رفع الجلسة العامة للشيوخ.. ومعاودة الانعقاد غدا    "البحوث الإسلامية" يطلق حملة "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا" بمناسبة عيد العمال    الانقلاب يقترض 980 مليون دولار من البنوك المحلية عبر أذون الخزانة    وزير المالية: نشجع ونسعى لاستحواذ القطاع الخاص على 70% من اقتصاد مصر    وزير التجارة: نسعى لزيادة صادرات قطاع الرخام والجرانيت إلى مليار دولار سنويا    "العمل": إعداد دراسات ترصد احتياجات السوق العربي    إيران: وفد كوري شمالي يزور طهران لحضور معرض تجاري    اتحاد الكرة ليلا كورة: فيتوريا يرفض استلام قيمة الشرط الجزائي في عقده.. ونفاوض محاميه    ذا أثلتيك: صلاح سيبقى في ليفربول.. ولم يُظهر رغبته بالرحيل    الأبناء قتلوا أبوهم وأبلغوا الشرطة.. ماذا جرى في قضية أرض الذرة بأسيوط؟    باركود وتعليمات جديدة.. أسيوط تستعد لامتحانات نهاية العام    لاستكمال المرافعة.. تأجيل محاكمة 35 متهمًا في حادث قطار طوخ    وزيرة الثقافة تلتقي نظيرها الإماراتي قبل افتتاح معرِض أبو ظبي الدُولي للكتاب    بعد أنباء عن ارتباطها ومصطفى شعبان.. ما لا تعرفه عن هدى الناظر    المخرج خالد جلال يشهد عرض مسرحية "السمسمية" بالمنيل (صور)    تحت شعار "غذاء صحي وآمن لكل مواطن".. "الصحة" تفتتح المؤتمر السنوي الثالث للمعهد القومي للتغذية    مقترح برلماني بدعم كليات الذكاء الاصطناعي بالجامعات الحكومية    شروط التقديم في رياض الأطفال بالمدارس المصرية اليابانية والأوراق المطلوبة (السن شرط أساسي)    صعود سيدات وادي دجلة لكرة السلة للدوري الممتاز «أ»    عضو مجلس الزمالك يعلق على إخفاق ألعاب الصالات    عاجل.. شوبير يكشف آخر خطوة في تجديد علي معلول مع الأهلي    رفع درجة الاستعداد لمشاركة الإخوة المسيحيين احتفالاتهم بعيد القيامة بالشرقية    «أبوظبي الأول مصر» يتعاون مع «الأورمان» لتطوير وتنمية قرية الفالوجا بالبحيرة    البنك المركزي يبيع أذون خزانة ب 997.6 مليون دولار بمتوسط عائد 5.149%    حكم رادع ضد المتهم بتزوير المستندات الرسمية في الشرابية    المشدد 5 سنوات والعزل من الوظيفة لرئيس حي السلام ومهندس بتهمة تلقي «رشوة»    «تشريعية النواب» توافق على رفع الاختصاص القيمي للمحاكم الابتدائية    وزيرة التضامن تستعرض تقريرًا عن أنشطة «ال30 وحدة» بالجامعات الحكومية والخاصة (تفاصيل)    رئيس الوزراء الإسباني يعلن الاستمرار في منصبه    تجليات الفرح والتراث: مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم 2024 في مصر    أمير الكويت يزور مصر غدًا.. والغانم: العلاقات بين البلدين نموذج يحتذي به    «للمناسبات والاحتفالات».. طريقة عمل كيكة الكوكيز بالشوكولاتة (فيديو)    عامر حسين: الكأس سيقام بنظامه المعتاد.. ولم يتم قبول فكرة "القرعة الموجهة"    «القومي لثقافة الطفل» يقيم حفل توزيع جوائز مسابقة رواية اليافعين    تراجع نسبي في شباك التذاكر.. 1.4 مليون جنيه إجمالي إيرادات 5 أفلام في 24 ساعة    التضامن : سينما ل ذوي الإعاقة البصرية بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    بث مباشر.. مؤتمر صحفي ل السيسي ورئيس مجلس رئاسة البوسنة والهِرسِك    إزالة 22 حالة تعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالشرقية    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    "سنوضح للرأي العام".. رئيس الزمالك يخرج عن صمته بعد الصعود لنهائي الكونفدرالية    السيسي عن دعوته لزيارة البوسنة والهرسك: سألبي الدعوة في أقرب وقت    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    «العمل» تنظم فعاليات سلامتك تهمنا بمنشآت الجيزة    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    محمد شحاتة: التأهل لنهائي الكونفدرالية فرحة كانت تنتظرها جماهير الزمالك    بالاسماء ..مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    وكيل مجلس الشيوخ: الجمهورية الجديدة تضع التعليم في صدارة أولوياتها    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    إصابة 3 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بأسيوط    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    البحوث الفلكية: غرة شهر ذي القعدة فلكيًا الخميس 9 مايو    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 29-4-2024 بالصاغة بعد الانخفاض    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مارسيل خليفة.. فنان الحب و السلام
نشر في نهضة مصر يوم 28 - 07 - 2008

نظمت مدينة القدس من الأول و حتي السابع من يوليو مسابقة مارسيل خليفة الوطنية للموسيقي للفنانين المقيمين داخل أراضي 48 و الجولان و يمنح هذه الجائزة معهد ادوارد سعيد للموسيقي في القدس و قد تأسست الجائزة التي تحمل اسم مارسيل خليفة عام 1999 بعد أن خصص خليفة الجائزة التي منحته إياها وزارة الثقافة الفلسطينية لمعهد ادوارد سعيد للموسيقي تشجيعا منه للموسيقي الفلسطينية و هي تمنح كل سنتين لأفضل العازفين و مؤدي أغاني التراث و الأغاني العربية الكلاسيكية من الشباب الفلسطيني في فلسطين و إسرائيل و الجولان المحتلة ، و شارك في هذه المسابقة عبر نظام الدائرة التليفزيونية المغلقة الموسيقيون الذين لا يستطيعون دخول القدس من الضفة الغربية و قطاع غزة .
أطلق المعهد للمرة الثانية علي مستوي الوطن هذه المسابقة التي نظمت أربع مرات علي المستوي الداخلي في المعهد ، و قد أعلن عن المسابقة في هذا الوقت كي يستعد طلبة الموسيقي و الموسيقيون حتي عمر الثلاثين عاما الراغبون في الاشتراك ، و دربوا علي المعزوفات و الأغاني المطلوبة أمام لجان تحكيم المسابقة و الجمهور ، و اتضح أنها المرة الثانية التي أتاحت للمواهب الموسيقية الفلسطينية أن تبرز إبداعاتها و مهاراتها علي المستوي الوطني و تنافست ضمن مسابقة احترافية من شأنها أن تجعل كل فائز ضمن الفئة العمرية و الآلة التي شارك بها ممثلا لفلسطين في أي مسابقة و مهرجان دولي ، إن الغناء دخل هذه المسابقة لأول مرة إضافة إلي خمسة أقسام أخري هي قسم الموسيقي الشرقية ، و البيانو ، و الوترات ، و النفخ الخشبي و النحاسي ، و الجيتار . و قد كان لكل قسم لجنة تحكيم مكونة من خمسة موسيقيين محترفين محليين و دوليين ، إن معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقي تأسس عام 1993 تحت مظلة جامعة بيرزيت ، و لديه ثلاثة فروع في رام الله و القدس و بيت لحم ، و وصل عدد طلبة الموسيقي المسجلين فيه إلي نحو 600 طالب و طالبة درسوا الآلات الشرقية والغربية ، انخرط هؤلاء في فرق و اوركسترات المعهد ، و شاركوا في العروض الموسيقية التي أحياها المعهد ، و العروض و المهرجانات المحلية و الدولية التي دعي إليها ، إضافة إلي المخيمات الموسيقية الصيفية و الورشات الموسيقية التي نظمت علي مدار السنة ، و قد تواكبت هذه الاحتفالية بالجائزة مع ذكري مرور 60 عاما علي نكبة فلسطين .
و لقد شارك مارسيل خليفة عبر الفيديو من باريس في حفلة تسليم الجائزة التي تحمل اسمه و ألقي من العاصمة الفرنسية كلمة مباشرة خلال الحفلة قال فيها " ليس سهلا الكلام عن الموسيقي بمغزي عن حالنا العامة و وضعنا الشامل ، فتجريد الفلسطيني من حقه في الحياة علي أرضه قد مس شغاف كياننا بأكمله ، و هو بمثابة الشك في قمر الحب الذي يغمر ليلنا الدامس بالقضية الصريحة ، و عندما يمس الفلسطيني الجزع ، ينال منا الوجع حتي العظم ، فلماذا يعتقد البعض أننا سوف نتنازل عن حقنا في الدفاع عنكم بشتي الأشكال في حين أنهم يمعنون في غزل الشباك و نصب الفخاخ لأجمل خطواتنا نحو المستقبل ، أحبكم و هذا حق مشاع كما اعتقد ، ليس لأحد مصادرته ، وهذا الحب يشاركني فيه الملايين الذين سبقوني إلي احتضان قضيتكم التي ولدت من صخرة الجبل متميزة برهافة عصفور ، ها نحن يحدق بنا الخطر دون أن نهلك دفاعا عبر الإيمان الأعظم بأننا ذاهبون إلي مستقبلنا الذي نريده ونحلم به ، بالرغم من كل محاولات تعطيل خطواتنا ، و تعويق ذهابنا الفاتن ، نضع كوفيه فلسطين تحية لكل صباح و تعويذة للمناعة و نرفع صوتنا : لكم إخوة لا يحصون و ما علي الطغاة إلا أن يبعثوا بعسسهم و جندريتهم و صليل سلاسلهم لملاحقة إخوة لا يحصون .
أصدقائي : شكرا لالتفاتتكم إلي الموسيقي و تأكدوا بأنها ستقترح عليكم فتنتها لتحقيق اكبر قدر من البهجة باكتشافات المخيلة في حياة محرومة و فقيرة من الحرية و الحب ،الموسيقي هي البديل المتاح للتعبير ، في تماوجاتها صدر يتسع للحدث ، لتفجرات القلب أو ملامسة ذلك النور الذي تزخر به الأقاصي البعيدة ، منذ ثلاثين سنة ذهبت في رحلة فنية إلي المستقبل الغامض ( أحبه غامضا دائما ) و ظلت أمنية تضاهي الولع تراودني كل ليلة أن استطيع أن احيي أمسية موسيقية في القدس عاصمة فلسطين التاريخية .
لقد أكد خليفة في كلمته علي أن " الفلسطينيين يرفعون في الموسيقي أذان وتراتيل استقلالهم و انه لا مفر من الحرية...... لقد قلبت آلاتكم الموسيقية كل المعايير و أعادت الكثير مما غاب عن المعاني، لقد اكتشف العالم أنكم موجودون..... كيف تستطيع أن تحرض الناس علي الفرح لا الغياب ..... علي الحياة لا العدم و هناك احتلالات أرضية و فضائية و محاولات مقصودة و منظمة لإرهاب كافة أشكال الفكر و الثقافة و قمع كل مسعي إبداعي ....... و المدرج الموسيقي أمامكم تاريخ ممتد و ملطخ بشظايا و إنقاذ و انبعاث... إن هذه الاحتفالية " المسابقة " التي عقدت علي مدي أسبوع في القدس العربية تعني الكثير و خاصة لي.
إن أكثر ما عني لمارسيل في هذا الحفل كما صرح بذلك هو إنسانيته و القدرة علي إعادة الدهشة من جديد و ذلك عبر الرحيل مع هذه الطيور الصادحة إلي أفق واضح المعالم .
إن كلام مارسيل يؤكد علي حقيقة أن الفن يرتبط بالحرية ارتباطا وثيقا ، فالمناخ الثقافي في أوطاننا العربية هو مناخ المنع و التحريم ، مناخ سلطة "اللا" و الأصعب أن يمارس الفنان الرقابة الداخلية علي نفسه .
لا يكون الفن متحررا من القيود و المقدس و السائد إلا إذا كان يبدع صلات جديدة بين الإنسان و العالم متجاوزا الأنماط السائدة و الأشكال المعتادة ، فالحرية في الفن و الإبداع هي الاكتشاف ، هي السحر و الولوج إلي عالم الممنوع و المحرم ، هي الاندهاش المستمر ، الحرية هي حرية الكلمة ، اللحن ، الغناء ، الرأي ، الكتابة و هي كل لا يتجزأ ، و الحرية في الفن يجب أن تكون مطلقة ، لا حرية لفنان في أوطان غير حرة ، و يتطلب ذلك الدخول في تحد وصراع دائم مع هيمنة مجتمع بطريريكي سلطوي و رفض البني الاجتماعية الثقافية السياسية السائدة في مجتمعنا العربي، ففي عالمنا العربي الذي يترنح بين الممنوع و المستحيل بين المحرم و المباح يكون الإبداع نوعا من المقاومة و العصيان، عندما نكتب، نتحدث، نغني، نرقص، تكون الثقافة و الفن و الإبداع هي المحرك الخارق لحياة الشعوب و تحررها من قيودها.
ولد مارسيل خليفة عام 1950في بلدة عمشيت في جبل لبنان ، و هو احد أهم الفنانين العرب المنحازين و الملتزمين بالقضية الفلسطينية و هو مؤلف موسيقي ومغني و عازف عود و يتميز مارسيل دوما بأغانيه التي تأخذ الطابع الوطني و قد دمج بين الموسيقي العربية و الآلات الغربية كالبيانو وقد ادخل الساكسفون إلي الموسيقي العربية في واحدة من أهم أغانيه " يعبرون الجسر".
و قد عاد العود علي يده إلي الواجهة فارضا نفسه كآلة عزف منفرد بعد أن تخلت عنه الموسيقي العربية في منتصف القرن العشرين لصالح آلات أكثر حداثة.
خلال أواخر السبعينات و الثمانينات لحن مارسيل أولا قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش مطلقا ظاهرة غناء القصيدة الوطنية الفلسطينية التي تمتزج فيها صورة الحبيبة بالأرض و الوطن و كانت البدايات مع " ريتا و البندقية " و " عود من العاصفة " و كانت مزجا بين جمال الكلمة المكتوبة و سحر اللحن مزجا بين العود و شعر محمود درويش فجاءت أغنية " أمي " ، و و" جواز السفر " كشعار يردده الجمهور العربي في فترة ما بعد النكسة ، شكل مارسيل و محمود درويش ثنائياً فريد و جميلاً في أذهان الناس ، جاء السحر الكامن في أغاني مارسيل و كلماته ليس فقط من قوة أدائه و موهبته و لكن أيضا من شخصيته و سماته الإنسانية .
فمارسيل خليفة صاحب رؤيا و هو مبدع ، شغوف و هائم و عالمه الموسيقي يتغير بتنامي خبرته ، فالعوالم الموسيقية المتعددة ذات شفافية و هي حاضرة داخله ، لقد ركز مارسيل منذ التسعينات إلي الآن علي التلحين الموسيقي البحت أكثر من الغناء و احدث ثورة في العزف علي العود و أخرجه من صورته النمطية .
و قام مارسيل أيضا بتأليف موسيقي تصويرية في العديد من المسرحيات مثل حلم ليلة صيف و الأندلس ، الحلم المفقود و أليسا ، ملكة قرطاج ، قام مارسيل مؤخرا بقيادة فرقة اوركسترا شارك بها العديد من العازفين العالميين ، و اصدر ألبوما جديدا باسم تقاسيم ، و قام بتأليف عمل موسيقي ضخم باسم " "الشرق " ، و تم عرضه في أوبرا لاسكالا في ميلانو .
لقد درس مارسيل الموسيقي العربية و الغربية معا فيقول " كنت اسمع المؤذن في المسجد القريب منا و الكورال يرتل بالكنيسة و اطرب لكليهما ، يهزني بيتهوفن كما تهزني أم كلثوم و عندما استعملت الاوركسترا لم يكن ذلك فقط بغرض استخدام التوزيع المعقد و تنوع الآلات الموسيقية بل لأقول إن موسيقي العرب تستطع أن تتفاعل مع الرؤية العلمية و القواعدية لمفهوم الاوركسترا و هي جزء من موسيقي العالم . و قد حصلت علي جائزة العمل الأول من أكاديمية تشارلز كروس في فرنسا لأنهم صدقوا محاولتي و لم يعتبروها تجريبا بل عملا فنيا مكتملا " .
تعرض مارسيل فنان السلام لعدد من الأزمات ، أبرزها دعوي قضائية عام 2003 لأنه في احدي أغانيه تحديدا قصيدة ( أنا يوسف يا أبي ) استخدم تعبيراً قرأنياً فهي قصيدة تستلهم قصة يوسف عليه السلام من القران في إسقاط علي القضية الفلسطينية ، و قد تم تبرئة مارسيل خليفة منها .
في عام 2007 صوت مجلس النواب البحريني علي تشكيل لجنة تحقيق في عرض لمارسيل خليفة و قاسم حداد باسم " مجنون ليلي " و قد اتعب هذا التعصب مارسيل و قال " من أدانوا قيس و ليلي و هو عملي المسرحي الذي قدمته في البحرين لم يروه أصلا ، و لا يشاهدون أي عمل فني ، هي فقط صورة في جريدة قدموا بعدها استجواباً في مجلس النواب البحريني ، أنا حاولت أن أعطي قيس و ليلي معني إنسانياً في علاقتهما ، يضمها و يغمرها و يرقصان ويغنيان معا ، و قد أحب العرب دائما بهذه الطريقة العميقة ، شيء فظيع ما وصلنا إليه في هذا الوطن بحيث لا نستطيع تقديم قصة حب من تراثنا كتبت قبل ألف عام من روميو و جوليت . الدين ليس بحاجة للدفاع عنه، و الرسالة قوية في حد ذاتها و لكن أمورا أخري بالحياة أولي بالحل، هل يعقل إن طرح الأسئلة حرام؟ !
السؤال محرم في حياتنا السياسية و الدينية و الاجتماعية ، لقد خلقنا أحرارا و هذا المجتمع لابد أن يعبر عن مكنوناته و فرحه و غضبه و ألمه ، كيف ننظر للجمال بكل هذا الحقد ؟! "
لقد اختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة " اليونسكو " مارسيل خليفة عام 2005 سفيرا للسلام و قد تعهد في رده علي هذا الاختيار أن يطلق موسيقاه و صوته نشيد حب و توحد مع ضحايا الاضطهاد أيا كان أشكاله دون التردد في اختيار قضية الأطفال في البلدان النائية و الفقيرة خاصة ذوي الإمكانات الواعدة و المواهب التي يمزق البؤس و الجهل و الإهمال أشرعتها فتغرق دون أن تبحر .
في ابريل 2008 جاء مارسيل خليفة ليحيي حفلا في دار الأوبرا المصرية في القاهرة في ذكري مرور ثلاثين عاما علي صدور صحيفة " الأهالي " و بهذه المناسبة عقد مؤتمر صحفيا في نقابة الصحفيين المصريين تلا فيه بيانا ذا مضمون أدبي و سياسي بدا فيه بكلمة ساحرة و مؤثرة " اعتدت دائما أن احتضن العود ذلك العود المجنون الذي استفرد وفتك بي .... و ذلك الوتر الناعم الملمس كجسد المرأة الطالعة من لهفة الحب ... كنت و ما زلت أتساءل كيف يتسني لتلك الغابات أن تنبت كل هذه الأشجار و تصبح مخلوقات فاتنة كالعود ، و لكنني اليوم لا بد من أضع العود جانبا و استعين بالكلمة و أنا عاشق لا يكف عن استدراج الكلمات للرقص علي الأوتار ، و أدان مارسيل العدوان البربري علي كرامة و أدمية الفلسطيني في غزة و علي كرامة و أدمية العراقي في بغداد و الموصل معتبرا أن " الذي يسفك دم الأطفال و النساء في جباليا و خان يونس و بيت حانون و ديالي و بعقوبة و بغداد و سامراء و البصرة هو نفسه الذي سفك دماء أطفالنا و نسائنا و شيوخنا في قانا و صور و بنت جبيل " .
و قد عبر مارسيل عن حزنه العميق تجاه ما يحدث في الوطن العربي قال " أنا حزين أيها الأصدقاء و غاضب إذ أري الوطن العربي يتمزق و ساسه يتلهفون علي مصالحهم الخاصة و قيما نبيلة تداس و عذابا إنسانيا يتضاعف و ثقافة تذوي و فنا تعبث به القذارة و هواء يتلوث و أفقا ينسد ...... إن السؤال محرم في حياتنا العربية و في كل الحقول السياسية و الدينية و الثقافية و الأخلاقية، فالسؤال معناه الفلسفي و الثقافي غير مستحب و مكروه و يمس بالأمن العام و الأجوبة جاهزة عندنا لكل تفاصيل الحياة و الموت و عندما نبادر إلي طرح الأسئلة يبدأ القمع ".
و عندما استضافة الإعلامي محمود سعد لبرنامج " البيت بيتك " في 17 ابريل 2008 ، و من خلال الحوار معه عبر مارسيل عن نفسه و موسيقاه وهمومه و رؤاه بشكل بسيط و عذب فعندما سأله محمود سعد هل تشعر انك حققت شيئا أجاب مارسيل " ما زلت حتي اليوم ابحث عن جملة موسيقية جديدة و عمل جديد ، أي إنني في حالة بحث مستمرة ، لان السعي لتحقيق شيء أجمل بكثير من الوصول إليه ، و إذا شعر الفنان انه قد وصل ، فهو يعلن حينها إن رسالته انتهت " ، و قد عبر مارسيل عن علاقته بفن سيد درويش فقال " شكل سيد درويش مرحلة مهمة في تاريخ الغناء العربي و أصبح له كيان ، و لا يوجد عمل فني اليوم ليس متأثرا بأعماله ، و بان هذا التأثير لا زال ممتدا و مستمرا حتي يومنا هذا
. و أضاف ان سيد درويش حقق انجازا كبيرا في فترة زمنية قصيرة حيث انه لم يعش طويلا ، و يري بان ما يميز سيد درويش هو: البساطة الصعبة جدا، ففي أعماله بساطة تحتاج من مبدعها لمجهود كبير حتي تصل إلي الناس بهذه السهولة، كانت هموم الناس في ذهنه و ريشته ، و نصه و ومسرحياته ، فهو لم يهمش الناس ، و لكن كان يستفيد من كل ما يجري علي الساحة حتي يستعمله في أعماله الفنية ، عكس ما يحدث الآن من احتلال وسطو علي الناس ، و تلوث فني كبير ، علينا أن نرفضه ، و نعود لتلك البساطة و الالتزام بالناس ، هناك اليوم سقوط ليس فقط في السياسة ، و لكن في الفن و الحياة عموما ، و يجب أن نتدارك هذا قبل فوات الأوان .
و يري مارسيل بأنه يفترض أن تكون كل أنماط الغناء موجودة ، و لا يجب فرض نوع واحد من الغناء ، و لكن هذا ما يحدث الآن لأن الفن المنتشر حاليا يندرج تحت عنوان فن الترفيه ، و لكن للأسف هو ترفيه مخجل ، فيه تهميش للناس ، و ربما يكون هذا التهميش مقصودا ، لإلهاء الناس عما يحدث في الحياة السياسية ، و هي مسالة خطيرة جدا ، و إذا لم ننتبه لها ستكون النتائج أبشع مما نحن فيه اليوم ، و اعتذر عن هذه المأساوية ، و لكني متيقن من أن الأمل ما زال موجودا " .
و يؤكد مارسيل علي انه تعلم كثيراً من موسيقيين قدموا انجازات حقيقية ليس فقط سيد درويش ، و لكن عبد الوهاب ، و أم كلثوم ، و الإخوان رحباني ، كل هذا شكل معهدا موسيقيا أخر . بالإضافة إلي التراث و القدود الحلبية ، الموشحات و الموال المصري ".... كل ذلك شكل المادة الأساسية في داخلي . أضف إلي ذلك موسيقي الشعوب، و موسيقي البحر في الخليج التي كان يغنيها الصيادون و هم يبحثون عن اللؤلؤ " .
و يكمل: لست أكيدا من كل ما أقدمه، فليس هناك شيء كامل و كل شيء بحاجة إلي تطوير دائم، و إعادة نظر باستمرار لان الأشياء متحركة...السكون هو الموت .
و يري مارسيل إن التزام الفنان هو البحث عن جملة موسيقية جديدة ، و يقول : أنا كموسيقي يجب أن اهتم بالموسيقي و ليس بما حولها ، يعني يجب أن انتبه للموسيقي نفسها كي استطيع أن اخدم القضية التي أغني من اجلها استمر بالبحث عن جملة موسيقية جديدة هو الأهم . و كثير من الأعمال الموسيقية الخالدة و جدت الخلود لأنها قدمت مضمونا موسيقيا متقدما.
و لمحمود درويش في قلب مارسيل مكانة خاصة " استخدمت قصائده في أعمالي لمدة 7 سنوات دون أن أسأله ، و اعتبرت أشعاره ملكية عامة للعالم العربي كله ، بعد أن بدأت الحرب كنت في قريتي ... محجوزا في مكان لم أكن متوافقا مع الخط السياسي فيه، و كنت مضطرا لان اختفي في منزلي ، و لم يكن معي سوي أشعار محمود درويش و عودي ، بعد 7 سنوات التقيت به و كان لقاءا رائعا، و كان فرح بأنني أوصلت هذه القصائد لكل الناس، حتي من لا يعرف منهم القراءة و الكتابة ".
كطائر النورس يرحل بين البلاد و القارات ليقدم موسيقاه في سعي دؤوب لتوصيل فنه الراقي الساحر إلي أقصي حدود العالم ، غني مارسيل للحب و للسلام ، و للوطن ، و أنتج البومات موسيقية ( احمد عرابي ، و عود من العاصفة ، عالحدود ، سلام عليك ، ركوة عرب ، مداعبة ، جدل العود ، كونشيرتو الأندلس ، تصبحون علي وطن ، حلم ليلة صيف ، بساط الريح ، الجسر ، سعادة ، تقاسيم ، شرق ) ، مارسيل خليفة ليس فقط مؤلف موسيقي و مغني وعازف و لكنه أيضا شاعر متمرد تحمل أشعاره أحلامه و جرأته ، وتكشف عن روحه المخبأة ، ينفذ شعره إلي لحم الأشياء و دمها ، لا يساوم في أشعاره كما لا يساوم في فنه ، يقفز داخل أطواق النار ، يحمل وطنه في قلبه و وحبه في كفه ، إن مارسيل بموسيقاه و أغانيه و أشعاره يحول الكلمات و الألحان إلي صور و لوحات و رؤي تمنح البشر فرصة لابتداع حلم قد لا يكون بعيد المنال ، لا نملك إلا أن نحي هذا الفنان المبدع الذي يواصل مسيرته الفنية بتفاؤل و نهم ليكون فنه مصدر حب للجمهور العربي و الهام للموسيقيين من كافة أنحاء الدنيا .
ملح بلادي
أطوف البلاد
بقلب كليم الجرح
ابحث عن خبز البلاد
و تاجها المحطم
و قمرها المكسوف
الذي أتي بغسق تاه فيه جموح جواد متعب
ليصارع صنوج جلجلته و أمواج بحر غير موجود
كم نشدت وجه العدل
في ليل ثقيل بارد
و في مهد يحتوي الموت الفاجر
كم نشدت السكينة
في سكك حديدية ضاعت عليها وجه البراءة
كم نشدت بهجة تأتي من الوجوه المدفونة في أحضان قاسية
كم نشدت وجه القمر
في رفرفة قلب منقضي
و شفاه محترقة عطشي
كم نشدت خمر البلاد
في سكر معربد
و شوق طفيلي
و حليب مياه النيل
أموت و أذوب و ألعق المر و الحنظل
حتي أجد ملح و دم بلادي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.