من الاسكندرية لأسوان.. دستها خطوة للخلف وخطوتين للامام - ماسك فانوس ب 7 شمعات مطفية، وعكاز من خشب الرمان، وجلابية أكلها الزمان، ادور علي الحق والحق تاعبني، ادور ع الناس والناس فاتوني - يا خلق انا جاي من آخر الزمان أدور علي صبية سمراء سحرني جمالها، سمعت الناي يناديها والشادي يناجيها والربابة تقول آه يا ليل آه والصبية دي اسمها مصر، أشوف جمالها في اغانيها واسمع صوتها من عيونها - سكانها رجالة من الاكرمين ومن الحديد مصنوعين وبناتها صبايا حلوين الكحل الرباني علي رموشهم وشعرهم الهفهاف تاج علي رءوسهم، خطوتهم علي صوت الخلخال ماشية وعلي دقة الرق غنوة، رمتني رجلي علي كفر لا تفرق فيه المسلمين عن النصاري، الكل مستورين وعلي الحب والود عايشين، ربهم واحد والكل علي قلب رجل واحد - فينك يا مصر وغراب البين بينوح عليك. كل شمعة في الفانوس لها سؤال، والجواب الصحيح ينير الشمعة في الحال - وكان السؤال الأول مين انت يا مصري؟ وجاء الجواب انا انسان بلا انسانية عايش في وطن بلا مواطنة، وقلب بلا وجدان، انجب ودائما توائم واحد من الشر وتوأمه من الخير - لا تستطيع ان تفرق بينهما فالشر موجود في الخير وخير الشر زمانه فات - فتوهجت الشمعة الأولي، وفرحت بالفانوس وقد اضاء لي اول الطريق - وقادتني قدماي الي خيمة يسكنها صديق وسألته السؤال الثاني ماذا تريد؟ فاطرق مفكرا متأملا ساندا رأسه بين يديه وقال: اريد الستر. فسألته: اراك علي خير حال فأي ستر هذا الذي تريد؟ فرد: ستر العقل وستر الضمير وليس ستر البدن فهوبدونهما عريان، وفي الحال توهجت الشمعة الثانية - وفرحت لأن الفانوس الآن به نور سوف يدلني علي مزيد من الحكمة - فشكرته وانصرفت قاصدا بلدة اراها من بعيد وكان الوقت ليلا وكأنها قطعة الماس تتلألأ عاكسة لاضواء السماء - وكلما اقتربت منها زادت اصوات البشر من الهمس الرقيق الي الصخب المقيت - وكلما تكشفت رؤيتي لها زالت اضواء الماس المبهرة لاري اعمدة النور بضوئها الاصفر الحزين والناس سكاري يبعثون بكياناتهم البشرية، يشربون الجنس حتي الثمالة، يرتكبون كل اثم معروف اومجهول فكرهت هذا المناخ المسموم واوليتهم ظهري واستأنفت المسير حتي وصلت إلي جدول ماء نبتت علي شاطئه شجرة صفصاف تنساب اطراف فروعها المدلاة علي صفحة المياه الرقراق تجري مع التيار ثم تعيدها نسمات الريح لتعاود الانسياب من جديد وكأنها سيمفونية الخلود، ثم رأيت رجلا راقدا تحت الصفصافة رافعا يديه الي السماء في تواصل مع الله وسمعته يقول: يا الهي اغفر لي زلتي وهي مذلتي وارحمني فانت خير الراحمين واخرجني سليما من هذه الارض الظالمة لقد طلبت المال والجمال والجاه والنفوذ وتصورت اني مالك للكون، وعندما مددت يدي لامتلكه كانت قبضة يدي علي ريح وانتابني ضحك في صيغة صراخ ولم اصدق عيني فمددت يدي مرة اخري فلم تقبض إلا علي الهواء - أكل هذا الهيام والخيال، كل هذه الرغبات هي عدم من العدم؟ فزهدت الحياة وها انا قد تجاوزت الشيخوخة وعدت طفلا صغيرا فلا تنساني - فما ابشع من ان يكون الكهل يتيما يتحاشاه الناس وهم يدعون له بالصحة بعيون مملوءة بالشفقة فتنحنحت لاعلمه بالحضور فاستدار غاضبا من المقاطعة وقال من انت؟ فرددت قائلا: بل من انت اولا لأعرف انا من انا ثانيا، فقال: وااسفاه انا حاكم هذه البلاد وقد ندمت علي ما فعلت ووجدت ان الحياة هي الندم من حياة العدم، واذا بالشمعة الثالثة تتوهج. وتركته علي حاله وعدت الي مسيرتي حتي ازف الليل فانتحيت جانبا من شاطيء جدول للمياه وتوسدت ذراعي وغفت عيناي، ولكن سمعت اذناي خطوات حمار قادم نحوي علي مهل وعليه امرأة تحتضن طفلا وهما يبكيان فقمت متسائلا؟ لماذا البكاء والحياة لا تستحق هذا العناء، فاوقفت المرأة الحماروقالت: هذا ليس من شأنك خاصة وانت لا تمتلك الجواب فقلت لها: هذا حقك ولكن دعيني اساعدك لعلي اوفق فيما استحال، قالت هذا ابني وأنا ذاهبة الي السوق اعرضه للبيع فلم يعد لنا سبيل للحياة، فلعل انسانا كريم الطباع يقدم علي الشراء فينقذنا من الهوان. فقلت لها: امرك غريب يا اماه اتبيعين ابنك وتحتفظين بالحمار؟ قالت: هورزقي الوحيد أؤجره لحمل الاثقال وهوما لا يستطيعه ابني علي هذا الهزال ولما كان هذا هوالحال فهويعيش وانا ادعوله كل يوم بطيب المقام وانا اعيش عالة علي الحمار فتوهجت الشمعة الرابعة قلت لها: اصبت يا امرأة وقد عز علي الجواب واستأنفت المسير فوصلت الي القاهرة بعد الغروب وكنت جائعا فدخلت محلا للكباب وطلبت ربع ريش مع المزات وكاس من الويسكي "ماء المخللات" ولاحظت هلاهيل تغطي جسدا نحيلا وقد امسك بيده قطعة من الخبز وربما التقطها من النفايات واخذ يقضم الخبز ويشم الشواء حتي خيل له انه فعلا يأكل قطعة من الكباب ولكن سرعان ما سرق كيلوكباب وقد غافل الشاري وهو يدفع الحساب، فصاح صاحب الكباب حرامي حرامي وقبض علي الجاني الغلبان وقدم الي القضاء في الحال وحكم عليه بشهر مع النفاذ فاخذه الشرطي الي السجان ليوضع خلف القضبان والرجل يهتف يحيا العدل وتسقط الحرية مع الحرمان والكفاف ففي الحبس سرير وثلاث وجبات، فتوهجت الشمعة الخامسة ولكن لهيبها كان غريبا، كان يتراقص مع الهتاف فتشتعل الشعلة وتارة تكاد تنطفيء - وتابعت جولتي في الحواري والطرقات اتنصت علي الناس واستمع الي نكاتهم ونكباتهم يتكلمون فيمالا يفقهون والفقهاء قد عز عليهم الجواب ثم التقيت برجل يحمل ثقلا كبيرا ويمسك بفانوس مثلي مضاء في عز النهار وهو يصيح يا أهل الكنانة احملوا اثقالكم الله يعينكم، المكتوب علي جبينكم لازم تشوفه عيونكم. يا أهل المحروسة اين انتم وقد انرت الفانوس لاراكم وزحزحت الحجارة فلم اجدكم وناديت عليكم فلم اسمعكم - يا أهل المحروسة اخرجوا من جحوركم انيروا عقولكم فالله موجود يميتكم وانتم احياء ويحييكم وانتم اموات، ويستمر الرجل في النواح بكلام ظاهره مفهوم وباطنه ملغوم - واذا بالشمعة السادسة تتوهج فخشيت علي الشمعة السابعة ان تتوهج كذلك امام حكمة زائلة فأخرجتها من السراج ووضعتها في جيب السروال، واثرت الرحيل بعد ان سمعت الكلام وعاصرت الاحداث ودخلت في مجادلات فاذا بهم بظاهرة اصوات ركبت عليها اجساد وامخاخ لا تصلح إلا للشواء وعقول أنارتها نجوم السماء ولكن للاسف لا هي افادت ولا هي أنارت فقد كساها الضباب. وفي كل حال كنت اشعر بلهيب الشمعة السابقة في جيبي وهي تقول: يا ظالم انت كباقي المخلوقات لا تريد ان تعرف الحقيقة لان الحقيقة تحررك - ولدت عبدا وتعيش عبدا وسوف تموت عبدا - استمع لنوري لاريك الحكمة السابعة الغائبة والتي تخشي ان تواجهها، فالعقل هونور الحياة وحكمته والضمير هوالمحكمة، وحياتك الآن تترنح بين الادانة والتبرئة لانك الجاني والمجني عليه، لانك في النهاية القاتل والمقتول اخرجني الي النور لاتوهج فأنير لك الطريق الصحيح.. فقلت لها لا.. لم يحن وقتك بعد فأنا اريد ان اري مصر علي حقيقتها الآن واعيش حلوها ومرها، مصر التي في ذاكرتي والتي لن انساها فهي في وجداني والآن وقد اثار لي الفانوس لمحات من وجه مصر وما صارت اليه، لهذا فقد احتفظت بك لاري من خلالك الحقيقة في الايام القادمة - اري الزمان الرديء قد ولي والزمن الجميل يعود من جديد، لعلي اشوف مصر من جديد - هي راحت فين؟