ولا شك أن كثرة انتشار جمعيات متخصصة في المجالات العديدة لحقوق الإنسان دليل علي تطور ملموس في وعي المواطن المصري تجاه حقوقه كذلك دليل علي بروز دور النخبة في المجتمع المدني ونشاطها من أجل الترويج لحقوق الإنسان ونشر المفاهيم الخاصة بها. احتفلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان بذكري مرور 25 عاما علي إنشائها. والواقع أن المتتبع لنشاط هذه المنظمة منذ أيام قلائل يلمس ثلاثة أمور: أولها: النشاط الواسع الذي تقوم به هذه المنظمة بهدوء وعقلانية، خاصة شخصية أمينها العام الوزير السابق محمد فائق وهو شخصية تتسم بدماثة الخلق، بالتفاني في العمل، بالإيمان بحقوق الإنسان، وأخيرا العمل الهادئ العقلاني. وثانيها: إن هذه هي المنظمة الوحيدة في إطار عربي ولها علاقاتها المتنوعة، كما أن لها احترامها ومكانتها. وثالثها: إن هذه المنظمة تمثل استمرارية للفكر القومي العربي في عصر تراجع فيه هذا الفكر. ولقد جاء احتفال المنظمة بذكري مرور 25 عاما علي قيامها ليعزز مكانتها ويرفع أسهمها علي المستويين العربي والمحلي في كل دولة عربية. ومن هذا المنطلق سمحت لنفسي بأن أرسل هذه التهنئة للتعبير عن أسفي لعدم إمكانية المشاركة شخصيا في الحفل الذي دعيت إليه. واتصالا بنشاط المنظة العربية لحقوق الإنسان فإن المرء يلمس في السنوات الأخيرة انتشارا واسعا للمنظمات والجمعيات واللجان الخاصة بحقوق الإنسان علي مستوي مصر، حيث العاصمة القاهرة، وكذلك علي مستوي المحافظات. وأود أن أشير لبعض المنظمات ذات النشاط البارز الذي لمسته عن قرب دون أن يعني ذلك إغماط حق منظمات أخري. وفي مقدمة المنظمات التي نشطت في إطار إقليمي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والذي نشط في إقامة العديد من الندوات والمؤتمرات، وكذلك إصدار العديد من الكتب والمؤلفات واستطاع المركز أن يخطط له نهجا ويرسم له مكانة علي المستوي الإقليمي والدولي. وكذلك مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء والذي له نشاط ملموس في العمل الحقوقي لمساعدة السجناء، فضلا عن إصدارات عديدة، كما أنه أصدر بعض مطبوعات لتعليم حقوق الإنسان للأطفال وهذه فكرة رائعة ينبغي تشجيعها. كما لا يفوتني أن أشيد بالجهد الذي تقوم به المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في رعايتها لمن يتعرضون لانتهاك حقوقهم وكذلك في إصداراتها وتقريرها السنوي. ويهمني الإشارة أيضا إلي مؤسستين لحقوق الإنسان علي مستوي محافظة أسيوط أولاهما مركز دراسات حقوق الإنسان بجامعة أسيوط وجمعية أسيوط لحقوق الإنسان وهي جمعية أهلية. ولا شك أن كثرة انتشار جمعيات متخصصة في المجالات العديدة لحقوق الإنسان دليل علي تطور ملموس في وعي المواطن المصري تجاه حقوقه كذلك دليل علي بروز دور النخبة في المجتمع المدني ونشاطها من أجل الترويج لحقوق الإنسان ونشر المفاهيم الخاصة بها. ولا مراء في أن هذا التطور الجديد في مجال حقوق الإنسان في مصر يعكس ثلاث حقائق: الحقيقة الأولي: إن وعي النخبة المصرية بخصوص حقوق الإنسان في حالة تزايد وهذا دليل علي حيوية هذه النخبة وإدراكها لكثير من المتغيرات الدولية وسعيها للاستفادة منها. وقد استطاعت العديد من النخب المثقفة تطوير فكرها من اليسارية والشمولية إلي الليبرالية والحقوقية وهذا يحسب لهذه النخب. الحقيقة الثانية: إن المجلس القومي لحقوق الإنسان باعتباره المؤسسة الوطنية الرئيسية في هذا المجال يلعب دورا مهما في حماية أو علي الأقل في مساعدة ومعاونة المنظمات غير الحكومية، خاصة في المواقف الدقيقة أو الأزمات التي تتعرض لها من حين لآخر.. كما يساعدها في التواجد علي الأرض بالنسبة لرصد ومتابعة الانتخابات الرئاسية أو النيابية. فضلا عن أنه يستفيد بدوره من أنشطتها وتقاريرها. الحقيقة الثالثة: إن الدولة المصرية تهتم بحقوق الإنسان ولو بقدر معقول وإلا فإنها ما كانت تسمح بنشاط العشرات من المنظمات العاملة في هذا المجال وتسمح لها أيضا بتوجيه العديد من الانتقادات لممارستها. وبعبارة أخري أن هناك قدرا لا بأس به من التسامح الرسمي تجاه تلك المنظمات وأنشطتها رغم تحفظات السلطات الرسمية علي بعض تلك الأنشطة أو بعض العاملين في تلك المنظمات. والسؤال الذي نطرحه في نهاية هذا المقال يتمثل في شقين: أولهما: لماذا هذا الانتشار الواسع؟ وثانيهما: لماذا يحدث أحيانا التصادم أو التجاذب السلبي بين مؤسسات المجتمع المدني ومنها العاملة في حقوق الإنسان وبين بعض أجهزة الدولة؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال بشقيه ليست مسألة صعبة. فحقوق الإنسان أو بالأحري الاهتمام والحديث عن موضوع حقوق الإنسان في مصر موضوع جديد فمنذ عقدين من الزمان لم يكن أحد يسمع عن إن الإنسان المصري له حقوق رغم وجودها، ولكن إدراك الموضوع لم يكن معروفا بل نكاد نقول إنه حتي علي المستوي الدولي فإن الأمر لم يكن مطروحا بهذا الاهتمام إلا في الربع الأخير من القرن العشرين. هذا من ناحية، ولكن زيادة الاهتمام العالمي واكبه زيادة الاهتمام علي المستوي المحلي لدي العديد من الدول هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فإن بروز الوثائق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وزيادتها في الإطار الدولي أدي لبروز المؤسسات العاملة من أجل تفعيل تلك الوثائق، ومن ثم كثرة انتشار تلك المنظمات علي المستويين الدولي والوطني. هذا عن الشق الأول من السؤال. أما الإجابة عن الشق الثاني فهي أن مثل هذا الإدراك بمسألة حقوق الإنسان كان غير قائم، فإن السلطات المحلية كانت تتصرف بحرية انطلاقا من المفهوم الأمني فقط، لذلك فإن ظهور منظمات تتحدث عن حقوق الإنسان يعني وضع قيود أو ضوابط علي السلطات المحلية ومراقبة أدائها، ومن هنا يحدث التجاذب السلبي في بعض الأحيان. وفي تقديري أن الأمر لن يستمر علي هذا النحو طويلا بل سيحدث مزيد من وعي السلطات الرسمية بقضية حقوق الإنسان، كما أنه أيضا سيحدث مزيدا من إدراك منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية لطبيعة ومقتضيات الأمن الوطني، خاصة في ظل الظروف التي يعيشها المجتمع المصري، حيث يتربص به الكثير من الأعداء. ونقطة التوازن كلما اقتربنا من تحقيقها كلما أدي ذلك للتعاون بين الطرفين، ولا شك أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يمكن أن يكون هذه الأداة التي تحقق هذا التوازن والاعتدال في مواقف الأطراف الرسمية وغير الرسمية، وهو ما يسعي إليه المجلس، وهذا أدي لاكتسابه قدرا معقولا من المصداقية علي المستويين الوطني والدولي بعد أن تخطي مرحلة الشكوك في نواياه وتوجهاته.