ولوطبقنا رأي اخواننا المتشددين في مسألة التخصص الديني علي السياسة والاتجاهات الفكرية مثلا لوجب علي كل مواطن ألايعمل بالسياسة والذي لم يدرس في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية ان يخرس ولايناقش سياسة بلده. يحدث كثيرا اذا حاولت ان تناقش أو تعلق علي فتوي لاحد رجال الدين المنتمين للتيار السلفي المتشدد ان يواجهك غاضبا علي صفحات الصحف او شاشات التليفزيون بما يعني: ايش عرفك انت وايش فهمك في امور الدين؟ هل انت متخصص مثلي في علوم الدين؟ وقد يستطرد مثلما فعل احدهم شارحا في احدي القنوات الفضائية بأن الانسان اذا مرض ذهب للمختص بعلاجه وهو الطبيب واذا اراد بناء عمارة ذهب الي المختص وهو المهندس.. وهكذا.. فلماذا يتدخل غير المختصين في علوم الدين بالتعليق والرد علي الفتاوي الدينية؟ وسواء اكانت الفتاوي من عينة إرضاع الكبير أو تحريم الرسم أو تكفير احد مفكرينا مثل نصر حامد أبوزيد فالحجة رفض مناقشة الفتوي جاهزة: انت غير متخصص، وهو حق في الظاهر يراد به كثير من الباطل فالفرق كبير بين علوم مثل الطب والهندسة والفلك التي تعتمد علي كم هائل من المعلومات العلمية الدقيقة وقد تحتاج الي ممارسات مهنية صعبة مثل اجراء عمليات جراحية خطيرة كما في التخصصات الطبية، فرق كبير بين الاشتغال بتلك العلوم وبين ابداء الرأي في قضايا اجتماعية أو سياسية أو قضايا دينية خاصة تلك التي تقتضي الاجتهاد في الدين وذلك الاجتهاد الذي يعني التفكير المتاح لكل ذي عقل ولكل انسان حباه الله بمنطق ومثل هذا الاجتهاد قد يصيب صاحبه وقد يخطئ وان كان رجل دين حيث يصبح له اجران اذا اصاب واجر اذا اخطأ.. وحقائق العلوم الطبيعية والبيولوجية كالطب والكيمياء والفيزياء لاتستند الا في حالات قليلة جدا علي تعدد الآراء بل علي حقائق علمية اجمع عليها العلماء شرقا وغربا فلايمكن مثلا ان يطلع احدهم برأي خاص أو اجتهاد يزعم فيه ان الحديد لايتمدد بالحرارة أو ان الارض مثلث وليست كروية والامر يختلف في العلوم الانسانية والنظرية كعلوم الاجتماع والسياسة والتربية أو اية علوم لاتقوم علي حقائق اثبتتها التجربة ولاتقبل الشك بل نسمح بمساحة بل ومساحات من اختلاف الآراء والاتجاهات الفكرية والرؤي المتعددة ولوطبقنا رأي اخواننا المتشددين في مسألة التخصص الديني علي السياسة والاتجاهات الفكرية مثلا لوجب علي كل مواطن لايعمل بالسياسة او لم يدرس في كليات الاقتصاد والعلوم السياسية ان يخرس ولايناقش سياسة بلده. وهو امر لابد وان يقود الي نتيجة منطقية اخري هي اغلاق مجلس الشعب بالضبة والمفتاح! والمثقف عندما يناقش في امور الدين فإنما يفعل ذلك لانه مثقف اي انه كما قال الجاحظ ملم بطرف من كل علم من العلوم اي لديه قدر قل او كثر من المعارف الاساسية في كل علم بما في ذلك علوم الدين فهو يفهم علي الاقل معني الاجتهاد في الدين وان هناك احاديث قد تكون صحيحة واخري قد تكون مدسوسة علي الرسول صلي الله عليه وسلم وهو عندما يرد علي بعض الفتاوي المتشددة لايخترع فتاوي اخري من عنده وانما يستشهد بآراء واجتهاد مختصين آخرين من رجال الدين المستنيرين الذين لهم رأي واجتهاد مخالف في نفس القضية. علي ان الاعجب والاكثر اثارة للضحك في حجة هؤلاء المتشددين ان نجد منهم من سبق ان ضرب مثلا في ضرورة اطاعة فتوي رجل الدين المختص - ايا كانت - بلجوء الانسان عندما يمرض للطبيب المختص بينما راح هذا المتشدد نفسه يمارس بجرأة نادرة عمل هذا الطبيب دون ان يكون له اي قدر من التخصص في ذلك العمل فأخذ يعالج المرضي بالرقية وقراءة القرآن والحجامة. عالج الامراض النفسية بما سمي بفك السحر وقراءة التعاويذ واخراج الجن من الاجسام اما تفسير الاحلام الذي كان يستخدمه اطباء النفس في تشخيص الامراض النفسية والكشف عن الرغبات والصراعات الدفينة فقد انتقل الي رجال الدين بل واصبح حكرا عليهم دون اطباء النفس في الكثير من البرامج الفضائية رغم انه من المعروف بل ومن المؤكد ان جامعة الازهر وكليات اصول الدين لايوجد ضمن اقسامها وتخصصاتها تخصص في تفسير الاحلام.. اما عن قراءة القرآن والرقية بما فيها من دعاء فرغم انهما يحتاجان الي متخصصين ويستطيع ان يمارسها اي شخص مع اهل بيته الا ان عيادات العلاج بها مقابل اجر قد انتشرت.. وفي الوقت الذي تصادر فيه كتب المثقفين من اصحاب الآراء بحجة تعارضها مع الشرع تنتشر في الاسواق علي الارصفة دون اي منع اورقابة من اي نوع كتب الدجالين الذين يتحدثون فيها عن اخراج الجن من جسم الانسان بالضرب بالعصا وعن العلاج النفسي بفك السحر وفي الوقت الذي تقدمت فيه وسائل تشخيص امراض الجسم وامراض النفس بواسطة اجهزة شديدة التطور تمكننا من معرفة مايحدث في مخ المريض يسارع البعض بتشخيص حالة المريض النفسي بأنه .معمول له عمل أو محسود وهكذا دون اية مقدمات أو براهين أو استخدام لاي وسيلة من الوسائل التشخيصية التي اصبحت متاحة.. ونحن نعيش في عصر تشعبت وتتشعب فيه العلوم وتنقسم فيه تخصصاتها الي تخصصات اخري ادق بحيث لم يعد يكفي ان يذهب مريض السكر للعلاج عند طبيب الامراض الباطنية بل لابد ان يذهب الي طبيب متخصص في امراض الكبد والسكر تحديدا ولم يعد يكفي ان كنت تشكو من عظام رقبتك او ظهرك ان تذهب لاي طبيب في العظام بل الافضل ان تذهب لمتخصص في عظام العمود الفقري خاصة. اما الكوابيس والاحلام المزعجة فم يعد علاجها قاصرا علي اطباء النفس فإلي جانبهم ظهر متخصصون جدد في اضطرابات النوم وبعد ان كان طبيبا عصبياونفسيا مثل فرويد يعالج مرضا بالتنويم المغناطيسي اصبح هذا التنويم من اختصاص فئة معينة من اطباء النفس وليس كل اطبائه، المهم اننا في هذا الوقت بالتحديد الذي حدث فيه هذا الانقسام والتعدد في التخصصات العلمية يخرج علينا من شهور قليلة شاب ملتح علي قناة المحور ليدعي قدرته علي اخراج الجن والعلاج بالرقية وفوق ذلك التنويم المغناطيسي بقراءة القرآن! وهكذا حاول هذا الشاب ان يقنعنا انه كما يقولون .بتاع كله. ولان شر البلية ما يضحك فقد اثار هذا الشاب ضحكنا واستفزازنا في نفس الوقت عندما اجري محاولة فاشلة كما توقعنا لتنويم مذيعة البرنامج وذلك بقراءة سورة قرآنية قصيرة فإذا به يخطئ خطأ فاضحا في نطق كلمة بسيطة في هذه السورة القصيرة.. واسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون ولكن ابدءوا بأنفسكم اولا يامن تقذفون بهذه الدعوة في وجه مثقفينا ومفكرينا بينما يسمح بعضكم ولا اقول كلكم بممارسة الطب بفك السحر واخراج الجن والاخطر من ذلك اشاعة مفاهيم خاطئة.. ولو بدون قصد عن رسالة الدين وعن علاج المرضي من امثال هذا الشاب من الجاهلين والمرشحين بجدارة لمهنة دجال!