جامعاتنا لا تستوعب في الكليات العلمية والمهنية الا 1% فقط من طلاب الثانوية ولا يقبل في كل الجامعات والمعاهد العليا الا نسبة 28% فقط اذن نحن امام ازمة حقيقية تتعلق بمستقبل التنمية البشرية أيام يسدل الستار علي اسوأ عروض الثانوية العامة منذ سنوات طويلة بمشهد ختامي ما بين فرحة الاوائل وما بين عقاب لعشرين طالبا فقط في احداث التسرب! ليبدأ بعدها فصل جديد في المشهد التعليمي وهو سباق القبول بالجامعات الذي نتوقع ان يشهد هذا الفصل مفاجآت ودموع ايضا خاصة لشريحة الطلاب الحاصلين علي اعلي من 95% ولم يجدوا مكانا لهم بكليات القمة هذا ليس تخمينا او قراءة في فنجان التنسيق ولكنه قراءة واقعية لاحداثه فطبقا لتصريحات د. هاني هلال وزير التعليم العالي فإن عدد المقبولين بالجامعات هذا العام سوف يصل الي 280 الف طالب وطالبة وداخل هذ الرقم الذي يبدو للوهلة الاولي كبيرا سوف نجد ان اعداد الطلاب الذين سوف يقبلون بالكليات النظامية لن يتجاوز 210 آلاف طالب وطالبة منهم ما يزيد علي 150 الفا في الكليات النظرية اي التجارة والاداب والحقوق بل والاقتصاد والعلوم السياسية والاعلام ايضا وبذلك تنحصر المعركة للقبول بالكليات العملية كالطب والهندسة والعلوم فيما لا يتجاوز 60 الف طالب وطالبة، وليت الامر يتوقف عند ذلك فحتي داخل هذا الرقم 60 الفا سوف تنحصر المنافسة للقبول في القطاع الطبي وهو يضم الطب وطب الاسنان والصيدلة في اعداد لن تتجاوز 15 الف طالب وطالبة وهو رقم اقل من الاعوام الماضية بنسبة 10% لان وزارة التعليم العالي قررت ان تنفذ حكم محكمة القضاء الاداري الذي طلب تخفيض اعداد المقبولين بالقطاع الطبي في القضية المرفوعة من د. حمدي السيد نقيب الاطباء ضد المجلس الاعلي للجامعات الغريب ليس في الحكم ولكن في الموافقة علي تنفيذه تدريجيا هذا العام رغم ان الوزارة في سنوات سابقة كانت تضرب عرض الحائط بنفس هذا الحكم الذي لم يكن الاول من نوعه في السنوات الاخيرة ولكن هذا العام قرروا التمسك بتنفيذ احكام القضاء! واذا انتقلنا للقطاع الاخر من كليات القمة علمي وهو القطاع الهندسي والحاسبات فكل المؤشرات والتصريحات تؤكد حتي الان انه لا تغيير في اعداد المقبولين عن العام الماضي اي في حدود 21 الف طالب وطالبة. ومن هنا نستنتج ان معركة الثانوية العامة وضجيجها يتحقق فقط في قبول اقل من 40 الف طالب بالكليات العلمية وهذا الرقم يمثل فقط 10% من اعداد المتقدمين هذا العام للثانوية العامة. وهو رقم هزيل للغاية اذا تم وضعه في اطار نسبة وعدد شريحة الشباب في هذه المرحلة السنية 18- 23 عاما والتي تصل الي 5،3 مليون مقيدين بالثانوي اي النسبة لا تتجاوز 1% فقط هي التي يتم قبولها بالكليات العملية علي مستوي. مصر. ويصبح السؤال ما فائدة كل هذه الارقام والمؤشرات وما دلالتها؟ الاجابة هي ان كل هذه الضجة التي تثار سنويا وتزداد حدة عاما بعد اخر ويصرف فيها الطلاب واولياء امورهم المليارات سنويا هي من اجل 1% فقط من شبابنا هم الذين يشكلون القاعدة العلمية والمهنية والتكنولوجية لمصر وتصبح قضية محدودية الاماكن المتاحة بالجامعات لاستيعاب طلابنا هزيلة للغاية، فكما اوضحنا فان جامعاتنا لا تستوعب في الكليات العلمية والمهنية الا 1% فقط من طلاب الثانوية ولا يقبل في كل الجامعات والمعاهد العليا الا نسبة 28% فقط من الشريحة العمرية اذن نحن امام ازمة حقيقية تتعلق بمستقبل التنمية البشرية في مصر لان واقع الحال وطبقا للدراسات والارقام العالمية فإن التعليم العالي اصبح يمثل الآن في اغلب دول العالم الحد الادني للتأهيل والتدريب والدخول في سوق العمل ولن نقول الي عالم الابتكار والاختراع والقيمة المضافة الي الاقتصاد المحلي او العالمي. اذن يتضح مما سبق انه لا بديل عن حل الازمة التي نعيش فيها ما لم يحدث توسع حقيقي في التعليم العالي فذلك هو الحل العلمي والصحيح للقضاء علي تلك الازمة التي نعيشها والتي من المتوقع ان تزداد تفاقما في السنوات القادمة مع ارتفاع المتوقع في اعداد الطلاب في التعليم الثانوي ليصل الي 5،4 مليون شاب في حين ان اجمالي المقيدين الان بالتعليم العالي الحكومي والخاص لا يتجاوز 3،2 مليون طالب يتمركزون بأغلبية تتجاوز ال 80% في 17 جامعة حكومية و40 الف طالب فقط في 16 جامعة خاصة بما فيها الجامعة الامريكية بينما تضم المعاهد العليا نصف مليون طالب فقط. وهنا سوف ترتفع الاصوات احتجاجا من اين الموازنات لنمول التوسع في التعليم العالي والحكومة ليل نهار تصرخ من ضيق ذات اليد وتنقص من موازنات التعليم سنويا؟ الاجابة تكمن في قضية واحدة فقط وهي هل نريد بالفعل تعليما في مصر ام لا هل نريد تنمية بشرية ام لا وهل النمو الاقتصادي لا يحتاج الي توسع ونهضة في التعليم ام لا؟ علينا ان نصارح انفسنا وبناء علي ذلك نضع الاولويات في توفير التمويل اللازم للتوسع في التعليم العالي واعتقد ان قضية التمويل والموازنات ليست هي العقبة الوحيدة فقط لانه اذا كان بالفعل التعليم علي رأس الاولويات فسوف تظهر المصادر المالية التي يمكن من خلالها تمول النهوض بالتعليم كما حدث في ازمات الخبز ومياه الشرب والصرف الصحي. وكما ان هناك مصادر مساعدة يمكن ان تساهم في التمويل مثل المنح والقروض وغيرها. ولكن السكوت علي ما يحدث سنويا في الثانوية العامة اصبح قضية لا يمكن التغاضي عنها كما اكد الرئيس مبارك في اجتماعه العاجل الاخير لبحث ازمة الثانوية العامة وطلب الرئيس حلولا لهذه المشاكل التي اصبحت تمثل صداعا تزداد حدته عاما بعد اخر. واعتقد انه في الادراج الكثير من الدراسات لكيفية التغلب علي هذه الازمة ولدينا من الخبراء الكثيرون الذين يملكون خططا حقيقية ورؤي واقعية للخروج من هذه الازمة. فهل سنري ذلك قريبا خاصة اننا اصبحنا في وضع لا نملك معه رفاهية الانتظار اكثر من ذلك. ام سنترك الامور للتفاقم بمزيد من القتلي والغش والتسرب والصراخ والعويل.