لم يخل الاحتفال بمرور 53 عاماً علي تأسيس إذاعة "صوت العرب" من تساؤلات، لها ما يبررها، طرحها البعض حول جدوي وجود إذاعة ذات توجه قومي وحدوي في ظل مناخ عالمي تراجعت فيه مثل هذه الدعاوي، وانفتح العالم، بدوله وشعوبه، علي بعضه البعض وطالب أصحاب هذا الرأي بضرورة البحث عن رسالة أخري وتوجه جديد لإذاعة "صوت العرب" في الوقت الذي استنكر فيه فصيل آخر مجرد الدعوة إلي الغاء إذاعة "صوت العرب" لحيوية الدور الذي تلعبه، حتي في ظل ما يسمي ب "العولمة" بوصفها الخيط الوحيد الباقي الذي يجمع بين الشعوب العربية، بأفكارها وثقافتها وهمومها وأفراحها، وتساءل أعضاء هذا الفصيل، باستنكار عن مغزي إجهاض أية محاولة "وحدوية" تسعي إلي لم الشمل العربي، ولو عبر إذاعة ذات توجه قومي، في الوقت الذي يشجع هؤلاء أنفسهم الوحدة الأوروبية، وتحالف الكيانات الضخمة مع بعضها البعض. قضية طرحناها علي خبراء الإعلام.. في البداية يقول د. عاطف العبد: - جاء إنشاء إذاعة "صوت العرب" في وقت كانت فيه القضايا العربية في أمس الحاجة إلي وسيلة إعلامية تعبر عنها وتوضح وجهة النظر العربية في المحك الدولي ونجحت بالفعل في التعبير عن عدد من القضايا العربية ومنها القضية الفلسطينية والقضية الجزائرية من خلال دعمها للثورة في الجزائر وكل الحركات التحررية في الوطن العربي ونجحت بمصداقيتها أن تصل إلي رجل الشارع في الجزائر مما دفع إحدي الإذاعات الفرنسية الموجهة للجزائر أن يقلد أحد مذيعها صوت مذيع بصوت العرب لتقليل حجم وتأثير صوت العرب وتهدئة الجو العام في الجزائر. كما نجحت "صوت العرب" بالبث المباشر مع إذاعات الدول العربية أن تصل الوطن العربي ببعضه والتعريف بقضايا كل الدول العربية علي حدة ومناقشتها. ويحسب لصوت العرب في الستينيات أنها لم تتراجع أمام ظهور التليفزيون بل استمرت في أدائها ونجاحاتها وحتي في التسعينيات استفادت من التقنيات الحديثة وتغلبت علي عقبة وصول الصوت سليماً إلي بعض الأقطار العربية وأصبحت مسموعة في كل وقت. ومن يقول أن دور صوت العرب تراجع الآن مستندون في ذلك إلي أنه لم يحدث تكامل عربي أقول إن هذا المشروع الوطني يتم مناقشته علي مستوي الحكومات ولكن "صوت العرب" هي إحدي أدوات تجسيد الحلم العربي والتعبير عن قضاياه وهمومه وبمراجعة خريطة برامج صوت العرب نجد البعد القومي متجسدا في كل برامجها. وأؤكد أن دورها لم يتراجع بدليل إحدي الدراسات الأمريكية التي أشارت إلي أن هناك ظاهرتين تميز بهما النصف الثاني من القرن العشرين في الشرق الأوسط وهما "صوت العرب" وقناة "الجزيرة" وللعلم فصوت العرب مازالت مسموعة وتحظي بإقبال شديد من قبل المستمعين العرب حيث تأتي في مقدمة الإذاعات غير المحلية.. والبحوث التي أطلعنا عليها وأجراها شباب الباحثين العرب، أكدت أن "صوت العرب" في مقدمة خريطة المستمعين بعد الإذاعات المحلية خاصة أن "صوت العرب" الآن تتميز بالعقلانية وهو الأداء الذي أيده الإعلامي أمين بسيوني منذ أن تولي رئاسة هذه الشبكة بعد مرحلة التهييج الذي تميزت به الشبكة في فترة من الفترات وكان هذا مطلوباً وقادها أحمد سعيد بصوته الجهوري فاستطاع أن يجمع الوطن العربي حول قضاياه بمزيد من العاطفة. وتضيف د. ماجي الحلواني: - "صوت العرب" من أكبر الإذاعات العربية شهرة وتأثيراً في الوطن العربي خاصة أن إنشاءها تزامن مع الفترة التي كانت الدول العربية فيها تعاني من الاستعمار ولذا بذلت "صوت العرب" جهداً كبيراً لتوعية الشعوب العربية ودفعهم لمقاومة الاستعمار وبالفعل نجحت في هذا وأصبح لها مستمعون من المحيط إلي الخليج بل بلغ الأمر حد منع مذيع في "صوت العرب" من دخول بعض الدول العربية المستعمرة، وأذكر منها الجزائر لأن الإذاعة وقتها كانت تساند الثورة ضد المحتل الفرنسي بشدة. ويذكر أن خطب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كانت تحظي باهتمام الجميع من المحيط إلي الخليج وكان هذا عبر صوت العرب. لكن الجدير بالذكر أنه في تلك المرحلة لم تكن في الوطن العربي إذاعات بحجم وتوجه "صوت العرب"، وبالتالي كانت لها قاعدة كبيرة من المستمعين لكن مع تزايد ظهور إذاعات مختلفة وفضائيات لا حصر لها بكل ما يعنيه هذا من زخم تكنولوجي هائل من قنوات وفضائيات وإذاعات تفرق شمل الجمهور بطبيعة الحال وبدلاً من أن يصبح التركيز علي "صوت العرب" وحدها تغير الحال وأصبحت المنافسة شرسة ولا ترحم. غير أن شيئاً من هذا لا يعني أن "صوت العرب" فقدت رسالتها أو دورها لأن القومية العربية لم تكن الهدف الوحيد من إنشاء صوت العرب فهي إذاعة مثل أي إذاعة لها رسالتها الإعلامية رغم اعتقادي بأن "صوت العرب" مازالت تحمل نكهتها العربية ومازالت تحمل بداخلها من خلال برامجها وأصوات مذيعيها معني ومضمون القومية العربية. وعلي هذا، فالمفروض من القائمين علي "صوت العرب" أن يجددوا رسالتها فبعد أن تحررت الدول العربية لابد وأن يطوروا أنفسهم ويجددوا نوعية برامجهم التي تناسب مستمعي الجيل الحالي من خلال الإعداد الجيد والمذيعين الذين يتمتعون بالثقافة والوعي، فالسمة التي تتميز بها "صوت العرب" أنها مازالت تسمع في الوطن العربي كله ولها جمهورها ومحبوها وهي ميزة لابد وأن تحرص عليها "صوت العرب" لأنها الوسيلة الوحيدة الموجودة حالياً التي تساعد علي تقارب العرب بعضهم ببعض. ويذكر أنها الإذاعة الوحيدة التي تتحدث عن القضية الفلسطينية وتشهد علي ذلك إذاعة فلسطين. صحيح بالطبع أن الإذاعة تواجه منافسة شرسة مع الفضائيات والتكنولوجيا الحديثة بدليل أن الباحثين بعدما كانوا منذ 10 سنوات أو أكثر يجرون أبحاثهم عن الإذاعة وتغير الأمر الآن، وأصبحت دراساتهم وأبحاثهم مهتمة بالقنوات التليفزيونية، ولكن هذا لا يعني أبداً أن الإذاعة فقدت جمهورها. وبالتالي لم يعد لها دور فهذا كلام خاطئ وغير مقبول بالمرة. ويختتم د. صفوت العالم الحديث في هذه القضية المهمة فيقول: - "صوت العرب" كان لها دور كبير في تدعيم المد القومي ومواكبة أحداث تلك الفترة وتعميق الانتماء والتمسك بالقومية العربية في فترة بداية إنشائها واستمر هذا الدور وتطور إلي تدعيم الحركات الوطنية الشعبية في الجزائروفلسطين واليمن وسلطنة عمان وغيرها من الدول العربية، وفضلاً عن ذلك كان لها دور متميز في تدعيم الوجدان العربي وإثرائه بالأغنيات العربية والدراما إلي جانب البث المباشر المشترك بينها وبين الدول العربية والعمل علي توظيف الاهتمامات المشتركة بين مواطني كل دولتين. وهو الدور الذي استمر يتنامي ويتعاظم مع تدعيم مفهوم الوحدة والقومية العربية لكن في السنوات الأخيرة ومع تزايد الفضائيات وانكماش التعاون العربي حاولت "صوت العرب" أن تؤدي دورها المتميز من خلال البث الحي لوقائع الأحداث والنقل المباشر، لكن الحقيقة أن "صوت العرب" في حاجة إلي تدعيم شبكتها هندسياً حتي يمكن أن تصل إلي كل قطر عربي وهي في حاجة إلي تدعيم مجهوداتها وإلقاء الضوء عليها بعدما ظهر من ينادي بعدم أهمية دورها في الوقت الراهن ومقارنتها بشبكات أخري مثل شبكة الشرق الأوسط وهذا كلام خاطئ وغير صحيح بالمرة فصوت العرب لها رسالتها ودورها وإن كان تم تقنينه بطبيعة المرحلة السياسية التي نمر بها، فإذا كان السياسيون ليس لديهم إحساس بالوحدة والقومية، فماذا نتوقع من الإعلام الذي يعكس المرحلة السياسية الموجودة في الوقت الراهن ومع ذلك أطالب بضرورة حتمية استمرار هذه الشبكة والتي تمثل أحد الأدلة الملموسة علي الكيان العربي المشترك وهي التي تعطينا الأمل بأن التكامل والترابط بين الأشقاء العرب في يوم من الأيام سيتحقق.