أثارت الخطوة التي قام بها رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بالتقدم بمشروع قانون إلى مجلس الوزراء يجرم بموجبه كل من يعمد إلى إهانة وسب الثورات، التي شهدتها مصر، ويعتبره فعلا يعاقب عليه القانون، جدلا واسعا بين أوساط النخب والمواطنين العاديين، بشأن دلالات ودوافع إصدار مثل هذا القانون، في مثل هذا التوقيت. وعلى الرغم من أن هذا القانون عام يشمل كل الثورات التي شهدتها مصر، وليس ثورة بعينها، فإن القاصي قبل الداني يعرف جيدا أن هذا القانون يستهدف بالأساس من يسبون ثورتي 25 يناير و30 يونيو. وعلى الرغم من أن الثورتين كانتا ثورتين شعبيتين، فإن هناك دائما طرفا لا يرضى عما أنتجته، أو أطاحت به الثورة، حيث قامت ثورة 25 يناير، ولم يرض عنها عدد من النخب، التي رأت فيما حدث مؤامرة خارجية، للنيل من مصر، وإسقاط الدولة، وليس النظام، بينما رأى الفصيل الإسلامي في ثورة 30 يونيو فعلا مخابراتيا، يستهدف الإطاحة بالرئيس المعزول، ولا يعترفون بالملايين، التي غمرت الشوارع، منذ هذا الوقت. وسنحاول في السطور المقبلة أن نعيد التذكير بأفراد النخب الإعلامية والصحفية والفنية، الذين كان لهم موقف مضاد لثورة 25 يناير، منذ اللحظة الأولى، والذين بالتأكيد ستطالهم المظلة العقابية للقانون الجديد، في حال دخل حيز التنفيذ، وفي حال استمروا في مواقفهم المضادة لثورة 25 يناير. في مجال الإعلام لا يمكن أن نتطرق في حديثنا عن الإعلاميين الذين عادوا الثورة، دون أن نشير إلى توفيق عكاشة رئيس قناة الفراعين الخاصة، الذي اتسمت مواقفه من الثورة بالتضارب، فتارة يقول عن نفسه إنه كان أحد صناع هذه الثورة، وتارة أخرى يتهم من يصف 25 يناير بالثورة بأنه عميل وخائن للوطن، وتارة ثالثة يقول إنها نكسة ضربت أرض الوطن، واستهدفت هدم الدولة المصرية. أما أحمد موسى المذيع بقناة صدى البلد، والصحفي بجريدة الأهرام، فقد تباينت مواقفه، بين تأييد ثورة 25 يناير في مقالاته بالأهرام، عقب قيام الثورة، ثم وصفها بالمؤامرة في حلقات برنامجه فيما بعد، إما بالتصريح، أو من خلال انتقاء ضيوف لهم مواقف مضادة للثورة. أما الكاتب الصحفي مصطفى بكري، والمذيع بقناة صدى البلد، فلم يسب ثورة يناير صراحة، ولكنه كان يرى أنها تم استغلالها بالكامل من قبل جماعة الإخوان المسلمين، التي سيطرت عليها في أيامها الأولى. أما الإعلامية في قناة صدى البلد رولا خرسا، فقد أعلنت رفضها لثورة يناير صراحة، وبصورة مباشرة، مؤكدة أنها كانت مجرد حركة احتجاجية قفز عليها تنظيم الإخوان، وأطلقوا عليها ثورة، وأنها قامت من أجل تدمير الدولة المصرية. أخيرا وليس آخرا، يرى الإعلامي عبد الرحيم علي رئيس تحرير موقع "البوابة نيوز"، أن مشكلة الثورة ليست في الثورة، ولكن فيمن شاركوا فيها، حيث كرس الأخير نفسه منذ مدة لإذاعة تسريبات منسوبة لشباب ونشطاء شاركوا في ثورة 25 يناير، ليدلل على أنها كانت عملا مخابراتيا، لإسقاط الدولة. في مجال الفن رفضت الفنانة صابرين المظاهرات المطالبة برحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك، منتقدة هذه المطالب "للراجل الي حمانا على مدار 30 سنة". أما الملحن عمرو مصطفى، فقد أعلن، منذ الدقيقة الأولى لثورة يناير، أنه ضد ما يحدث، ويرفض رحيل مبارك، وكرس نفسه فيما بعد للهجوم على كل رموز هذه الثورة، واتهمها بالمؤامرة، التي وقفت وراء تنفيذها دول كبرى وشركات أجنبية. أما الفنان طلعت زكريا، فقد أخذ منحى آخر في هجومه على ثورة يناير، ألا وهو المنحى الأخلاقي، حيث اتهم المتظاهرين في التحرير بممارسة أعمال منافية للآداب، خلال أيام الاعتصام، وكان من أكثر مؤيدي الرئيس السابق حسني مبارك، وواظب على زيارته بين الحين والآخر. ولم تجد الفنانة سماح أنور حرجا فى أن تدعو ببرنامج "البيت بيتك"، خلال أيام الاعتصام في فبراير 2011، إلى أن يغلق عليهم الميدان، ويتم إضرام النيران فيهم جميعا، بينما رفض تامر عبد المنعم إطلاق مسمى الثورة على ما حدث في 25 يناير، مؤكدا أنه لا يوجد ما يسمى "الثورة مستمرة". في الوقت نفسه، قال الفنان محمد فؤاد، خلال أيام الثورة الأولى، إنه سوف يعتزل الغناء إذا تنحى الرئيس مبارك عن الحكم، ولكنه لم يفعل، في الوقت الذي رفض فيه الفنان أحمد بدير رحيل مبارك، وأخذ يبكي على الهواء ممن يطالب برحيله، مشككا في أعداد المتظاهرين المطالبين برحيله، موضحا أنه كان هناك دخلاء بين متظاهري التحرير، وأن من استمر في الميدان بعد يوم 2 فبراير "قابضين". في مجال الصحافة كان أسامة سرايا رئيس تحرير جريدة الأهرام في ذلك الوقت، من أشهر من عارضوا ثورة يناير، مؤكدا أن الرئيس مبارك لم يكن مسئولا عن القتلى الذين سقطوا، وأن "معركة الجمل" كانت معركة مفتعلة من قبل جماعة الإخوان المسلمين. أما مجدي الدقاق رئيس تحرير مجلة أكتوبر الأسبق، فهو يعتبر أن 25 يناير كانت بداية لسلسلة من الفوضى والإرهاب الذي شهدته مصر منذ ذاك الحين وإلى الآن، وأن مصطلح "الثورة مستمرة" ليس هو إلا غطاء لمخطط يصفه ب"القذر"، لتدمير البلاد. أما ممتاز القط رئيس تحرير جريدة الأخبار الأسبق، فقال إن من قام بثورة 25 يناير هم "شوية صيع وبلطجية"، وأنها ليست ثورة.