تعتبر حماية حقوق الإنسان بأبعادها السياسية والمدنية، وأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإرساء الممارسات الديمقراطية، والحد من هيمنة الأجهزة الأمنية، والحد من الفساد، هي من بين أهم الموضوعات أو المكونات الرئيسية في ملف الإصلاح السياسي في مصر، فإذا كانت الألفية الثالثة قد بدأت معها مطالب وضغوط الإصلاح السياسي في مصر بدوافعها الخارجية والداخلية، فإنه لا يمكن لنا أن نتغافل عن المكانة الجوهرية التي مثلها المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة في ذلك السياق، سواء كان ذلك باعتباره آلية رئيسية لتحقيق الإصلاح، أو كهدف لتحريره لكي يلعب دورا أكثر أهمية علي مسرح التطور السياسي الداخلي. وإذا حاولنا إلقاء نظرة علي بنية المجتمع المدني بمؤسسته التي يمكن لها الإسهام في ذلك الإصلاح، فلن نجد أهم من كتابات الدكتورة أماني قنديل في هذا الخصوص، ففي دراستها الأخيرة التي ضمها الكتاب الأخير الصادر عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بعنوان "مصر والإصلاح عقب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية" عن هياكل مؤسسات المجتمع في مصر وأجياله المختلفة، حيث أشارت إلي أن المنظمات الحقوقية والدفاعية "Advocacy Org." يمثل الجيل الرابع الأحدث من بين أجيال المؤسسات المدنية في مصر، وأنها برزت علي السطح منذ عام 1983، لتتبني رؤية حقوقية لإحداث التغيير الاجتماعي والسياسي، وهي تنطلق في ذلك من القناعات والمبادئ التي عبرت عنها مواثيق واتفاقات حقوق الإنسان، سواء السياسية والمدنية أو الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وينظر الغرب عادة إلي تلك المنظمات علي أنها تحتل أولوية مهمة في أجندة آليات الإصلاح السياسي، وهي بالفعل مرشحة لهذا الدور، الأمر الذي يثير لدي الحكومة دائما حساسية خاصة في التعامل معها أو مع مطالباتها، حيث يدفعها ذلك دوما للوقوف في موقع "المبرر" وموقف الدفاع عن نفسها، وتشتد حدة المعركة معها، خاصة في إطار الحصار الأمني لأنشطتها. وبذلك يتضح أن تلك المؤسسات مرشحة بقوة للإسهام في عملية الإصلاح السياسي، وذلك علي عدة مستويات وهي: 1 مراصد رقابية لحماية حقوق المواطن المصري. 2 القيام بدور تثقيفي واسع حول حقوق الإنسان والمواطنة. 3 نشر الثقافة المدنية والدفاع عنها. 4 التأثير في السياسات والتشريعات في اتجاه احترام حقوق الإنسان وحقوق المواطنة. فإذا كنا نتحفظ دائما علي مطالبات الغرب الذي نريد المشاركة معه، انتظارا لجني ثمار تلك المشاركة، فكيف لنا أن نفسر وفق هذا المنطق رفضنا المستمر لدعوته لنا بتعزيز حقوق الإنسان مثلا، علي اعتبار أنها أحد متطلبات الإصلاح المؤدي إلي تعزيز ثقافة الديمقراطية عندنا؟ وذلك بالإحالة علي مقولات الحرص علي الخصوصية والحرص علي الاستقرار والحرص علي التدرج.. إلي آخر تلك المقولات المحبطة البائسة! ومن الغريب أن يأتي التحفظ المصري الرسمي الدائم بهذا الخصوص متناسيا تماما حقيقة مهمة، وهي أن مصر قد شاركت في إعداد وإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، كما وقعت وصدقت علي الاتفاقيتين الدوليتين للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966، ونشرتهما أيضا بالجريدة الرسمية في أبريل 1982، ليدخل بذلك في المنظومة التشريعية المصرية، تماما مثل مجموعات القانون المدني وقانون العقوبات وغيرها من وضع المشرع المصري، والتي تشمل بدورها بعض نصوص حقوق الإنسان، ولعله من المفيد أن نفكر في هذه المناسبة بما ذكره الدكتور الشافعي بشير أستاذ القانون الدولي والمحامي بالنقض في مقدمة مدونته الجديدة وعنوانها "نصوص قانون حقوق الإنسان المصري" والتي تم نشرها منذ أيام قليلة ماضية، حيث ذكر أن نصوص قانون حقوق الإنسان التي وردت في الشرعية الدولية لحقوق الإنسان "International Bill of Human Rights" والتي نقلتها مصر إلي منظومتها التشريعية الداخلية طبقا لنص المادة "151" من الدستور للعمل بها اعتبارا من 14 أبريل 1982، إنما تحتل مكانا ساميا في الساحة التشريعية والقضائية المصرية، وذلك لأسباب عدة وهي: أولا: أنها ثنائية المنشأ بإرادة دولية ومصرية، وذلك مدعاة للنظر إليها بجدية واحترام للإرادتين. ثانيا: أنها ثنائية الآلية القانونية في الرقابة علي تطبيقها واحترامها، آلية المجتمع الدولي الذي يراقب مصر، ويثير مسئوليتها عند انتهاك حقوق الإنسان، وآلية المجتمع الوطني طبقا لنص وروح الدستور المصري الراعي لحقوق الإنسان، وسلطة القضاء بجميع درجاته. ثالثا: أن جريمة انتهاك العديد من حقوق الإنسان، لا تسقط بالتقادم، فالمتهم بها ملاحق بلا حدود زمنية أو حتي إقليمية. رابعا: أن نصوص الشرعية الدولية لحقوق الإنسان التي أصبحت قانونا مصريا منذ أبريل 1982، تكتسب قوة إضافية بمقتضي المادة الثانية من القانون المدني، والتي تعتبر ناسخة أو معدلة لأي نص قانوني سابق عليها أو يتعارض معها، كما أن مصر وهذا هو الأهم والأخطر لا تملك قانونيا وسياسيا، أن تخالف التزاماتها في تلك الشرعية أوإلغاء نصوصها بتشريعات لاحقة، وإلا تعرضت للمساءلة أمام الأجهزة الدولية المعنية بتطبيق واحترام الاتفاقيات الدولية، بما يعرضها لحرمانها من الدعم المالي "قروضا أو مساعدات" من الدول والهيئات الدولية المقرضة أو المانحة. خامسا: لقد صدق وعد ووعيد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعهدين الدوليين، بأن احترام حقوق الإنسان، يعتبر المقدمة الأساسية لسيادة العدل والحرية والسلام والرخاء في المجتمعين الوطني والدولي، وأن إهدار حقوق الإنسان هو المحرك للفتن وإثارة الأزمات والاضطرابات والثورة علي القهر والظلم والطغيان، كما أثبتت ذلك الأحداث البعيدة والقريبة في درس عملي للحكام وأصحاب السلطة، من أجل الالتزام بمنظومة حقوق الإنسان واحترامها خشية تداعيات الأحداث. سادسا: أن المراعين لحقوق الإنسان والمدافعين عنها، لهم مقام رفيع علي المستويين المحلي والدولي ولهذا يكرس المجتمع الدولي لهم آليات فعالة لحمايتهم، وهذا ما يضفي علي قانون حقوق الإنسان قوة قد لا تتوافر لغيره من القوانين، تري هل أمكننا الإجابة عن السؤال أم أن الأمر يحتاج لاجتهادات أخري؟