في خطابه الأخير، قال الرئيس الأمريكي جورج بوش: "الحرب التي نخوضها اليوم أكبر من مجرد صراع عسكري. إنها الصراع الأيديولوجي الحاسم للقرن الحادي والعشرين". إذا كانت أيديولوجية عدونا هي "الفاشية الإسلامية" فماذا تكون أيديولوجية الرئيس جورج دبليو بوش؟ جيمس مونتاني، في مقالته في مجلة "إندبندنت ريفيو"، يري أن أيديولوجية بوش هي "الأصولية الديمقراطية". وفي هذا الصدد يستعير مونتاني وصف جوزيف شومبتر للماركسية ليسقطه علي أيديولوجية الرئيس الأمريكي. و يضيف مونتاني إن الأصولية الديمقراطية، شأن الماركسية، تمثل، أولا، نظاما من الغايات العليا التي تجسد بدورها معني الحياة وتمثل معايير مطلقة يجري من خلالها الحكم علي الأحداث والأفعال. ثانيا، تمثل هذه الأيديولوجية مرشدا ودليلا لبلوغ تلك الغايات، حيث يكون هذا المرشد بمثابة خطة إنقاذ ودليل علي الشر الذي من المقرر تخليص الجنس البشري، أو شريحة مختارة من هذا الجنس، منه. إن الأيديولوجية تمثل دينا احتياطيا، وقد رسم بوش صورة لمعتقداته أثناء خطابه الأخير، الذي أطلق خلاله عبارة "الصراع الأيديولوجي الحاسم للقرن الحادي والعشرين"، من منطلق الخير والشر. يقول بوش: "من ناحية، هناك منْ يعتقدون ويؤمنون بقيم الحرية وبحق الجميع في أن يتحدث ويتعبد ويعيش في حرية. وعلي الجانب الآخر هناك منْ تقودهم قيم الطغيان والتشدد وحق تعيين أقلية تفرض آراءها المتطرفة علي البقية". إن صياغة قضية الفرد بهذه الطريقة أمر يمكن أن يكون فعالا في زمن الحروب. ففي خطابه في غيتسبيرغ والذي كان بمناسبة تدشينه لفترة حكمه الثانية، حول الرئيس الأمريكي الأسبق لينكولن حربا شُنت من أجل قمع حركة الانفصال في الجنوب إلي حملة دينية من أجل إنهاء العبودية وحماية الديمقراطية علي وجه الأرض. وحول الرئيس الأمريكي الأسبق ويلسون حربا أوروبية تقودها قوي إمبريالية إلي "حرب لإنهاء حرب أخري" بُغية "جعل العالم أكثر أمانا من أجل الديمقراطية". إن الخطر الكامن في الأيديولوجية يتمثل في أنها نادرا ما تتناغم مع الحقيقة والواقع وتتناقض مع التاريخ ومن ثم فإنها تقود بشكل حتمي إلي المأساة والاصطدام بالحقيقة المرة. فلننظر إلي بعض التأكيدات التي صدرت عن بوش في خطابه الأخير. يقول بوش إننا نعلم بحكم "التاريخ والمنطق" أن " تعزيز الديمقراطية هو أضمن طريق لتحقيق الأمن". غير أن التاريخ والمنطق يثبتان ما قاله الرئيس الأسبق جورج واشنطن عندما أكد أن أفضل طريق نحو الحفاظ علي السلام هو أن تكون مستعدا للحرب وأن تبتعد عن الحروب التي لا دخل للدولة بها. يقول بوش: "الدول الديمقراطية لا تهاجم بعضها بعضا أو تهدد السلام". إذاً كيف يفسر هو حرب عام 1812 التي قمنا فيها بمحاربة بريطانيا عندما كانت تقف ضد نابليون؟ ماذا عن الحرب بين الولايات داخل أمريكا؟ ألم تكن الولايات التي كانت تقاتل من أجل الانفصال ديمقراطية؟ ماذا عن الحرب العالمية الأولي التي كانت بين دول العالم الديمقراطية؟ في مايو 1901، نهض عضو من حزب المحافظين البريطاني ليصدر تحذيرا غلب عليه الطابع التنبئي عندما قال: "الدولة الديمقراطية أكثر ميلا للانتقام. والحروب بين الشعوب ستكون أكثر فظاعة من حروب الملوك". ومع الأخذ في الاعتبار الحرب التي وقعت في 1914 ومناخ السلام الانتقامي الذي جلبته حيث أتت لنا بلينين وستالين وموسوليني وهتلر، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: ألم يكن تشرشل علي حق أكثر من بوش؟ يقول الرئيس بوش: "الحكومات التي تكون مسئولة أمام شعوبها تركز علي بناء الطرق والمدارس وليس علي أسلحة الدمار الشامل". ولكن أليست الأنظمة الديمقراطية في إسرائيل والهند وبريطانيا وفرنسا والولاياتالمتحدة هي التي تمتلك القوة النووية الأكبر في العالم؟ هل جميع تلك الدول آخذة في نزع أسلحتها؟ ألم تكن الدول الغربية هي الأولي التي اخترعت واستخدمت الغاز السام والقنابل الذرية؟ و فيما أصر علي أن عدم وجود الحرية يشعل الإرهاب، أعلن بوش أن "الشباب الذين يريدون صنع مستقبلهم بأنفسهم هم أقل بحثا عن التطرف من غيرهم". يمكنه أن يقول هذا الشيء لموسوليني وأصحاب القمصان السوداء وللنازيين الذين ضاقوا ذرعا بجمهورية وايمار الحرة تماما كما فعل الشيوعيون.