واجه الرئيس الأميركي الجديد عالماً مزعزعاً ومليئاً بالاضطرابات. ففيه يتواصل تصاعد نفوذ الصين والهند، بينما تسعي فيه روسيا- علي نحو ما رأينا مؤخراً من سلوكها إزاء جورجيا- إلي تجديد هيمنتها الإقليمية علي جاراتها مع اقتراب موعد انعقاد المؤتمرات الحزبية، تكاثرت التكهنات الصحفية بشأن اختيار كل من المرشحين الرئاسيين باراك أوباما وجون ماكين لمنصب نائب الرئيس. لكن ومع ذلك، في اعتقادي أن الاختيار الأًصعب والأهم هو وزير الخارجية المقبل. صحيح أن نائب الرئيس الحالي ديك تشيني، قد تمكن من الاستئثار بسلطات واسعة لمكتبه من خلف الكواليس. لكن من المشكوك فيه لأبعد الحدود، أن يتمكن نائب الرئيس المقبل من التمتع بالسلطات ذاتها التي أتيحت لديك تشيني. هذا وتعرف عن "ماكين" ثقته وحنكته في الممارسة السياسية والسياسات الخارجية. أما "باراك أوباما"، فهو نجم متشبث بخبرة مستشاريه ومسيطر عليها. وبهذه الصفات، فإنه ليس مرجحاً لأيهما أن يختار نائب رئيس له يطوله قامة أو نفوذاً. هذا وسوف يواجه الرئيس الأميركي الجديد عالماً مزعزعاً ومليئاً بالاضطرابات. ففيه يتواصل تصاعد نفوذ الصين والهند، بينما تسعي فيه روسيا- علي نحو ما رأينا مؤخراً من سلوكها إزاء جورجيا- إلي تجديد هيمنتها الإقليمية علي جاراتها. وفي الوقت نفسه تتصاعد درجات توتر العالم الإسلامي، بينما تتزايد مهددات الخطر الإيراني. وهذا الوضع الدولي، هو ما يعطي وزير الخارجية المقبل أهمية بالغة في الإدارة الجديدة، لكونه المسؤول الأميركي الذي ينفرد باستماع الرئيس إلي ما يقوله في شأن السياسات الخارجية لواشنطن، فضلاً عن توليه مهمة تنفيذها. فمن هو الشخص المرشح لشغل هذا المنصب يا تري؟ لقد ضمت حملة المرشح "الديمقراطي" باراك أوباما فريقاً يتألف من المئات من مستشاري السياسات الخارجية، وتشمل هؤلاء أسماء كل من: سوزان رايس، المساعدة السابقة لوزير الخارجية في الشؤون الأفريقية، ودنيس روس، الخبير والمفاوض في الشؤون الشرق أوسطية، والمبعوث الخاص للشرق الأوسط في إدارتي بوش الأب وبيل كلينتون، و"توني ليك"، مستشار الأمن القومي في إدارة كلينتون، إلي جانب عدد من الساسة من ذوي الخبرة الراسخة بالسياسات الخارجية، من بينهم سيناتور جورجيا السابق "سام نان"، و"لي هاملتون"، عضو الكونجرس السابق من ولاية إنديانا. وفي مستويات أعلي من الخبرة في مجال السياسات الخارجية- علي رغم عدم ارتباط هذه الممارسة بالعمل اليومي- ضمت قائمة فريق مستشاري "أوباما" كلاً من مادلين أولبرايت ووارنر كريستوفر، وكلاهما وزير سابق للخارجية، إضافة إلي ويليام بيري، وزير الدفاع السابق. وبالمقارنة تألف فريق مستشاري المرشح الرئاسي "جون ماكين" من عدد أقل، ربما كان ملائماً لخبرته هو في مجال السياسات الخارجية. وتشمل قائمة مستشاريه: ريتشارد أرميتاج، مساعد لوزير الخارجية ومسؤول دفاعي سابقاً، وروبرت كاجان، الباحث المحافظ بمؤسسة كارنيجي الوقفية، وكاتب مقالات وكتب وتعليقات صحفية منتظم في مجال السياسات الخارجية، إضافة إلي كل من وزيري الخارجية السابقين: هنري كيسنجر وجورج شولتز. وبحكم توليه مناصب وزارية سابقة لخمس مرات في إدارات مختلفة، فإنه ليس مرجحاً لجورج شولتز أن يسعي الي شغل منصب وزير الخارجية مرة أخري في إدارة "جمهورية" جديدة، غير أنه يتمتع بكل المواصفات والقدرات المطلوب توفرها في وزير الخارجية. وللوضوح هنا فقد عملت معه سابقاً في إدارة ريجان وأعجبت به للغاية. وأكثر ما يتسم به، ولاؤه المطلق لرئيسه. وحين حاول بعض مسؤولي البيت الأبيض الأقل شأناً حينئذ، إخضاع جميع موظفي وزارة الخارجية لجهاز اختبار الكذب، رفض "شولتز" الخضوع لذلك الاختبار قائلاً: حين يأتي اليوم الذي تثار فيه الشكوك حول ولائي، فإني مستقيل حتماً. وأمام ذلك الرد القوي، تراجع البيت الأبيض عن قراره. ثم إنه رجل علي قدر كبير من الاستقامة. فقبل إقدامه علي أي خطوة كبيرة في مجال السياسات الخارجية، كان يجمع حوله بين أربعة أو خمسة من كبار مستشاريه، ويطلب منهم معرفة رأيهم قبل الإقدام عليها. وبعد أن يستمع إلي كل الآراء ووجهات النظر، يوجه إلينا السؤال قائلاً: والآن... فما هي الخطوة الصحيحة الواجب اتخاذها إذاً؟ وإلي جانب ذلك فهو رجل متزن وهادئ يصعب استفزازه أو إغضابه. علي أن الشيء الوحيد الذي يثيره أسرع من غيره ويغضبه أشد الغضب، هو التعامل غير الإنساني بين البشر. وعلي أية حال، فإن في الجانب الخاص بحملة أوباما، تشيع التكهنات عن ترشيح السيناتور "جون بايدن" لمنصب وزير الخارجية، وربما يكون مرشحاً أيضاً لتولي منصب نائب الرئيس. أما عن احتمالات ترشيح ريتشارد هولبروك، فيجب الاعتراف بأنه كان مفاوضاً قديراً، إلا أن زمانه قد ولي. ومن جانبي أفضل عليه "دنيس روس" خياراً أول، ثم يليه "بيل ريتشاردسون" حاكم ولاية نيومكسيكو، الذي تمكن سلفاً من إجراء عدد من المفاوضات الدولية المهمة. وربما تكون وزيرة الخارجية الحالية كوندوليزا رايس إضافة حقيقية لفريق مستشاري "جون ماكين"، إلا أنه ليس مرجحاً إسناد المنصب إليها في الإدارة الجديدة. وبدلاً عنها ربما يفضل ماكين ترشيح سيناتور ولاية إنديانا السابق "ريتشارد لوجار". وإذا ما خيرت أنا، فربما فضلت عليه وزير الدفاع الحالي "روبرت جيتس"، بصفته أحد أقوي دعاة القوة العسكرية الحاسمة، المصحوبة بالقوة الناعمة أو الدبلوماسية العامة، والمساعدات الاقتصادية. وبصفته وزيراً للدفاع، فإن أكثر ما اشتهر به مؤخراً تعليقه علي ضعف تمويل ونقص طاقم موظفي وزارة الخارجية. وكما سبق القول، فسوف يواجه وزير الخارجية الجديد تحديات كبيرة ليس أقلها: لجم جماح الإرهاب، وتحسين صورة أميركا عالمياً باعتبارها صرحاً للحرية والديمقراطية، إلي جانب الحفاظ علي دورها العالمي، الذي تتطلع إليه الدول الصاعدة. وعليه فإن من الواجب أن نحسن اختيار وزير خارجيتنا الجديد.