وشهدت حديقة منزل إيطالي صغير طلقات رصاص الجنود تنطلق مرة واحدة لتصيب هدفين اثنين، اقصد هدفاً واحداً، فقد تحول الدوتشي ومعه كلارا إلي واحد لا يتجزأ زعيم إيطاليا الأشهر صاحب الصحائف السوداء موسوليني يعلم الجميع في شرق وغرب أنه كان ديكتاتورا فاشيا مستبدا بغيضا لكن الإيطاليين كانوا يروون فيه رب أسرة وأباً مثالياً وظلوا يتهمون قوات الحلفاء المنتصرة بأنها هي التي شوهت مسيرته ومسخت صورته ودنست اسمه وظل الأمر كذلك إلي أن تسربت إليهم شائعة سرعان ما سرت في كل أنحاء إيطاليا وتأكدت حقيقة عن وجود عشيقة لهذا الموسوليني الذي لا يعرف الحب اسمها كلارا فاتنة ساحرة خلابة، زامن ذلك أن بدأت تتغير الأمور في غير صالح الزعيم إذ بدأ سيفه يصدأ وقلاعه تتهاوي ومقاومته تنهار تحت وطأة زحف الحلفاء في شمال إيطاليا وكذلك تحركت ضده المقاومة السرية في كثير من أنحاء إيطاليا وبدأ حب الإيطاليين له يتحول إلي كره شديد وأصبحت أمجاده التي ترنموا بها سابقاً مجرد طبل أجوف وتحول الهتاف بحياة الدوتشي والفاشية إلي صيحة عارمة تنادي: اقتلوا موسوليني الذي قاد إيطاليا إلي الهلاك.. اشنقوا هذا الكلب الذليل الذي تمسح في عتبات هتلر في ميدان روما الكبير. ضاق الخناق تماماً علي موسوليني واقتربت الحلقة من رقبته وأصبحت نهايته وشيكة وأخذ ينتقل هارباً من مدينة إيطاليا إلي أخري ومن قرية إلي قرية محاولا الفرار في اتجاه ألمانيا في حراسة من جنود حليفة هتلر الذي لم يكن تحدد مصيره هو الآخر حتي تلك اللحظة وتجاهل صديقته كلارا ونبذها كلية من دنياه وأخبرها أن تذهب بعيداً عنه وأهانها بأن واجهها بأنها أصبحت أشبه بقطعة قماش مبتلة لا يمكن أن يرتديها وعليها أن تقيم بعيداً عنه ورفض أن يلقاها استجابة لتوسلاتها فماذا فعلت هي? عذرته بسبب محنته واسترجعت أيامها الحلوة معه حين كان هشاً باشاً رقيقاً مجاملاً، فرفضت أن تقابل الجفاء بجفاء وارتفعت بحبها له فوق كل ردود الأفعال وحاولت أن تهرب معه وأن تشاركه مصيره المجهول، وكان يرصدها أعداء موسوليني فاتصلوا بها عارضين عليها أن تدل علي مكانه وأن تبوح بأسراره مقابل رعايتها وحمايتها، وكان موسوليني يعتقد واهماً أن مليون إيطالي من رجال وشبيبة الحزب الفاشي الذين رباهم علي السمع والطاعة وترديد أناشيد التمجيد له صباحاً ومساءً سوف يخرجون إليه يفتدونه بالروح وبالدم، ولكنه جهل أن الذين يتعلقون في ذيل الحكام ويشيدون بحكمتهم وعظمتهم هم دائماً أول من يهربون عند الفزع ويهرولون سراعاً إلي السلطة الجديدة وأن الحماس الشديد دائماً يخفي خداعاً أشد لأنه سمات المنافقين والمتطلعين والانتهازيين والمرتزقة في كل زمان ومكان وهكذا بات الزعيم الأوحد والأذكي والملهم بوحي السماء وحيداً أعزل بعد أن انفض من حوله الأشياع وتمزقت أقنعة النفاق. ولكن كلارا تنكرت في زي رجل واستقلت سيارة شعبية وهربت وراء موسوليني وقبض رجال المقاومة الإيطالية علي موسوليني وهو متنكر في زي جندي ألماني في قاع سيارة في نفس اللحظة التي كانت سيارة كلارا قد لحقت به وبينما كل الأصوات كانت تهتف بالموت له كان صوت كلارا وحده يهتف ضائعاً بين هدير بعثة الأصوات: يحيا موسوليني.. يحيا الدوتشي.. يحيا زعيم إيطاليا!! وظلت تصرخ في وجوههم: خذوني معه.. اقتلوني معه.. لن أتركه فهو حبي.. وقدري.. ومصيري هو مصيره!! واعتقلوها معه وعندما تقدم أحد الأفراد ليسحب موسوليني لتنفيذ حكم الإعدام فيه رميا بالرصاص هرولت كلارا مسرعة لتقف إلي جواره ملتصقة به وشهدت حديقة منزل إيطالي صغير طلقات رصاص الجنود تنطلق مرة واحدة لتصيب هدفين اثنين، اقصد هدفاً واحداً، فقد تحول الدوتشي ومعه كلارا إلي واحد لا يتجزأ، ودخلت كلارا التاريخ كواحدة من أشجع ما عرفت حكايات القلوب التي خرجت من بين طيات زمن رديء كان البطل فيها أكثر رداءة، كان لايستحق حب كلارا ولا حب الإيطاليين.