إذا كانت فكرة اقامة معرض "ابن خلدون" والذي يقام حاليا بمدينة اشبيلية في اسبانيا في الفترة من 18 - 30 مايو 2006 من فكرالسيد افيرو فيمو بايث رئيس مؤسسة التراث الأندلسي بمناسبة مرور ستة قرون علي وفاة العالم الكبير "ابن خلدون". إلا ان العديد من الملاحظات المهمة.. ترتبط بفاعليات اقامة هذا المعرض.. وما دار فيه من احداث وعلاقات تاريخية وانسانية وسياسية وحضارية.. فمن الاهمية ألا تمر علينا.. مرور الكرام.. خاصة من جميع المستويات المؤثرة في تسجيل وتجسيد حركة التاريخ واستكشاف مجالات التواصل الحضاري بين الشرق والغرب.. لتأكيد عراقة تاريخنا وامتداده لدروب وشعاب في القارة الأوروبية.. فجاء الوقت لتجسيده حاليا.. وصولا لتجديد مجالاته في الحاضر. وقد يأتي في مقدمة الملاحظات المهمة علي فاعلية اقامة هذا المعرض بأشبيلية ومشاركة الرئيس حسني مبارك والرئيس الجزائري بوتفليقة وممثلو 37 دولة - الملك خوان كارلوس - ملك اسبانيا في افتتاحه ما يمكن ايجازه في سطور قليلة كالآتي: 1- كثافة الحضور العربي من جانب.. وما يقابلها من كثافة للحضور الأوروبي.. والذي اعطي انطباعا بأن هناك قمة عربية - أوروبية تعقد علي هامش فاعليات المعرض خاصة في ظل ما يدور حول قضايا ا لمنطقة والأزمات الدولية الحادة وهو ما فرض مراجعة سياسية شاملة لجميع جوانب العلاقات بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين الشرق والغرب وبين اوروبا والعالمين العربي والاسلامي. 2- ان اهتمام الملك خوان كارلوس ومؤسساته المعنية من وزارات وحكومات اقليمية ومنابر للتراث الاسباني وبلدية اشبيلية والمؤسسة الحكومية المعنية بالعلاقات الثقافية بالخارج بعقد واعداد هذا المعرض بالقصر الملكي في اشبيلية "ريال الكاثار" وما ألقاه من تصريحات وكلمات عن "عبدالرحمن ابن خلدون" ودعوته لتواصل الحضارات ودعمه لاستثمار تعاظم العلاقات الاسبانية الاوروبية في دعم العلاقات الاسبانية والعالم الاسلامي ليمثل خطورة هامة لابد من التقاطها والبناء عليها للمشاركة في تواصل الحضارات الذي لا يطمس هوية الشعوب أو ينال من ثقافتها.. وان تكسب جسرا قويا ومؤثرا في علاقاته معنا - الا وهي اسبانيا لمواجهة اي دعاوي أو مؤامرات.. أو جهالة قد تصبنا في صميم قوميتنا وتراثنا وديننا. 3- ان هذا الحدث.. لابد ان تقابله منظومة اخري بمصر تجسد ايضا لهذا العالم "ابن خلدون" ولو جزءا من تاريخه وتراثه وكتبه وما تخلف من آثار عنه خاصة وانه متعدد المواهب في تسجيل التراث وتعميق الثقافة والاقتصاد والسياسة.. الخ.. فما بالنا اذا ما كان اختار مصر ليقضي ويعيش فيها ثلاثة وعشرين عاما حتي توفي بها بعد ان كان قد ولد بأشبيلية من جذور يمنية.. وعاش حياته قبل ان يأتي لمصر متنقلا بين الاندلس والمغرب وتونس ودمشق. 4- وأخيرا فمن الأهمية ان يثور في وجداننا ويطرق علي رأسنا.. الحاح مستمر ليصل الي محور افكارنا في وسط زخام الاحداث الداخلية والخارجية.. التي نمر بها.. ان نعقد مقارنة بين حالنا كعرب اليوم.. وبين مجدنا وتاريخنا بالامس. ألا يثور في ضميرنا.. ونحن نسمع عبر صحف وفضائيات ومطبوعات .. تصريحات ونقرأ مقالات ونسمع حوارات وللاسف اصبحت حاليا من رموز معروفة بثقافتها وانها تعي الحقيقة والتاريخ ولكنها اصبحت تغالط وتناور لاهداف شخصية أو مآرب اخري.. يشوبها العصبية.. فما المراد؟ وما الهدف .. فالوطن واحد.. والمواطنة واحدة .. والتاريخ مسجل بالحرف والواقعة والحادثة واليوم.. يدرسه الاجانب ومؤرخوهم.. وقد تتجاهله دور العلم لدينا لتؤثر السلامة.. أو قد كانت لا تعتقدبحسن نية عند وضع مناهجها ان بعض رموز الوطن سيغالطون!! ليس هذا مربط الفرس في سطور مقالنا اليوم ولكن من حق القاريء.. ان نعود معه في السطور التالية الي وقائع "فتح الاندلس".. بمناسبة حديثنا عن اقامة اسبانيا معرضا للعلامة المؤرخ عبدالرحمن بن خلدون. يقول المؤرخ الاستاذ الدكتور حسين مؤنس - والذي اطلق علي نفسه "خادم العلم" بمقدمته في كتابه "أطلس تاريخ الاسلام" بعد ان ارفق وثائقه وخرائطه عن "فتح الاندلس". يعتبر فتح الاندلس تاجا لفتوح المسلمين في الغرب فبالاضافة الي انه كان فتحا رائعا من الناحية العسكرية فإنه اضاف الي دولة الاسلام قطرا ضخما من أقطار أوروبا.. فامتد الاسلام به علي ثلاث قارات، وبهذا الفتح نجح العرب في دخول أوروبا من الغرب فحين فشلوا في دخولها "بمحاولة فتح القسطنطينية" من الشرق ثم اتيحت لهم الفرصة بعد ذلك للتوغل في غرب اوروبا حتي قرب نهر السين!! ومنذ ذلك الحين اصبح الاسلام عاملا رئيسيا من العوامل الموجهة لتاريخ الغرب الأوروبي. واذا كان من الشائع ان فاتحي الاندلس اثنان طارق بن زياد وموسي بن نصير ولكن.. ولكن لابد ان نضيف الي طارق وموسي.. آخر هو عبدالعزيز بن موسي فله الفضل في فتح شرق الاندلس وغربه. هذا ويطلق العرب لفظ الاندلس AL- Andalus علي ما دان لهم من بلاد شبه الجزيرة الايبيرية كبيرا كان أم صغيرا.. ومازال اسم الاندلس باقيا علي مجموعة من ثماني ولايات في جنوب شبه الجزيرة هي "قرطبة، اشبيلية، قادش، مالقة، غرناطة ألمرية، جيان، وولبة وتعتبر تلك الولايات حاليا وحدة اقليمية سياسية وادارية مستقلة. ومن هنا سأعود لأتذكر ما قيل عن الجوانب البشرية في العرق والعقيدة "لعل بلدا من بلاد الارض لا تصدق علي حضارته صفة الاستمرار كما تصدق علي مصر.. فإن مصر التي ولدت من نحو خمسة آلاف سنة لازالت بعينها كما هي اليوم.. لم يتغير فيها الدين علي طول هذه الاحقاب إلا مرتين.. ولم تتغير اللغة إلا مرتين ايضا، علي حين بريطانيا مثلا لا يرجع تاريخها الي ابعد من ألفي سنة تغير الدين خلالها مرتين.. واللغة أربع مرات علي الاقل.. بينما اسبانيا يرجع تاريخها الي ألفين وخمسمائة سنة .. تغير الدين خلالها ثماني مرات.. واللغة ست مرات.. أما جنسنا فلم يتغير في حملته خلال هذه الاعصر الا تغييرات طفيفة.. بينما ايطاليا تعاقبت عليها أجناس كثيرة غيرت عنصر السكان بها تغييرا هاما اكثر من مرة. وأخيرا.. فاذا كانت الحضارة في وطننا مصر لها صفة الاستمرار.. وطبيعة الحياة في مصر وجوهرها لم يختلفا كثيرا رغم الاحقاب المتطاولة.. الي حد ان العين قد تقع علي مشاهد كانت موجودة كما هي اليوم.. ايام الفراعنة.. ولكن أليست هناك حقيقة ندركها وعلينا ان نتوقف عندها وندرسها ونبحثها.. من اجل الحاضر .. والمستقبل.. ألا وهي: ان حضارتنا لها صفة الاستمرار.. ولكن ثقافتنا متقطعة!! فهل هذا لا يتطلب .. وقفة.. ودراسة.. وبحثا!!