المشاورات الماراثونية من أجل التوافق علي اسم رئيس الوزراء العراقي، بل وتشكيل الحكومة الجديدة بعد ولادة متعثرة لايعني أبدا أن العراق دخل في مرحلة التخلص الآمن والناعم من المحتل الأمريكي وتوابعه، لأن هناك قضية شائكة قد تعرض العراق إلي التفكيك والتقسيم، وهي قضية كركوك الغنية بالبترول والنزاع التاريخي عليها بين العرب والأكراد، بل أصبح النزاع حول كركوك قنبلة موقوتة، من الممكن أن تنفجر في أي وقت وتعرض العراق لخطر التفكيك، بل إن شظايا تلك القنبلة سوف تصيب التضامن العربي ككل في مقتل، وتكون تمهيدا لتقسيم العراق إلي ثلاث دويلات، كردية في الشمال وسنية في الوسط، وشيعية قي الجنوب، وتلك بداية سوداء لتقسيم الوطن العربي الكبير في المستقبل، ولاسيما أن أول العام الجديد 2011 سيكون بداية لانفصال جنوب السودان عن شماله، ولاسيما أن منطقة أبيي الغنية بالنفط أيضا هي محور الصراع في السودان الآن، وقد تتسبب في تقسيم السودان في المستقبل إلي خمس دول علي أقل تقدير، وبالتالي أخشي أن يكون العام الجديد الذي سيبدأ بعد أيام، هو عام الانقسام العربي، وتبخر حلم الوحدة العربية، ولاسيما أن قوي عديدة تتربص بالعرب منذ فترة،وتسعي إلي تقسيمه،والهدف بالطبع هي بحار البترول في أراضيه، وستكون كركوك العراقية في الشمال، وأبيي السودانية في الجنوب المتخمتان بالبترول هي الكماشة التي ستطبق علي رقبة الحلم من أجل خنقه، ثم تقسيم الجسد العربي المتهالك بين قوي عديدة، ولكن إذا انتبهنا من الآن لحقيقة مايحاك لنا نستطيع أن ننقذ الجسد العربي المثخن بجراح الانقسامات من مقصلة الانقسام والتشرذم، وليكن الحفاظ علي العراق من خطر الانقسام هو بداية للحفاظ علي العقد العربي قبل أن ينفرط. وأولي خطوات النجاح العربي في إنقاذ كركوك من تحويلها إلي برميل بارود يشتعل في العراق ككل ويفتته ومن ثم تلهب نيرانه باقي جسد الوطن العربي الواهن هو معرفة حقيقة الصراع حول كركوك،وكيفية حل المشكلات العالقة بين أبناء الوطن الواحد أيا كانت توجهاتهم وثقافتهم وعقائدهم، بعدالة شديدة ومراعاة المصالح المشتركة بعيدا عن العقلية العربية التقليدية التي تكاد تنفي وجود الآخر وعدم تقبله، والتعامل بعنجهية عربية متأصلة، لم تجن لنا سوي النزاعات، وتعرضنا الآن لخطر الإنقسام والتفكك بل والذوبان في المستقبل. وتعد قضية الصراع حول كركوك من أهم القضايا التي تهم الأمن العراقي والعربي والدولي لما لكركوك من أهميه اقتصادية فائقة إذ يتجاوز المخزون النفطي لكركوك 4% من احتياطي البترول العراقي أي بمايعادل 10 مليارات برميل وهو مايدعو المجتمع الدولي الي الحرص علي عدم استئثار أي من أطراف الصراع العرقي .التركمان -الأكراد -العرب. علي منطقة كركوك منفردا وعلي حساب القوميات الأخري لما قد ينتج عن ذلك من بروز كيانات سياسيه وتقسيمات عرقية جديدة لايرضي عنها هذا الطرف أو ذاك مما قد يجر المنطقة الي حروب وصراعات داخلية وخارجية. وأطراف الصراع العرقي حول كركوك هم التركمان والأكراد والعرب وجميعهم سكنوا المنطقة منذ آلاف السنين فعلي سبيل المثال فإن وجود التركمان في كركوك يسبق العثمانيين بزمن بعيد ويعود بالضبط الي أواخر القرن السابع الميلادي عندما اندفعت القبائل التركمانية من موطنها في وسط آسيا غربا باتجاه شرق البحر المتوسط وأخذت تستقر في بعض البلدان ومن بينها العراق التي عاش فيها التركمان واندمجوا في مؤسسات الحكومات العربية / الاسلامية المتعاقبة علي حكم البلاد ولعبوا أدوارا مهمة في تاريخ هذا البلد.. وفي وقتنا الراهن تقدر المصادر التركمانية عدد التركمان بما لايقل عن مليوني تركماني يعيش أغلبهم في كركوك والتي كانوا دوما يشكلون الأغلبية فيها ويعد التركمان الأقلية العرقية الثانية من حيث عدد السكان في العراق بعد الأكراد وكان التركمان علي مر العصور أقل العرقيات القاطنة في العراق إثارة للقلاقل والفتن وعرف عنهم الميل للمقاومة السلمية والصبر علي المظالم ومحاولة انتزاع حقوقهم السياسية والثقافية بطريقة حضارية. وقد شكل الأكراد .الطرف الثاني في الصراع العرقي حول كركوك. علي مدار التاريخ عنصرا هاما وفعالا من النسيج الوطني العراقي ونظرا لأن مناطق توطن هؤلاء من المناطق الجبلية الوعرة فلم تلق أي اهتمام من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة لبسط سيطرتها علي تلك المناطق واقامة الادارات والتنظيمات التي تعبر عن سيطرة الحكومة المركزية وانما تركت الحكم فيها لأمراء العشائر القبلية فتمتع الأكراد علي الدوام بنوع من الحكم الذاتي في ظل إمارات متعددة يجمعها الولاء الشكلي لحكومة مركزية في بغداد أو في استانبول ولم يخضع الأكراد في تاريخهم لحكومة كردية موحدة..ومع تنامي المد القومي في القرن التاسع عشر ليشمل مختلف مناطق العالم وظهور الدول القومية تحركت النوازع القومية لدي الأكراد وتنامت لديهم النعرة القومية حتي تغلبت علي الهويه الدينية والوطنية غير أن جماعات أصحاب المصالح في العشائر الكردية ظلوا علي خلافاتهم الكردية - الكردية فغطت تلك الخلافات علي تلك النزعة القومية وشتت جهود الأكراد في سعيهم نحو تحقيق حلم كردستان الكبري وفي أبريل 1991 والذي نص علي ضمان حقوق الانسان والحريات لجميع المواطنين بما فيهم الأكراد وتلي ذلك قرار حظر الطيران وتوفير الملاذ الآمن للأكراد وقد تسببت حالة الضعف والوهن التي أصابت الحكومة المركزية في بغداد في تنامي الأطماع الكردية الهادفة الي ضم كركوك الغنية بالنفط الي منطقة الحكم الذاتي والسعي من أجل تحقيق الانفصال عن العراق واتخاذ كركوك كعاصمة للدولة الانفصالية الجديدة وقد زاد هذا العزم والتصميم علي ضم كركوك بعد زوال قبضة الدولة المركزية تماما بسقوط صدام حسين ونظامه حيث كثف الأكراد من إجراءاتهم الهادفة الي تكريد منطقة كركوك والتطهير العرقي للعرقيات الأخري واستغلوا علاقاتهم الوثيقة بالولاياتالمتحدةالأمريكية وسيطرة قوات البشمركة الكردية علي كركوك عقب سقوط النظام وقيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بفرض محافظ كردي علي المدينة وتعيين مجلس بلدي للمحافظة أغلبية أعضائه من الأكراد فقاموا بطرد مائة ألف عربي من كركوك وضيقوا علي التركمان بهدف دفعهم لترك المدينة واستجلبوا نحو مائتي ألف كردي من ايران وسوريا وتركيا والمناطق الشمالية في العراق بهدف توطينهم في المدينة وتغيير التركيبة العرقية لها..وقد تسببت التحركات الكردية تلك في حدوث تقارب عربي - تركماني حيث شعرت القوميتان بأنهما مهددتان بالزوال من المنطقة فبدأتا علي الفور في تنظيم الصفوف والتصدي للمخططات الكردية. وعلي الرغم من ان الثروة النفطية والغاز في المدينة هما العامل الابرز للصراع الدائر حول المنطقة، الا ان نظرة اوثق لدوافع واحتياجات الاكراد والسلطة الفدرالية تعطي صورة اكثر شمولية عن ذلك، تختلف الآراء حول مدي تأثير الثروة النفطية في المنطقة علي مختلف الفرقاء وتقييمهم للمنطقة. سجل الحكومات العراقية يشير الي ان بغداد ظلت تنظر الي كركوك من منظور ما تحتويه من ثروة نفطية، وبالمثل، فإن بعض العرب والتركمان يعتقدون ان اهتمام الاكراد بكركوك مرده الثروة النفطية. وقد قالها صراحة مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان أثناء قيامه بالواسطة بين الأحزاب للتوافق علي اختياررئيس وزراء وتشكيل الحكومة في شهر نوفمبر الماضي، فقد أكد إن استقلال إقليم كردستان أصبح وشيكا، كما أن ضم كركوك لايعدو كونه مسألة وقت، ولم يهتم القادة العراقيون بما قاله البرزاني، لأن اهتمامهم الأول كان حول اختيار المالكي وليس علاوي رئيسا للوزراء، وأنا أتوقع إذالم تتحرك الجامعة العربية بل وكل القادة العرب من أجل ضمان وحدة العراق سيعلنها الإيراني صراحة ويستقل بجمهورية للأكراد في شمال العراق وسيجد كثيراً من الدول التي ستعترف به وتصبح كركوك عاصمة للدولة الكردية الجديدة، وسيبقي لنا أن نغني "أمجاد ياعرب أمجاد"! [email protected]