احترام الخصوصية أصبح عملة نادرة لقد أصبحنا شعباً يهوي التدخل في شئون الآخرين بالرغم من أن لدي كل فرداً منا من الهموم ما يكفيه ويغرقه حتي أذنيه، ومع ذلك لازال البعض يعطي نفسه حق اقتحام خصوصية الآخرين متذرعاً إما باسم القرابة أو الجوار أو الزمالة في العمل، أو ربما الصداقة أو حتي بحجة الاهتمام الزائد دون أن يدري أنه بذلك يضيق عليه الخناق ويحاصره. والأمثلة علي هذا التلصص علي الخصوصية كثيرة فهناك هذه المهندسة التي بلغت من العمر الأربعين دون زواج لتصبح فريسة لفضول من حولها وتساؤلاتهم عن أسباب عزوفها عن الزواج بالرغم من العروض الجيدة التي تتلقاه، الكثير من المحيطين بها ممن له الحق في السؤال وممن ليس له الحق يسألها عن سبب رفضها الدائم للزواج وينصب نفسه منصحاً لها، حتي وصل الأمر في التدخل إلي إرسال رسائل لها علي هاتفها المحمول تطلب منها مراجعة نفسها، وتطبيق سنة الله في خلقه بتحصين نفسها بالزواج والتوبة إلي الله دون أن يعرف أحد أسبابها الحقيقية، مما دفع تلك المهندسة إلي التفكير بجدية في الانتقال من محل سكنها وتغيير مكان عملها بحثاً عن مكان جديد تجد فيه من يحترم خصوصيتها التي أصبحت تناقش علي رسائل ال SMS. إن احترام الخصوصية وتقديرها لابد أن يبدأ من البيت ويكون أحد أسس التربية الحديثة، فالأم هي من تربي في طفلها الفضول من عدمه منذ الصغر. هناك بعض الأمهات يربي الطفل علي اقتحام خصوصيات الآخرين دون أن يشعرن وذلك من خلال بعض السلوكيات التي تعتقد الأم بأنها طبيعية ولا تؤثر في سلوكيات الطفل وتركيبته الشخصية فهي مثلاً تتركه في بيت أحد الأقارب ليلعب مع أطفالهم، وحينما تأتي لاصطحابه إلي البيت تبدأ في استجوابه في أشياء لا تعنيه ولا تعنيها، مثلاً من جاء لزيارتهم؟ ماذا تناولوا علي الغداء؟ ما هي الألعاب التي لديهم؟ وتفاصيل أخري كثيرة تفضح بعض الأحاديث الأسرية التي دارت في ذلك المنزل. هذا النوع من الأسئلة ينمي في الطفل الرغبة في البحث في خصوصيات الآخرين، ويجعل منه شخصاً متطفلاً ينقل كل ما يراه ويسمعه، فيتحول بعد ذلك تدريجياً إلي شخص لا يحترم خصوصية الآخرين لأنه لا يعرف حدوده ولا يعرف أين يتوقف ومتي يكف عن السؤال. لذلك لابد من تدعيم مفهوم الخصوصية أسرياً وسلوكياً منذ الصغر لدي الطفل، والعلاج لابد أن يبدأ من الأم فالنساء أكثر من يهدر قيمة احترام الخصوصية في المجتمع. ولكن إحقاقاً للحق إن عدم احترام الخصوصية لا يكثر لدي النساء دون الرجال، بل هناك الكثير من الرجال من يهوون التطفل علي خصوصيات الآخرين. فكم من الرجال يبحثون في شئون جيرانهم وأصدقائهم بفضول كبير، فحينما يخرج جاره برفقة أسرته من المنزل يأتي إليه متطفلاً ويسأله .علي فين العزم بإذن الله.؟ دون مراعاة لخصوصية الآخرين، وحينما يلاحظ أن هناك مناسبة في المنزل مقامة وأناساً تدخل وتخرج من المنزل يأتي ليطرق الباب ويسأله .ما شاء الله عندكم إيه الليلة دي.؟ حفلة خطوبة ولا زواج؟ وحينما يلاحظ ذلك الجار وجود سيارة غير معتادة تقف بجوار البيت، وأن هناك شخصاً من الأقارب أتي زائراً من منطقة أخري يأتي ليسأل من هذا الرجل الأنيق صاحب السيارة الأنيقة؟ حتي أصبح هذا الرجل يشعر بأنه مضطر لشرح جميع تفاصيل حياته لهذا الجار المتطفل. لا عجب إذاً إن فكر الرجل بالتخلص من هذا الجار المزعج ببيع البيت الذي يمتلكه أو استبداله ببيت آخر، فالمجتمع أصبح مجتمعاً فضولياً لا يستحي من التدخل في خصوصيات الآخرين حتي في أدق التفاصيل. إن احترام الخصوصية من منظور اجتماعي هو احترام حقوق الآخرين وعدم التدخل فيها طالما أنها في حدود حرياته الشخصية فلا تعدي علي الحق العام أو علي حق الآخرين. ولذلك فإن تعزيز مفهوم احترام خصوصية الآخرين لابد أن يكون من خلال التربية والتعليم، وللأسف أن المناهج الدراسية تقوم علي التلقين والتعبئة ولا تحتوي علي مثل هذه القيم، أما التربية فتتضح في تعاطي الأب والأم مع الأبناء. وللأسف فإن بعض الناس يرحب بوجود الشخص الفضولي في المجالس لأنه ينقل أخبار الآخرين أكثر من الشخص الذي لا يحب التدخل في خصوصيات الآخرين.