دفعني الفضول لقراءة كتاب توماس فريدمان الأخير "العالم مسطح : تاريخ مختصر للقرن ال 21" فالبرغم من عدم اعجابي بآراء فريدمان إلا ان غرابة العنوان شدتني، فلقد عرفنا لأزمنة طويلة ان الأرض كروية، فكيف اكتشف فريدمان انها مسطحة، وكيف يكتب تاريخا مختصرا للقرن ال 21 ونحن لا نزال علي أعتابه؟ أما الذي دفعني لكتابة هذا المقال، فهوان الكتاب يتناول موضوعا مهما بالنسبة لنا جميعا الا وهوالعولمة، فضلا عن انه يتحدث في غير ذي موضع عن العالم العربي والاسلامي، ومن هنا تحمست لمناقشة هذا الكتاب، وطرح بعض الاسئلة التي تبادرت الي ذهني بعد قراءته، لعل هذه الاسئلة تثري النقاش حول هذا الموضوع الهام. في البداية تعالوا بنا نستوضح ماذا يقصد فريدمان بعبارة العامل مسطح؟ لغويا كلمة مسطح هي المقابل لكلمة كروي، ولكن فريدمان يقصد بالتسطيح في هذا السياق، الصغر المتناهي والاتصال. حيث يري، الكاتب، ان التقدم العلمي جعل دول وقارات العالم في حالة من الارتباط الشديد وهوما يبشر بعصر المسطح. كما ان المصالح اصبحت متشابكة، والعالم اصبح كقرية صغيرة يعتمد اهلها علي بعضهم البعض، وفي الوقت نفسه يتنافسون دون اعتبار لأي معيار، غيرمعيار الافضل، ومن لم يستطع منهم تطوير نفسه وادواته يضيع. يعتبر فريدمان في كتابه ان العالم يعيش الآن النسخة المعدلة الثالثة من العولمة، وان الظهور الاول للعولمة كان في الفترة ما بين عام 1492 وحتي 1800، وكانت السمة الغالبة لتلك المرحلة هو استخدام القوة في المسيطرة من قبل المستعمر، اما المرحلة الثانية فامتدت من عام 1800 حتي عام 2000، وتميزت هذه النسخة عن سابقتها بسعي الشركات متعددة الجنسيات للحصول علي اسواق اقتصادية في الخارج، وعمالة رخيصة لانعاش اقتصاديات الدول التي تقود حركة العولمة. وشهد العالم خلال تلك المرحلة النهضة الصناعية، والاختراعات الحديثة من القطار والهاتف، الي الكمبيوتر والبرمجيات. اما النسخة المعدلة الثالثة من العولمة فتبدأ من عام 2000، وحتي الآن وتبرز فيها اهمية الفرد الذي يستطيع في العالم المسطح تجاوز جميع انواع المعوقات والعراقيل، والتواصل مع اي شخص أومكان في العالم. ويقول فريدمان ان حجم العالم قد تقلص خلال المراحل الثلاثة تدرجيا حتي بات متناهيا في الصغر عندما اصبح مسطحا. واضاف، فريدمان، انه اذا كان الاوروبيون والامريكيون هم من قادوا وسيطروا علي حركة العولمة في طوريها الاول والثاني، فان الطور الثالث منفتح وعلي الجميع. يركز فريدمان في كتابه علي الهند والصين بصفتهما اكثر المستفيدين من تسطيح العالم. ويري الكاتب ان مدينة بنجلور الواقعة جنوب الهند، والتي تعتبر عاصمة التكنولوجيا في البلاد هي "العالم الجديد" الذي اكتشفه. فقد استطاعت الهند ان تستفيد من تستطيح العالم لصالحها، حتي ان 35% من صناعة السوفت وير التي تتم لحساب السوق الامريكية، تصنع في الهند، كما ان 10% من اعمال المحاسبة القانونية للاشخاص والشركات الامريكية تتم ايضا في الهند. وهوما دفع فريدمان لان يخاطب ابنتيه مذكرا اياهما ان والديه كانا يأمرانه باتمام اكل طعامه كاملا، لان هناك من يتضور جوعا في الهند والصين. ولكن الآن، وفي عصر العالم المسطح، ينبغي علي الابناء ان يكملوا واجباتهم الدراسية كاملة، لان نظراءهم في الهند والصين يتعطشون للحصول علي وظائفهم.