فيما تقوم إسرائيل بشنّ حرب مدمّرة، ضد اللبنانيين والفلسطينيين، طلعت علينا كوندوليزا رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية) بوعد أمريكي قديم جديد، بشأن قيام "شرق أوسط جديد"، في هذه المنطقة! الواقع أن وعد رايس هذا كان غريباً ومفاجئاً وخارجاً عن السياق، لأسباب عدة، أهمها: أولاً، انه جاء في خضم العدوان الإسرائيلي الوحشي، علي الفلسطينيين واللبنانيين، كما قدمنا. ففي الحرب الأولي، تقوم إسرائيل، بواسطة آلتها العسكرية، بالقضاء علي ما تبقي من عملية التسوية، علي هذه الجبهة، بإضعافها السلطة الفلسطينية، وبمحاولاتها إقصاء الحكومة المنتخبة ديمقراطيا بشهادة العالم، وبمحاولاتها فرض املاءاتها، بالقوة الغاشمة علي الفلسطينيين بعد عزلهم وحصارهم وتدمير مقوماتهم وتجويعهم. أما في الحرب الثانية، فإن إسرائيل فضّلت استخدام قوتها العمياء لشنّ حرب شاملة ضد لبنان، يخشي أن تتوسّع وأن يزداد أوارها، علي الوسائل السياسية لحل المشاكل العالقة مع لبنان. وفي هذه الحرب تعمّدت إسرائيل استخدام قوتها التدميرية العاتية، لإلحاق الأذي بلبنان وتخريب بناه التحتية (المطارات والموانئ والطرق والجسور، وشبكات الكهرباء)، هذا فضلا عن قتل المئات من اللبنانيين، وإصابة الألوف منهم، وتخريب منازلهم، وتشريد أكثر من ثمانمئة ألف من بيوتهم وأراضيهم وأملاكهم. ثانياً، ثمة نوع من الصعوبة في فهم عن ماذا تتحدث رايس، كما في إدراك الحيثيات أو المعطيات التي دعتها للتفاؤل بامكان قيام الشرق الأوسط الجديد هذا، في وقت مازالت فيه ترتيبات الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة تواجه الكثير من التخبطات والتعثرات، خصوصا في العراق حيث أنها وبعد أكثر من ثلاثة أعوام من تواجدها العسكري والمباشر فيه، لم تنجح في فرض الأمان ولا الاستقرار، لا في النواحي الأمنية ولا في النواحي السياسية أو الاقتصادية. ثالثاً، إن الولاياتالمتحدة مازالت بسياساتها إزاء المنطقة العربية، المتّسمة بالعنجهية والانفلات والانحياز لإسرائيل، والتي تخلق المزيد من التناقضات والمشكلات في هذه المنطقة، تفاقم من نزعة العداء لها في المجتمعات العربية. هكذا فإن الحرب الأمريكية الشعواء علي الإرهاب، بأساليبها الفجة مازالت تخلق التربة الخصبة لنمو جماعات التطرف والإرهاب. خصوصا ان الإدارة الأمريكية تتعمّد عدم التمييز بين حركات التحرر الوطني ضد الاحتلال (وضمنها حركة التحرر الفلسطينية)، وبين الحركات الإرهابية المتطرفة، مثلما انها تتقصّد عدم التمييز بين الحركات السياسية الإسلامية، وبين الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي تنتهج الأعمال الإرهابية. والأنكي أن الولاياتالمتحدة فوق كل ذلك، وفيما هي تدعي محاربة إرهاب الأفراد والجماعات غير النظامية، تبدو وكأنها منحازة أو متفهمة لإرهاب الدولة المنظم، الفتاك والمدمر، الذي تمارسه إسرائيل، من دون حساب، ضد الفلسطينيين واللبنانيين.