمر ساكن البيت الأبيض أما فكرة إيران الجمهورية الإسلامية والتي يمكن ان تكون عاملا مؤثرا في المعركة النهائية بين قوي الشر والخير " هرمجدون " فهي غير مقبولة طولا وعرضا شكلا وموضوعا .