ما مدي خطورة الحرب الكلامية المستعرة حاليا بين إسرائيل وإيران حول قضايا جوهرية، مثل المسألة الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني، فضلا عن تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المثيرة للجدل بشأن حق إسرائيل في الوجود وتشكيكه في صحة وقوع "الهولوكوست"؟ هذه المواقف الإيرانية المرتبطة بدعم الفلسطينيين، والسعي إلي تطوير قدرتها النووية وتخصيب اليورانيوم، ثم مسألة شرعية إسرائيل، ليست بالجديدة علي السياسة الإيرانية، فهي كانت عناصر أساسية ضمن الأيديولوجيا التي تبناها آية الله الخميني بعد أن أصبح المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية إثر ثورة عام 1979. بيد أن الجديد والخطير في الآن معا، هو احتمال انحدار الحرب الكلامية بين إسرائيل وإيران إلي منزلقات خطيرة وتحولها إلي حرب حقيقية ذات عواقب كارثية في الشرق الأوسط، في ظل غياب تحسن ملموس في العلاقات بين الطرفين. وليس يهم ما إذا كانت تصريحات الرئيس أحمدي نجاد النارية بشأن محو إسرائيل من الخريطة، هي موجهة للاستهلاك المحلي، أم أنه يؤمن فعلا بما يتفوه به. الأكثر أهمية هو الوقع الذي تخلفه كلماته في نفوس القادة الإسرائيليين علي اختلاف مواقعهم في المشهد السياسي، من اليمين إلي اليسار مرورا بالوسط. فالعديد من المواطنين الإسرائيليين ينحدرون من أصول إيرانية، بمن فيهم سياسيون كبار مثل الرئيس الإسرائيلي موشي كتساف، ووزير الدفاع الحالي شاؤول موفاز اللذين ولدا في إيران ومازالا يتحدثان قليلا من الفارسية، بالإضافة إلي قائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس. ويحافظ هؤلاء السياسيون وغيرهم من ذوي الأصول الإيرانية علي علاقات جيدة مع باقي اليهود الإيرانيين في إسرائيل الذين يقدر عددهم بمائة ألف شخص. ولا شك أن هذه الصلات تجعل المسئولين الإسرائيليين أكثر فهما للسياسة الإيرانية، مدركين جيدا أن تصريحات أحمدي نجاد تثير قلق المحافظين في طهران الذين وإن كانوا يكرهون إسرائيل، إلا أنهم واعون بحجم الضرر الذي يمكن لإسرائيل أن تلحقه ببلدهم، خصوصا في حال التعاون مع الولاياتالمتحدة. عامل آخر يسلط الضوء علي حساسية الدولة العبرية المفرطة من محاولات بعض الساسة العرب والإيرانيين المتشددين التقليل من أعداد الضحايا اليهود في الهولوكوست، أو حتي نفيها، هو وجه الشبة القائم بين تصريحات أحمدي نجاد اليوم المعادية لليهود وبين تصريحات أودلف هتلر خلال سنوات حكمه في ألمانيا. غير أن الجدل مازال محتدما حول ما إذا كان خطاب الرئيس الإيراني الشعبوي يندرج في إطار أجندة قومية ترمي إلي تمتين الجبهة الداخلية لمواجهة الضغوط الخارجية، أم أن خطابه يعكس جهلا ذريعا بحقائق التاريخ وقواعد التعامل الدبلوماسي في العلاقات الدولية. فإذا كان السبب راجع إلي العامل الأول، أي أن أحمدي نجاد يعزف علي وتر تأجيج المشاعر القومية لا غير مع احتمال سلوك إيران لطريق أكثر براجماتية بشأن طموحاتها في المنطقة، فذلك أمر هين يمكن احتواؤه. أما إذا كان تصرفه ينم حقا عن جهل ولا يقيم وزنا لخطورة خطابه والحساسية التي يولدها، فإن الأزمة مرشحة للتفاقم أكثر. والمسألة تأخذ أبعادا أخري في ظل وجود يهود ناجين من الهولوكوست يعيشون في إسرائيل ويتمتعون بنفوذ سياسي كبير، مثل عضو الكنيست البارز تومي لابيد الذي يتلقي بالإضافة إلي آخرين دعما غير محدود من قبل سياسيين كبار. وقد سبق لشيمون بيريز وإفرايم سنيح أن اتهما إيران بدعمها للعمليات التفجيرية التي نفذت في إسرائيل خلال العقد الأخير، بما فيها تلك التي قادت إلي هزيمة شمعون بيريز أمام بنيامين نتانياهو في الانتخابات العامة لسنة 1996. ومجمل القول إن الحرب الكلامية بين إيران وإسرائيل تنذر بمواجهة عسكرية بين الطرفين، خصوصا في ظل غياب حوار بين طهران والغرب يساهم في نزع فتيل الأزمة وتجنيب المنطقة ويلات حرب أخري. وفي هذا الإطار علي الدول العربية، كما الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، ثم الهند والصين، بذل كافة الجهود لتفادي وقوع الأسوأ من خلال إيجاد آليات للتعاون المشترك بين هذه القوي تضمن أمن المنطقة، وتحول دون تفجر الوضع.