أكدت مذكرة الدفاع عن البهائيين والمقدمة للمحكمة الادراية العليا الصادر أن الحكم بحق البهائيين بقيد ديانتهم في الاوراق الرسمية جاء متوافقا مع الحماية الدستورية والقانونية لحرية العقيدة والحق في عدم التمييز والحق في الخصوصية والحرية الشخصية ومتوافقا مع الشريعة الاسلامية. وحسب المذكرة التي اعدها المركز من واقع الدستور المصري والمواثيق الدولية لحقوق الانسان واحكام الشريعة الاسلامية فإن المذكرة تؤكد علي حق البهائيين في اثبات ديانتهم في الاوراق الرسمية دون ان يكون ذلك اعترافا من الحكومة رسميا بديانتهم وحول توافق الحكم مع الحماية الدستورية والقانونية لحرية العقيدة قالت المذكرة ان الدستور نص المادة رقم 46 علي ان تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وجاء في تفسير القرطبي لآية "لكم دينكم ولي دين" من سورة الكافرون "وسمي دينهم دينا لانهم اعتقدوه وتولوه". كما عرفت المحكمة الدستورية العليا حرية العقيدة علي النحو التالي: حرية العقيدة في اصلها تعني الا يحمل الشخص علي القبول بعقيدة لا يؤمن بها أو التنصل من عقيدة دخل فيها أو الاعلان عنها أو ممالأة احداها تحاملا علي غيرها سواء بانكارها أو التهوين منها أو ازدرائها بل تتسامح الاديان فيما بينها ويكون احترامها متبادلا.. ولا يجوز كذلك في المفهوم الحق لحرية العقيدة للدولة .. ان يكون تدخلها بالجزء عقابا لمن يلوذون بعقيدة لا تصطفيها. واشارت المذكرة ان حماية حرية العقيدة علي اطلاقها من المباديء الدستورية المسلم بها منذ ان عرفت مصر الدساتير. وقد كفل الدستور الحالي بدوره حرية العقيدة وألزم الدولة بكل سلطاتها ان تكفل لكل فرد التمتع بهذه الحرية. كما اكد قضاء المحكمة الدستورية العليا ان الدساتير المصرية المتعاقبة حرصت منذ دستور سنة 1923 علي تقرير الحريات والحقوق العامة في صلبها قصدا من الشارع الدستوري ان يكون لهذه الحريات والحقوق قوة الدستور وسموه علي القوانين العادية. وبالتالي فإن الحريات المطلقة غير خاضعة للتقييد أو التنظيم او التقييم. ولما كان من الثابت ان حرية العقيدة مطلقة بموجب الدستور، فإنه لا يجوز لسلطات الدولة ان تعلقها علي شرط، او تربطها بمدي تماشي العقيدة مع الاتجاه العام او تحصرها في عقائد بذاتها. وانما اراد الدستور بضمان الحرية المطلقة للعقيدة ان يحول بين السطة العامة وفرض وصايتها علي العقل العام، فلا تكون المعايير الدينية للدولة مرجعا لتقييم القعيدة مواد بصحتها وصلاحها أو خطأها وضلالها. ولا يكون للدولة ايضا التدخل بالجزاء جنائيا كان أو مدنيا أو اداريا، لمن يعتنقون عقائد لا تصطفيها. فإن هي فعلت جاءعملها مخالفا للدستور. واضافت المذكرة ان المحكمة الدستورية العليا اكدت ان كفالة حرية العقيدة التي نصت عليها المادة 46 من الدستور.. يتفرع عنها الاعتداد الكامل والاحترام المطلق لعقائد المصريين الدينية أجمع ولم تقصرها علي عقائد بعينها. واشارت المذكرة ان مصر صادقت علي العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 1982 وبذلك اكتسبت مواده قوة القانون علي أرض جمهورية مصر العربية عملا بالمادة 151 من الدستور. واكدت المذكرة ان الدولة ملتزمة دستوريا وقانونيا باحترام مواد العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والذي نص في مادته الثامنة عشرة علي عدد من الحقوق اهمها انه لكل انسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في ان يدين بدين، ما، وحريته في اعتناق اي دين او معتقد يختاره،وحريته في اظهار دينه او معتقدة بالتعبد واقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده او مع جماعة، وامام الملأ اوعلي حدة. كما لا يجوز تعرض احد لاكراه من شأنه ان يخل بحريته في ان يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره. كما ان مفهوم الدين في نطاق المادة 18 من نفس العهد لا يقتصر علي الاديان التقليدية أو الاديان ذات المؤسسات الدينية أو الكهنوتية.. الفقرة "2" من نفس المادة صريحة في منع الاكراه في كل ما يمس الدين أو الاعتقاد، بما في ذلك التهديد باستعمال القوة أو المعاقبة سواء اكان القصد حمل الانسان علي مراعاة احكام الدين الذي هو عليه، ام حمله علي اعتناق دين آخر، أو حتي اجباره علي انكار دينه أو اعتقاده. وعلقت المذكرة علي ذلك بأن منع المواطنين المصريين من اتباع البهائية من الحصول علي اوراق رسمية لازمة للقبول في مؤسسات التعليم أو الرعاية الصحية، أو للحصول علي عمل، أو غير ذلك يعد انتهاكا للمادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي يمثل قانونا مصريا بعد التصديق عليه. وقالت المذكرة حول علاقة الحكم بالحق في عدم التمييز بأن المادة 40 من الدستور المصري تنعي علي كون المواطنين لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الاصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. وأضافت المذكرة ان امتناع جهة الادارة عن اصدار بطاقة شخصية لمواطن من مواطنيها بسبب عقيدته تفرقة واستبعادا وتمييزا بسبب المعتقد الديني وانكارا لحقه المطلق في حرية العقيدة وتعطيلا له لممارسة هذا الحق، فإن هذا الامتناع ينال بصورة تحكيمية من حقوق وحريات للمواطن كفلها الدستور. فبدون شهادة ميلاد لا يتمكن الاطفال من الالتحاق بالمدارس، وبدون بطاقات شخصية لا يتمكن المواطنون البهائيون من الالتحاق بالجامعات، وبدون اوراق تأجيل الخدمة العسكرية الالزامية لا يتمكنون من الحصول علي شهادتهم الجامعية، وجميعها صور لانتهاك حقهم في التعليم. كما ان شهادات الميلاد لازمة للحصول علي التطعيمات ضد الامراض والاوبئة، وهو احد عناصر الحق في الرعاية الصحية، ولا يستطيع المصريون ممارسة حقهم في التنقل والحركة دون جوازات سفر لان استمارة الحصول علي جواز السفر تحوي خانة الديانة. بل حتي شهادات الوفاة لا يتمكنون من الحصول عليها بسبب وجود خانة الديانة فيها وجميع هذه الممارسات تحول بين المواطن ومباشرته تلك الحقوق علي قدم المساواة الكاملة بينه وبين باقي المواطنين لاسباب تمييزية يجرمها الدستور والاتفاقيات الدولية الملزمة للحكومة المصرية. ولعل اخطر ما في هذه الوثيقة هو استنادها في الدفاع عن حق البهائيين الي مباديء الشريعة الاسلامية حيث اكدت ان مدونات الفقه الاسلامي قالت ان دار الاسلام قد وسعت غير المسلمين علي اختلاف ما يدينون، يحيون فيها كسائر الناس بغير ان يكره احد منهم علي ان يغير شيئا مما يؤمن به. وذكرت المذكرة ان تقرير هيئة مفوضي الدولة قال في الطعن المقدم من الداخلية ان الشريعة الاسلامية لا تقر التعايش سوي بين اتباع الديانات الثلاث "الاسلام والمسيحية واليهودية" وهو زعم لم يأت أيا من التقريرين بما يؤيده من قرآن او حديث أو من فعل النبي صلي الله عليه وسلم او من تبعه من الخلفاء والصحابة والتابعين أو المذاهب الرئيسية في الفقه الاسلامي. والحق ان النظر في كتب السيرة النبوية والفقه والحديث والتفاسير يظهر بجلاء ان النبي لم يفرق في دولة المدينة بين اتباع "الديانات السماوية" وبين غيرهم من اتباع المعتقدات الاخري كالمجوس والصابئة وغيرهم. فقد سمح لهم النبي بالاقامة في دولة الاسلام بالمدينة مثلهم مثل غيرهم من غير المسلمين، بل واخذ منهم النبي الجزية، بما يشير الي معاملتهم نفس معاملة اهل الكتاب. والجزية هي المعادل التاريخي لمفهوم "المواطنة" الحديث المستعمل في يومنا هذا. فقد جاء في موطأ الامام مالك عن جعفر بن محمد عن ابيه ان عمر بن الخطاب ذكر امر المجوس فقال: ما ادري كيف اصنع في امرهم. فقال عبدالرحمن بن عوف: اشهد لسمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". وهي سنة تقريرية تحمل اشارة صريحة وامرا دينيا بمعاملة المجوس - وهم ليسوا من اهل الكتاب - نفس معاملة المسيحيين واليهود في دولة الاسلام. كما جاء في كتاب "احكام اهل الذمة" لابن القيم الجوزيه ان الجزية تؤخد من اهل الكتاب، وكذلك من المجوس حسب سنة النبي، وجاء كذلك في كتاب الام للشافعي "كتاب الخراج، من يلحق بأهل الكتاب"، ان عثمان ابن عفان قد اخذ الجزية من البربر وهم ايضا ليسوا من اهل الكتاب. واضاف اليهم ابو يوسف يعقوب بن ابراهيم في "كتاب الخراج" كلا من الصابئة والسامرة، وهم ايضا ليسوا من اهل الكتاب. ونقل الامام القرطبي في تفسيره للقرآن الكريم عن الاوزاعي: تؤخذ الجزية من كل عابد وثن أو نار أو جاحد أو مكذب. وقالت المذكرة ان جميع هذه الدلائل تثبت بما لا يدع مجالا للشك الا صحة لزعم بان دار الاسلام لا تسع سوي اتباع الديانات الثلاث. بل ان فعل نبي الاسلام ذاته يكذب هذا الزعم. فان كان النبي لم يخش من غير اهل الكتاب علي الدين الوليد ودولة الاسلام التي كانت وقتها مازالت في المهد وتحيطها الحروب والمؤامرات والدسائس فمن باب أولي ألا نضيف المسألة. وقالت المذكرة انه لا يجب بأن يعامل البهائيون معاملة المرتدين. فالمطعون ضدهما وبناتهما الثلاث لم يكونوا يوما مسلمين ليرتدوا عن الاسلام، بل هم ابناء جيلين آخرين من البهائيين. وقد عرف العلماء الردة شرعا بانها كفر بعد اسلام تقرر، واوجبوا ان يعتنق المرء الاسلام بقلبه ويظهره في عمله ويمارس شعائره عن اقتناع قبل ان يعتد مرتدا عنه وهو ما لا ينطبق علي المطعون ضدهما او بناتهما الثلاث القاصرات. واضافت ان اثبات البهائية في السجلات الرسمية للدولة ليس اقرارا بصحة معتقداتها في نظر الاسلام ولا بجواز التعبد بها وانما هو كشف عن المعتقد الحقيقي لمن يختار اتباعها كي تتحدد الحقوق والواجبات والقواعد المطبقة عليهم أو التي لا يتمتع بها سوي المسلمين. وقد افتي الامام الاكبر شيخ الازهر الدكتور محمد سيد طنطاوي بهذا الرأي فقال: مادام هذا هو معتقده وما يتخذه لنفسه عقيدة، فكتابة بهائي في خانة الديانة تبريء منه اي ديانة اخري وتمنع ان ينسب البعض انفسهم الي الديانات السماوية الاخري وهي بريئة منهم.. البهائية ليست دينا لكن كتابتها كمعتقد في خانة الديانة امر ممكن ولا ضرر منه بل هو تمييز واجب لمن هم خارجون عن الديانات السماوية.. حرية الاعتقاد مكفولة للجميع وليست لاحد بعينه، والمقصود بحرية الاعتقاد ان لكل انسان عقيدته والذي يحاسب العباد هو الله. وقالت المذكرة ان باجبار المواطنين المصريين البهائيين علي كتابه ديانة اخري خلاف البهائية في البطاقة هي بمثابة ارتكاب جرائم يعاقب عليها القانون. فالمادة رقم 48 من قانون الاحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994 تلزم كل من يبلغ سن السادسة عشرة من اتباع العقيدة البهائية باستخراج بطاقة تحقيق شخصية، ويعاقب القانون علي مخالفة هذه المادة بالحبس والغرامة. كما تعاقب الماةد 68 من نفس القانون بالغرامة علي عدم حمل البطاقة وتقديمها الي مندوبي السلطة العامة فورا عند طلبها من ناحية اخري تنص المادة 72 من ذات القانون علي التالي. في تطبق هذا القانون وقانون العقوبات تعتبر البيانات المسجلة في الحسابات الآلية ومعلوماتها بمراكز معلومات الاحوال المدنية ومحطات الاصدار الخاصة بها المستخدمة في اصدار الوثائق وبطاقات تحقيق الشخصية بيانات واردة في محررات رسمية. فاذا وقع تزوير في المحررات السابقة أو في غيرها من المحررات الرسمية تكون العقوبة الاشغال الشاقة المؤقتة أو السجن لمدة لا تقل عن خمس سنوات. وفي هذا الصدد قالت محكمة النقض: لما كان قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - قد جري علي ان السجلات والبطاقة وجميع المستندات والوثائق والشهادات المتعلقة بتنفيذ القانون.. في شأن الاحوال المدنية تعد اوراقا رسمية، فكل تغير فيها يعتبر تزويرا في اوراق رسمية، واثبات بيانات غير صحيحة في استمارات تلك البطاقات.. علي خلاف الحقيقة، يخضع للقواعد العامة في قانون العقوبات.