شهدت الأيام الأخيرة بالمنطقة أحداثاً بارزةً، قد يصعُبُ لأول وهلةٍ رَبْطُها ببعضها البعض: من التوتر بين حكومة "حماس" ورئيس السلطة الفلسطينية، إلي النجاح الأولي في تشكيل السلطة الجديدة بالعراق رغم استمرار العنف، إلي تفجيرات مدينة دهب المصرية علي خليج العقبة. إنّ المشترك بين هذه الأحداث وجودُ الإسلاميين فيها طرفاً فاعلاً أو بارزاً، ووجودُ إيرانوالولاياتالمتحدة بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر. وإذا تأمْلنا أحداث وحوادث السنوات الأربع الماضية، نجد دائماً طرفين من الأطراف الثلاثة حاضراً في المشهد إن لم تكن الأطراف كلُّها. لقد كان من المعقول التنبُّهُ إلي المشهد الجديد في المنطقة منذ أكثر من عقدين. بيد أنّ الذي أخَّر ذلك عدمُ تبلْورُ البدائل عن مشروع العروبة ثم عن فكرتها التي كانت فكرةَ العرب الاستراتيجية للانتماء والبناء القومي في القرن المنقضي. ذهب المشروعُ العربي إذن ضحيةً للفشل في مواجهة إسرائيل، والفشل في إقامة دولةٍ قوميةٍ ناجحة. لكنّ الشرق أَوسطية الأمريكية/ الإسرائيلية تلقّت ضربةً كبري أيضاً بقيام الثورة الإسلامية في إيران. وبعد قُرابة الخمس سنوات علي أحداث سبتمبر 2001 تبلور في المنطقة مشهدٌ جديدٌ ما عاد ممكناً تجاهُلُهُ، ولا تجنُّبُ آثاره. لقد كشف الصراع الأمريكي/الإيراني عن مشهدٍ شرق أَوسطي فعلاً. يتصارعُ الأمريكيون مع الإيرانيين رسمياً من أجل الملفّ النووي. بيد أنّ الرهانات تقبعُ في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي فلسطين، وفي نفط وغاز وأمن الخليج والعراق. وهكذا فهناك مشروعان اليومَ في المنطقة: مشروعٌ إسلامي تقودُهُ إيران، ومشروعٌ شرق أوسطي تقوده الولاياتالمتحدة تحت اسم: الشرق الأوسط الأوسع. لكنّ الدلالة الأبرزَ لما جري ويجري أنه ما عاد هناك طرفٌ عربي قومي حاضراً علي ساحة المعارك أو طاولات الحوار والتفاوض. لقد صِرْنا نعرفُ الآن أنّ الإسلامَ السياسي ليس مجرَّد حركات معارضة، سوف تضعُفُ أو تزولُ بالمشاركة في السلطة أو حتي الاستيلاء عليها كما حدث في السودان. لكننا نعرفُ أيضاً أنّ فرصةً لاحتْ في الأُفُق من أجل التطوير والتنمية بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز. بيد أنّ هذه الفرصة مهدَّدة بعدم إمكان التلاؤم حتي الآن بين الإسلاميين وخصومهم بالداخل، ومهدَّدة بالوجود الأمريكي العسكري الضاغط وغير البنّاء، ومهدَّدة بالإقدام الإيراني علي التوسُّع، وعلي اقتناص الفُرص والأدوار حتي في الصراع علي فلسطين. ولا شكَّ أنّ المخاطر علي إسرائيل تزداد بالصعود الإسلامي الإيراني، والإسلامي العربي. ومع زيادة المخاطر تلك سيزداد الأمريكيون والأطلسيون عموماً شراسةً وراديكالية؛ ومعهم إسرائيل طبعاً. وبخاصةٍ أنّ "الصراع ضد الإرهاب الإسلامي" ما حقّق نجاحاتٍ كبري، وهو يزيدُ القوي العظمي نرفزةً وتوتراً، والأنظمة العربية ضعفاً وتشرذُماً. ووسط هذه الظروف والسياقات المضطربة، تزدادُ احتمالاتُ انفجار صراعٍ كبيرٍ أو صراعات في أماكن أُخري بالإضافة إلي فلسطين والعراق. في عام 1972 أصدر الأستاذ الأمريكي مالكولم كير كتابه الشهير "الحرب الباردة العربية" (1959-1969). وقتها كان أَوانُ اشتداد أُوار الحرب الباردة علي المستوي العالمي. لكنّ حتي لو أخذنا بوجهة نظر كير التي اعتبرت صراعات السنوات العشر أعمالاً بالوكالة عن القطبين الأعظم؛ فإنّ أولئك الوكلاء (مصر والسعودية) كانوا عرباً. أمّا في الحرب الباردة أو الساخنة الجديدة؛ فإنّ العرب والعروبة لا يحضران لا بالأصالة ولا بالوكالة؛ بل يدورُ الصراعُ بين الولاياتالمتحدةوإيران بشكلٍ مباشر مع أنّ مجال الصراع أرض العرب، وموضوعه ثروات العرب، وهدفه: مَنْ يهيمنُ علي العرب؟! فهل نسمّي الصراع إسلامياً/ شرقَ أوسطيا، أو إيرنياً/ أمريكياً؟ قد نختلف علي تسميات الصراع وعناوينه؛ لكنْ ليس من بينها عنوانٌ عربي، وهذه مأساةٌ خسرنا في خضمّها العروبة لكننا لم نربح الإسلام!