خبير: مركز الحوسبة السحابية يحفظ بيانات الدولة وشعبها    رئيس جهاز حدائق العاصمة يوجه بسرعة الانتهاء من أعمال مشروع سكن لكل المصريين    انخفاض طفيف في أسعار الدواجن بالأسواق اليوم الاثنين    نائب وزير الخارجية الأسبق: تحركات مصر حاضرة دائما لإنهاء الحرب على غزة    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    انطلاق اختبارات المواد غير المضافة للمجموع لصفوف النقل بالقاهرة    تفاصيل مشاركة مصر في معرض أبو ظبي للكتاب.. إصدارات حديثة ومستنسخات تراثية    أكلة فسيخ وسؤال عن العوضي.. أبرز لقطات برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز في "صاحبة السعادة"    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 29 أبريل 2024    اليوم.. مجلس الشيوخ يستأنف عقد جلسته العامة    تراجع جديد في بورصة الذهب| إنفوجراف    "لوفيجارو": نتنياهو يخشى إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه    مصرع خمسة أشخاص جراء أعاصير ضربت وسط الولايات المتحدة    الشناوي ينتظم في مران الأهلي الجماعية استعداداً للإسماعيلى    مواعيد مباريات اليوم الإثنين 29- 4 -2024 والقنوات الناقلة لها    سيد معوض عن احتفالات «شلبي وعبد المنعم»: وصلنا لمرحلة أخلاقية صعبة    استقرار أسعار الفاكهة بسوق العبور اليوم 29 أبريل 2024    مصادرة 2 طن أعلاف مجهولة المصدر ودقيق فاخر بمخبز سياحي فى حملات تموينية بالإسكندرية (صور)    رسميًا.. تراجع سعر الدولار الأمريكي في بداية تعاملات اليوم 29 أبريل 2024    أموك: 1.3 مليار جنيه صافي الربح خلال 9 أشهر    ظهر اليوم.. تشييع جثمان المخرج والمؤلف عصام الشماع من مسجد السيدة نفيسة    البحوث الفلكية: غرة شهر ذي القعدة فلكيًا الخميس 9 مايو    قطر توضح حقيقة دعمها للمظاهرات المناهضة لإسرائيل ماليا    رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول يعتزم لقاء زعيم المعارضة بعد خسارة الانتخابات    إصابة 4 أبناء عمومة بينهم سيدتان في مشاجرة بسوهاج    طائرات جيش الاحتلال تهاجم مباني تابعة لحزب الله في جنوب لبنان    مباريات اليوم.. مواجهة في الدوري المصري.. وبرشلونة يلتقي مع فالنسيا    بفرمان من الخطيب.. كواليس توقيع عقوبة قاسية على السولية والشحات.. فيديو    أحمد المرسي بعد فوز باسم خندقجى بجائزة البوكر: فوز مستحق لرواية رائعة    اتحاد الكرة : عدم أحقية فيتوريا فى الحصول على قيمة عقده كاملا ومن حقه الشرط الجزائى فقط والأمور ستحل ودياً    اليوم.. اجتماع «عربي – أمريكي» لبحث وقف الحرب في غزة    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    عمر عبد الحليم ل«بين السطور»: فيلم «السرب» أثر في وجداني ولن أنساه طيلة حياتي    صحة قنا: خروج 9 مصابين بعد تلقيهم العلاج في واقعة تسرب غاز الكلور    أدعية للحفظ من الحسد وفك الكرب والهم.. رددها لتحصين نفسك    أسماء.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدًا الجمعة المقبل    ما المحظورات التي وضعتها "التعليم" لطلاب الثانوية خلال الامتحانات؟    المندوه: كان يمكننا إضافة أكثر من 3 أهداف أمام دريمز.. ولماذا يتم انتقاد شيكابالا بإستمرار؟    «ايه تاريخك مع الزمالك».. ميدو يهاجم مصطفى شلبي    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    سامي مغاوري يكشف سبب استمراره في الفن 50 عامًا    ختام فعاليات مبادرة «دوّي» بكفر الشيخ    عمره 3 أعوام.. أمن قنا ينجح في تحرير طفل خطفه جاره لطلب فدية    شاهد صور زواج مصطفى شعبان وهدى الناظر تثير السوشيال ميديا    بعد عامين من انطلاقه.. برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    السفيه يواصل الهذيان :بلاش كليات تجارة وآداب وحقوق.. ومغردون : ترهات السيسي كلام مصاطب لا تصدر عن رئيس    فهم حساسية العين وخطوات الوقاية الفعّالة    العناية بصحة الرموش.. وصفات طبيعية ونصائح فعّالة لتعزيز النمو والحفاظ على جمالها    «حياة كريمة».. جامعة كفر الشيخ تكرم الفريق الطبي المشارك بالقوافل الطبية    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    دعاء في جوف الليل: اللهم جُد علينا بكرمك وأنعم علينا بغفرانك    مصرع شاب في انقلاب سيارة نقل بالوادي الجديد    ربان الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مصر يحتفل بعيد الشعانين ورتبة الناهيرة    البابا ثيودروس الثاني يحتفل بأحد الشعانين في الإسكندرية    بالصور.. الوادي الجديد تستقبل 120 طالبًا وطالبة من كلية آداب جامعة حلوان    طريقة تحضير بودينج الشوكولاتة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"تل العقارب وجبل عز".. عشوائيات برائحة الموت
نشر في المسائية يوم 09 - 01 - 2016


تصوير: أحمد الشيمى
في مكان حيوي يعج بأطياف مختلفة من البشر لوجود أكثر من صرح مهم به من مستشفيات ومشرحة زينهم وغيرها الكثير توجد منطقة تفتقر إلى الآدمية بكل المقاييس،الدخول إليها للوهلة الأولى تشعرك بالنزول إلى القبور، وإن كانت القبور أكثر آدمية وأقل وحشة،فرائحة الموت تنتشر حولك في كل مكان، بداية من تلك الشروخ الواسعة التي تخترق المنازل وتهدد بسقوطها،وانتهاء برائحة الصرف الصحي وأكوام القمامة المنتشرة في كل مكان، فضلا عن وجوه الأهالي التي يبدو عليها الشحوب من كثرة ما يعانونه من أمراض..انها "تل العقارب وجبل عز" بحى السيدة زينب،فلم يتخيل أحد أن يوجد بقلب قاهرة المعز إلي الآن مناطق عشوائية ومهمشة لم تستطع الحصول على أبسط حقوقها فى المتطلبات الرئيسية للحياة من صرف صحى وكهرباء وماء،علي الرغم من أن مساحتها صغيرة لا تتعدي ال200 فدان،ومن السهل جعلها كغيرها من المباني المتراصة حولها من جميع الاتجاهات،وجعل أهلها يعيشون بطريقة آدمية وخلق جيل صالح منهم،ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه،فمنازلهم تهالكت بعد زلزال 1992ومن وقتها وأهلها يعانون الامرين وطرقوا كل الابواب دون مجيب،مما اضطرهم الأمر في النهاية الي الاعتماد علي أنفسهم في كل شيء بداية من ترميم منازلهم المصدعة،وازالة القمامة التي تنبعث منها روائح فجة،وكذا تراكم مياه الصرف أمام البيوت،والقضاء علي آلاف العقارب والثعابين قدر الامكان التي أصبحت جزءا أساسيا من المكان حتي أطلق عليها هذا الاسم.
ومع مرور الزمن أصبحت المنازل آيلة للسقوط ومنها ما سقط بالفعل مما اضطرهم لصنع عشش بأيديهم للاقامة بها خالية من أي مرافق تذكر،فقط أربعة جدران تحميهم من أعين من حولهم من البشر، وبعد سنوات بح فيها صوتهم تم الاستجابة لصرخاتهم باصدار رئاسة حي السيدة زينب بمحافظة القاهرة قرارا بفض وهدم منازلهم، ونقلهم إلى مساكن جديدة بمدينتي بدر و6 أكتوبر،وبالفعل قام موظفو الحي بإجراء عمليات حصر »العشش« وأعداد السكان وتم عمل هدم لبعض المنازل،الا أن هذا القرار قوبل بالرفض من جانب سكان المنطقة لان القرار جاء بشرط ان يسكن كل أسرتين في شقة واحدة مساحتها 42 مترا،وأن يتم نقل كبار السن إلى دار مسنين،وأن المطلقة أو الأرملة لا يحق لها الحصول على شقة تعيش فيها،بالاضافة لبعد المكان عن مصدر رزقهم ومدارس أولادهم وغلاء المعيشة…حرصت "الاخبار المسائي" علي التواجد بينهم وقضاء يوم كامل معهم.
حنفية عمومية واحدة لسكان المنطقة كلها
علي مدخل"تل العقارب" سيدات يجلسن في حلقة دائرية كما لو كن يعقدن للسمر، وأطفالهن واقفون خلفهن أمام بناية بها ثلاثة صنابير للمياه،،تقوم احداهن بملء جراكن لا حصر لها متراصة بجوار بعضها البعض استعدادا لحملها فوق رأسها لغرفتها، واخريات حاملات الاواني بايديهن في طابور منتظرات دورهن حتي ينظفنها، ومنهن من يجلسن علي أكوام من الطوب لبيت تمت ازالته خلف "حنفية" المياه.وعلي الجانب الآخر اطباق بلاستيكية مليئة عن آخرها بملابس متسخة تقعد سيدة علي كرسي بلاستيك صغير يعلو الطبق بشيء بسيط ظهرها محني عليه كي تكون علي مقربة من الطبق وتتمكن من غسل ملابسها هي وأطفالها.
أقتربت منهن لسؤالهن عن سبب عدم فعل هذه الاشياء في بيوتهم قالوا بنفس واحد:"الونش كسر الماسورة وهو بيشيل البيوت القديمة واشتكينا كتير بس محدش راضي يصلحها بحجة اننا هنمشي وبقالنا شهر علي ده الحال ومعندناش نقطة ميه في اوضنا عشان كده لمينا فلوس من بعض وصلحناها علي حسابنا".
حوار ضيقة لايتجاوز عرضها المترين،لا تسمح بمرور اكثر من فرد واحد،مزينة بحبال الغسيل بطول وعرض الشارع بدلا من الزينة،مليئة عن آخرها بالقمامة كما لو كانت مكانا لجمع المخلفات،البالوعات مفتوحة بدون غطاء تفج منها رائحة الصرف الصحي،زريبة للمواشي التي تقوم بالتجول وسط البيوت المجاورة لها وكأنها من سكان المكان،كنب متهالك وكراس خشبية شبه معدمة متكئة علي جدران البيوت يجلس عليها السيدات وكبار السن عندما يريدون الترويح عن أنفسهم رويدا بعيدا عن رائحة مياه المجاري الكريهة، ترابيزة "سفرة" قديمة وكبيرة تتوسط الازقة عليها بطانية ممزقة فوقها عضمة خروف او ماعز في منتصفها يعف عليها الذباب بدلا من الزهور يستخدمها الشباب في لعب "بلياردو" للترفيه وتعتبر لعبتهم المفضلة لتفريغ طاقاتهم فيها وفي نفس الوقت عدم دفع اي نقود تذكر لانها من صنعهم، خلفها جراج للعربات المتهالكة تماما ومخلفاتها، أما الأطفال فيتمثل ترفيههم باللعب في مياه الصرف الصحي والقمامة وسرنجات المدمنين الملقاة في الشوارع والتي ينتقل من خلالها فيروس سي.
حالة يرثي لها ذلك الوضع الذي يأبي حتي الحيوانات ان يكون مكان اقامتهم به، شيء أشبه بالبيوت عبارة عن اربعة ادوار كل دور به ثلاث غرف متلاصقة،بمجرد دخولك الغرفة تشعر بأنك في مقبرة للموتي أو عشش للفراخ، سقفها من عروش الخشب أو أكوام من القش أو طبقات من الكرتون،ومنها من لا سقف له،فاتخذ من بطانيته درعا واقيا من الزخات التي لا ترحم أحدا،أرضها من الطين اللبن لدرجة أنك تري التراب من تحته،كل غرفة تسكنها أسرة بأكملها مكونة من زوج وزوجة وأطفال وسرير وغسالة وبوتاجاز ونملية معلقة في الحائط لوضع الاواني عليها،وغسيل هنا وهناك،وبعض الغرف لم تتسع لوضع متعلقاتهم داخلها "البوتاجاز والغسالة"فيقومون بوضعها في مدخل الدور الذي يقيمون به،وأخري لم تتسع حتي لوضع سرير ينامون عليه فيضطرون لافتراش الأرض ليلا، هذه الغرف مفتوحة علي بعضها لعدم وجود باب لها حتي قام السكان بعمل باب خشبي متحرك لغرفهم يضعونه ليلا ويزيلونه نهارا،كل هؤلاء يجتمعون معا في حمام واحد مشترك لقضاء حاجاتهم أشبه بحمام المراحيض أو أسوأ،والمنشر في الطرقات،الممرات الضيقة بين الغرف استغلها الأهالي كمنشر للغسيل. سلالمها لا تصلح للصعود عليها كونها ضيقة وبلا سور وتخفي بين ثناياها كسورا عدة.
لذا تجد معظمهم مصاب بأمراض الكساح وحساسية الصدر وروماتيزم القلب والتهاب الكبد الوبائي بسبب ضيق المنازل والشوارع وانعدام التهوية وحرمانهم من دخول الشمس مساكنهم ومستوي النظافة المتدني،واختلاطهم المستمر بالكلاب والقطط المنتشرة في كل مكان.
هذا ما أكدته ماجدة صلاح :جوزي عنده حساسية وقاعد من الشغل ومعايا بنتي مطلقة واحنا علي باب الله،عايشين ب150 جنيهاً معاش، ولما عرفت اننا هننتقل فرحت وقلت خلاص هخرج من الأوضة اللي زي التربة دي ويبقي عندى شقة تدخلها الشمس ومطبخ منفصل بدلا من المطبخ الشرك،بس يافرحة ما تمت الحكومة عايزة برضوا تخلينا شرك تاني،كل اسرتين في شقة طب ازاي اقعد انا وبنتي في مكان مع راجل غريب وازاي جوزي يقعد مع مرات جاره في نفس الشقة.
من الصعب ان يكون أطفال في عمر الزهور تتجسد احلامهم في حمام خاص بهم هذا ما قاله الطفل أحمد الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره عندما سألته نفسك في ايه :"عايز حمام لوحدي الدنيا برد وعشان استحمي لازم اروح عند الحنفية العمومية في الشارع وببقي مكسوف عشان الناس بتتفرج عليا"
فايزة صلاح: انا جوزي مريض وبيغسل كلي ومعايا 3 اولاد وملناش مصدر رزق وبشتغل في المدبح ببيع فشة وكبدة،مشكلتي دلوقتي ان الحي مش راضي يديني شقة لوحدي نعيش فيها والمحافظة بتجبرنا علي المشي وعمالة تهد،طب اعمل ايه ونروح فين،ومبقاش ينفع نعيش هنا لان كل الظروف بتسبب الموت ان مكنش من الماس الكهربائي يبقي من لدغة العقارب والتعابين.
سيدة صلاح:انا ارملة ومعايا 3 عيال رحت الحي استلم الشقة قالي اسمك جه غلط وملكيش حاجة عندنا،طب اعمل ايه المطر لما بينزل بيعدي من الاسطح الخشبية الكرتونية اللي احنا عملناها ومفيش ميه وعاملين طرنشات عشان نقضي حاجتنا عشان كده الريحة وحشة في المنطقة كلها وبقينا مش قادرين نقعد من ريحة المجاري في اوضنا، ده غير ان المطرة بتغرقنا واحنا نايمين،واذا كان الناس بيجيلها كحة وشوية برد في الشتا وتخف احنا بقي الشتا بيجي علينا ناس بتروح مننا لانهم مش بيستحملوا البرد والتلج اللي اتكتب علينا،يرضي مين ده الناس بتموت عشان الجو ساقعة.
بخيتة بطرس:بقالي 20 سنة عايشة هنا في المكان ده يعني قضيت عمري هنا وبطاقتي علي سوهاج ولما رحت الحي رفضوا يدوني شقة بحجة انهم عايزين البطاقة تكون علي القاهرة،وانا علي باب الله وببيع عرقسوس،اروح فين واجي منين،وده حالنا كلنا،الناس هنا تعبانة ومش لاقية تاكل،احنا عايشين في عشش وخرابات وحالتنا ضنك ومش لاقيين حد يسمعنا.
ياسمين سيد محمد:الحي عايز يسكن كل اسرتين في شقة واحدة مساحتها 42 متراً ولما اعترضنا كان الرد"انتوا كده كده قاعدين في أوضة ايه يعني لما كل عيلتين يسكنوا في شقة"،يعني انا دلوقتي كنت متجوزة ومعايا شابين واحد عنده 19سنة والتاني20 سنة واتطلقت واتجوزت مرة تانية ومعايا طفلين،الحي رفض يدي طليقي وعيالي منه شقة وقال يقعدوا معايا طب ازاي اقعد مع طليقي وانا متجوزة واحد تاني.
قصة يندي لها الجبين تلك التي قصها علي أهالي المنطقة حيث قالوا بصوت مليء بالدموع كان لينا واحدة جارتنا اسمها نجاح بيومي عندها70سنة توفي زوجها ولم تنجب،وحالها زينا كده،راحت للحي لسؤالهم عن شقة للاقامة بها بدلا من الغرفة التي قاموا بهدمها ومعها بطاقتها وعقد شقتها التي تثبت ملكيتها للمكان فكان جوابهم"انتي واحدة عايشة بطولك هتعيشي في دار مسنين وهنتكفل بالفلوس" لم تستطع تحمل الصدمة حتي لفظت انفاسها الأخيرة علي باب الحي،مين يقول إن واحدة تموت عشان اربع جدران وسقف.
محروس عبد الحميد:انا سافرت البلد ازور ولدتي رجعت لقيت البيت كله اتهد ماعدا الأوضة بتاعتي ومفتوحة ومسروق منها أجهزة كهربائية ومكبرات صوت وموبايلات بصلحها ولما رحت الحي اشتكي واطالب بشقة قالوا العازب ملوش شقة عندنا مع اني معايا عقد باسمي يثبت ملكيتي للمكان طب اروح فين هما لما هيهدوا البيوت دي ويبنوا بدالها عمارات جديدة مش هيسكنوها يعني بيسرقونا عيني عينك واحنا لا حول لنا ولا قوة،ولما هما مش هيدوني شقة بيهدوا الأوضة بتاعتي ليه.
زينب طارق: احنا هنا عايشين تحت خط الفقر لا نور ولا صرف صحي ولا ميه،المنطقة كلها عايشة علي حنفيتين كل حنفية لها موتور لضخ المياه،والحمد لله راضيين وساكتين لكن دلوقتي مينفعش نسكت لان الأوض ابتدت تتهد وانا خايفة اروح فين لان الحي قال ملكوش شقق عندنا مادام اخوكي مش متجوز،كل ده لان سني 19 سنة واخويا 23 سنة ومش متجوزين وعايشين في أوضة جدي،ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
من رحم الالم وربما اليأس ينسج الناس هنا صبرا مداده نسيج أهون مما يخيطه العنكبوت،فهذه سيدة حملت من المرارة والألم اكثر مما حملته في بطنها فوضعت رغيف العيش علي الكفة علها تزن شيئاً يغالب رمق الجوع، تحدثت بصوت خافت يملأه الاسي: جوزي خبطته عربية وقاعد عاجز ومعاشه 93 جنيهاً وأنا كمان عندي عجز في دراعي اليمين ولا بقدر أغسل ولا عندي غسالة ولا عندي أي حاجة ونايمة علي فرش أوضة اعطوها لي ومعايا 7 أولاد اضطريت استلف فلوس من ناس واشتريت شوية بيض وجبنة ببيعها عشان اربي العيال من اللي بيطلعلي وانا ورزقي مرة 20 أو 30 جنيهاً حسب تساهيل ربنا وجوزي قاعد يشحت عند المترو جاب 20 جنيهاً جابها ماجبهاش بيرجع زي ما خرج، أروح فين انا واولادي نترمي في الشارع يعني ولا اسرحهم وما اربيهمش.
هنا أيضاً رجال لم ينسوا الزمن الذي ربما نسيهم فقال عم هلال انا قاعد هنا من 58 والحال زي ما هو مفيش تغيير وعندي سرطان وورم علي المثانة وباخد معاش 260 جنيهاً اعمل بيه ايه ايجار ولا شرب ولا علاج،اديكي شايفة انا نايم وسط القطط والكلاب وشوية كراكيب…اللا شيء حين يصبح كل شيء تلك اذن المعادلة التي احاطت باسوارها حقوق وامال هؤلاء.
لا يختلف الحال كثيرا في"جبل عز"التي تتداخل حدودها مع تل العقارب،فهي تبعد أمتارا قليلة عن محطة مترو السيدة زينب،يحلم أهلها بحياة آدمية كغيرهم من المواطنين الذين ينعمون بجميع الخدمات في المناطق القريبة منهم،يقع اسفل الجبل منطقة سكنية بيوتها "العشش" ليست متلاصقة لأنه تم انشاؤها بطريقة فوضوية،حتي تكاد تري من أعلي الجبل ما بداخل العشش التي تقترب منك، غرفها ذات اسقف خشبية منخفضة لاترتفع كثيرا عن سطح الأرض وبدون أساس،حارات وازقة ضيقة للغاية،وعلى سفح الجبل أكوام من القمامة والطوب يمرح فيها العشرات من الماعز،الظلام الدامس يخيم علي الجبل بأكمله لعدم وجود أعمدة للإنارة مما ساعد علي انتشار السرقة والبلطجية،حمامان عموميان فقط يتناوب عليهما كل من يقطن الجبل، حنفية واحدة لهم جميعاً، الصرف صحى لا وجود له، حياتهم بسيطة فالنساء بدينات يرتدين عباءات قطنية، ويعقدن رؤوسهن ب"إيشارب" قصير، يقضين يومهن إما في غسل ملابسهن في الحمام العام، أو تربية الأغنام والطيور، الأطفال اما يمتهنون مهنة للكسب منها ومن ثم الانفاق علي أسرهم أو اللعب فوق الجبل،كل هذا يجعلهم مهددين بالموت فضلا عن ان اقرب مستشفي لهم تبعد عنهم 7 كيلو مترات. إحدي القاطنات:"كل اللي بنحلم به حنفية وحمام ومكان يسترنا ونحس فيه بالخصوصية، إحنا تعبنا وقسينا كتير والفقر اخد مننا رقات أقل تقدير للعيشة دي اننا نرتاح ولا احنا مكتوب علينا الشقي طول عمرنا"..كلمات بسيطة لكنها تحمل في طياتها الكثير الذي يجعلك لا تريد ترك المكان الا ووجدت لهم حلاً.
فوزية سليم: أنا عايزة امشي من هنا بقالنا سنين بنقول احنا بنموت هنا ومفيش حد بيسمع، بيوتا بقيت عشش ولما بيحصل حريق فى المنطقة صعب عربية المطافى تدخل عندنا عشان الحواري ضيقة، وكل ما نروح لرئيس الحي يقول إن شاء الله ربنا يسهل مفيش شقق دلوقتي، ولما قلنا خلاص ربنا فرجها وهناخد شقق عرفنا ان مش الناس هتاخد وكمان هنعيش مع بعض برضو زي هنا طب نروح لمين.ربة منزل:المطرة اللي فاتت كنا نايمين علي الأرض انا والعيال لقيت وشي وجسمي اتبل ميه لان السقف باش من كتر المطرة والحصيرة وهدومنا عامت في الميه فكرت اخد ولادي ونروح عند حد من الجيران بس ساعتها قلت كلنا زي بعض،كل اللي عاوزينه مساكن في اماكن شعبية تناسب ظروفنا المادية،مش حدفنا في الصحرا ويقولوا تعالوا اسكنوا.التسلل الي البيوت والصعود الي الطوابق معاناة تجبرك ان تحني ظهرك حتي لا يرتطم رأسك بسقف ويلتصق جانبك بحائط،كل هذا اصابتهم بأمراض لا حصر لها خاصة ذوي الإعاقة منهم وكبار السن الذين تنفلت أقدامهم من علي سلالم منازلهم فيسقطون مرضي علي فراشهم نتيجة الكسور التي لحقت بهم،فهذا رجل يرقد علي سريره الذي يبعد عن الحائط حوالي مترين وترقد قطة بجواره يقول:عندي امراض كتير وباخد دوا قد كده ومبقيتش اقدر امشي ولما بحب اخرج بره الأوضة ولاد الحلال بيشلوني،واحد زيي يروح أكتوبر ولا بدر ازاي وهاعمل ايه هناك،الناس اللي راحوا من هنا بيقولوا إنهم قاعدون في صحرا علي طريق الواحات ومفيش مواصلات والبلطجية بيفرضوا عليهم اتاوات. واستكمل "جاره" السيد هيكل:عاوزين نطور ونعيش بنظافة، بقالنا سنين هنا عاوز أمشى هقعد فى أوضة طول عمرى، مطالباً بهدم المنازل والعشش القديمة وبناء وحدات سكنية غيرها للأهالي، أو تمليك الأهالي لأراضي المنطقة، والسماح لهم ببناء منازلهم بانفسهم.مأساة حقيقية يعيشها سكان "تل العقارب وجبل عز" الذين رضوا بهذه العيشة المهينة،فلا وجود لحرمة المنازل عندهم،يفتقرون لابسط الأشياء الطبيعية التي لايمكن الاستغناء عنها في أي بيت،حتي أصبحت بيوتهم مأوي للعقارب والثعابين،كل هذا خلفه الفقر وضيق ذات اليد وعجز من حولهم عن مساعدتهم والنظر اليهم بعين الرأفة والرحمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.