جلست "يوليا كولييفا" التي لم تتجاوز التاسعة عشرة من عمرها وشرعت في طرح أسئلة علي الشباب الجالسين أمامها بهدف اختبار أهليتهم الإيديولوجية للمشاركة في مخيم صيفي وقالت: "أخبريني، ما هي إنجازات سياسة بوتين التي يمكن أن تذكريها لي؟" في إشارة إلي فلاديمير بوتين الذي يحكم روسيا منذ 2000. أجابت الفتاة المستجوَبة قائلة: "الاستقرار الاقتصادي؛ وزيادة المعاشات". ثم طرحت "كولييفا" سؤالا ثانياً: "وماذا عن الشيشان؟"، مختبرةً معارف الفتاة حول النزاع الانفصالي الذي حصد أرواح عشرات الآلاف من الأشخاص، والذي لايزال متواصلاً إلي اليوم بالرغم من أن القوات الفيدرالية الروسية انتصرت فيه إلي حد كبير. أجابت الفتاة قائلة: "الإنجاز الذي تحقق بخصوص الشيشان هو أنها تعتبر جزءا من روسيا". "هل مازالت الحرب متواصلة هناك؟" "كلا، كل شيء هادئ هناك الآن". "كولييفا"، هي زعيمة في منظمة "ناشي" الشبابية، التي تعد الأكبر من بين المنظمات الشبابية التي أنشأها الكرملين من أجل الفوز بعقول وقلوب الشباب الروسي في المدارس، وعلي الأمواج، وحتي في الشارع، إن اقتضي الأمر ذلك. وقد أصبحت "ناشي"، التي تعني "لنا"، منذ تأسيسها قبل عامين وسيلة منضبطة تحظي بتمويل سخي بالنسبة لحملة بوتين من أجل السيطرة السياسية في روسيا قبل الانتخابات البرلمانية في ديسمبر والانتخابات الرئاسية في مارس. وفي هذا الإطار، نظمت "ناشي" مظاهرات حاشدة لدعم بوتين _أحدثها تلك التي شارك فيها عشرات الآلاف من الشباب في موسكو لبعث رسائل هاتفية إلي الرئيس. كما نظمت مظاهرات أخري شابها بعض الانفلات احتجاجا علي مواضيع تخص السياسة الخارجية، حيث تم التحرش بالسفيرين البريطاني والإيستوني في موسكو. والحال أن الدور الرئيسي ل"ناشي" يتمثل في التثقيف الأيديولوجي _بعضهم يسميه الترسيخ- لشباب اليوم، الذي يعد أول جيل ينضج في روسيا في ما بعد المرحلة السوفييتية. ذلك أنه بالنسبة للمنظمة، فإن شباب اليوم ليس هو الجيل التائه لفترة التسعينيات، مثلما أنه ليس الشباب المادي أو "جيل بي." (نسبة إلي بيبسي) الذي لا روح له، مثلما تخيله الكاتب فيكتور بيلفين عام 2000. بل إنه، مثلما تقول أدبيات "ناشي"، "جيل بوتين". وفي هذا السياق، قالت المتحدثة الوطنية باسم "ناشي"، أناستازيا سوسلوفا، بمقر المنظمة: "لماذا جيل بوتين؟ لأن بوتين غير روسيا تغييراً نوعياً. لقد جلب لها الاستقرار وفرصة تحديث البلاد وتنميتها. فعمري علي سبيل المثال 22 سنة؛ وقد شكلت هذه السنوات الثماني (فترة حكم بوتين) الجزء الأطول من حياتي الناضجة؛ وعندما كنا نكبر، كانت البلاد تتغير معنا". نشأت منظمة "ناشي" في أعقاب الاحتجاجات التي تزعمها الشباب وأطاحت بحكومات متصلبة في جمهوريات سوفييتية سابقة، وبخاصة في أوكرانيا في 2004، قبل أن تنضم إليها لاحقاً منظماتٌ مماثلة مثل "الحرس الشبابي"، التي تنتمي إلي حزب "روسياالمتحدة" الموالي لبوتين؛ و"المحليون"، وهي منظمة أنشأتها حكومة منطقة موسكو التي أطلقت مؤخراً حملة ضد الهجرة؛ و"غريغوريفتسي"، التابعة للكنيسة الأرثوذوكسية الروسية. وتندرج هذه المنظمات _حسب المنظمين والمراقبين- في إطار جهود ترمي إلي خلق أنصار موالين يتميزون بحس وطني في أوساط الشباب، وتخفيف أي مقاومة من جانب الشباب قد تظهر خلال الترتيب المتأني والحذر لمن سيخلف بوتين في انتخابات العام المقبل. وتقول "ناشي"، التي تعد الأكبر والأكثر شهرة من بين المنظمات الأخري، إنها تضم 10000 عضو نشط، وما لا يقل عن 200000 مشارك في الأحداث التي تنظمها. وفي هذا السياق، يقول "نيكولاي بيتروف"، الباحث في مركز كارنيجي في موسكو: "لقد رأي الكرملين أنه يمكن استغلال المنظمات الشبابية والاستفادة منها"، مشبها النشطاء الشباب بال"لاندزنيكتز"، الجنود المشاة الذين كانوا يؤجَّرون في القرون الوسطي من أجل تنفيذ الحملات العسكرية. الواقع أن الشباب الروسي، وعلي غرار جيل الآباء، لا يولي اهتماماً كبيرا بالسياسة عموما، إذ ينظر إلي ما يحدث في السياسة هنا باعتباره شيئاً بعيداً عن حياته اليومية. غير أن "ناشي" تهدف إلي تغيير هذا الأمر، وحفز الشباب علي الانخراط في الأنشطة الجماعية، وإن كان ذلك ضمن الحدود التي يوافق عليها الكرملين. توجد أيديولوجيا "ناشي" في بيان يقوم علي كتابات كبير المستشارين السياسيين لبوتين، فلاديسلاف سوركوف، الذي يلقَّب ب"كارل روف الكرملين". ومما يجدر ذكره هنا أنه خلال الفعاليات التي تديرها المنظمة أو الحوارات التي تُجري مع أحد مسؤوليها، فإن الأعضاء يحرصون حرصاً شديداً علي الإشارة إلي فقرات من البيان أو "نص سوركوف". وفي هذا الإطار، قال "يوري فينشيكوف"، وهو عضو في الثامنة عشرة من عمره، في مسيرة نظمتها "ناشي" مؤخراً بمركز "معرض كل روسيا" الذي رمي إلي تشجيع الانسجام بين المجموعات العرقية الكثيرة في روسيا: "أريد أن تصبح روسيا زعيمة القرن الحادي والعشرين". ويتميز برنامج "ناشي" بولائها الكبير لبوتين وعدائها الشديد لمنتقديه، ومنهم رئيس الوزراء السابق ميخائيل كاسيانوف، وبطل الشطرنج السابق جاري كاسباروف، والكاتب "إدوارد ليمونوف"؛ حيث يندد أعضاء "ناشي" بزعماء المعارضة ويصفونهم بالفاشيين. بيد أن إيديولوجيا "ناشي" تتجاوز حدود "السياسي"؛ حيث تشجع علي التسامح العرقي وتعارض التعصب؛ وتحث علي الانضمام إلي الجيش، الذي يتجنبه كثير من الشباب الروس؛ ودعم اليتامي والعجزة، واحترام قدماء المحاربين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية. أما بخصوص المواضيع الاجتماعية، فتنظم "ناشي" حملات ضد التدخين وشرب الكحول؛ وتدافع عن آراء محافِظة بخصوص مواضيع مثل الإجهاض وتنظيم النسل.