بعد كل تلك المثابرة، والحديث المستمر عن مدي حاجة العالم للديمقراطية، انتهي الأمر بالرئيس بوش، الذي تفوق علي أي رئيس أمريكي آخر في دعوته لنشر الديمقراطية علي امتداد التاريخ الأمريكي، إلي زيارة العاصمة الفيتنامية هانوي، في نهاية عطلة الأسبوع الحالي، وهي التي تعد من آخر ما تبقي من عواصم الدول الشيوعية القلائل. وبالنظر إلي ثقل النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النصفية الأخيرة، ومع تزايد وطأة الهواجس الأمنية، فإن شغل بوش الشاغل في منتدي التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ الذي حضره هناك، هو تعزيز الإجماع الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة ضد المغامرات النووية لكل من كوريا الشمالية وإيران، وما تمارسانه من إرهاب، فضلاً عن السعي لطمأنة العالم بأسره - أصدقاء وأعداء علي حد سواء- علي أن أمريكا ثابتة وباقية علي مواقفها. غير أن هذه الزيارة تعد رسمية كذلك، وهي الثانية من نوعها التي يتوجه فيها رئيس أمريكي إلي فيتنام الموحدة، علماً بأن بيل كلينتون كان أول من زارها في عام 2000. بوش توجه إلي هانوي مصحوباً بما يزيد علي 200 من ممثلي كبريات الشركات الأمريكية، بينما لم يصحبه فيها أي من ممثلي المنظمات الأمريكية الناشطة في مجال رفع الحد الأدني من الحقوق الدينية والحريات في فيتنام. وبعد شهور من التوقع والانتظار، وخلافاً لتوصيات قادة حقوق الإنسان في الكونجرس، وضد إرادة اللجنة الثنائية اللاحزبية للحريات الدينية العالمية، أعلنت إدارة بوش يوم الاثنين الماضي، رفعها اسم فيتنام من قائمة الدول التي تحظي ب"اهتمام خاص" بسبب نقص الحريات الدينية فيها. وقد تزامن سوء توقيت ذلك الإعلان، مع حدث آخر كان قد سبقه إليه مجلس النواب بأربع ساعات فحسب، توافق مع تنفيذ الجدول الزمني للاقتراع علي منح فيتنام وضعية العلاقات الطبيعية الدائمة، وهي أعلي وضعية تجارية تمنح للدول الأجنبية. والذي حدث في ذلك الاقتراع أنه فشل فشلاً ذريعاً، بفارق 60 صوتاً عن الأصوات المطلوبة، لمنح فيتنام وضعية العلاقات الطبيعية التجارية الدائمة، التي كانت تنشدها الإدارة. وبذلك فقد وضع الرئيس بوش في موقف حرج لحظة وصوله إلي هانوي، دون أن يكون في معيته ذلك التفويض التجاري، الذي كان مقدراً له أن يكون البارقة الإيجابية الأخيرة لاستئناف العلاقات بين البلدين. يذكر أن علاقات شبيهة بهذه كانت قد نشأت بين كبار المسؤولين الأمريكيين وقادة المعارضة الكوبية، وأثمرت عن عناوين رئيسية في كبريات الصحف الأمريكية، إلا أنها لم تفض إلي تغيير شيء من الواقع عملياً. واليوم فإن الولاياتالمتحدة لفي حاجة لفعل ما هو أقوي أثراً من مجرد علاقات النوايا الحسنة التي تقيمها مع الناشطين الفيتناميين المقيمين هنا في أمريكا. فعلي المدي البعيد، لابد لواشنطن من إبداء التزام حازم وجاد يقضي بتقديم الدعم المادي والسياسي، في مسعي تعاوني منها، للتوفيق بين القوانين والمعايير الفيتنامية ذات الصلة، بما فيها القانون الجنائي، والتزامات فيتنام إزاء المواثيق والقوانين الدولية. أما علي المدي الآني القريب، فإن علي واشنطن أن تستخدم كافة الوسائل المتاحة _في إطار الجهد التعاوني مع فيتنام- بغية حث هانوي وتشجيعها علي فتح الطريق أمام منظمات الغوث الإنساني والتنمية، التي تستهدف بأنشطتها سكان منطقة الأراضي العليا الوسطي، الذين يعدون الأكثر فقراً وضعفاً بين كافة السكان الفيتناميين. ثم علي واشنطن أن تفعل ما من شأنه ضمان التوافق بين التقدم الاقتصادي الكبير الذي تشهده، وتقدم أدائها في مضمار حكم القانون وحقوق الإنسان.