حلت الثقة محل الشك ، والامن محل الخوف ، وعرف الناس ان هناك حقا جماعة من المسيحيين - بينهم رجال دين - يدعون بإخلاص الي تقارب بين الديانات السماوية عموما ، وبين الاسلام والمسيحية بخاصة ، للوقوف جبهة واحدة امام اعاصير الالحاد والوثنية التي تجتاح هذا العالم. كنا لسنوات قليلة ، نتهم دعاة هذا التقارب ، او اكثرهم ، بأنهم اصحاب نيات خبيثة تنطوي عليها نفوسهم ، بينما تنطق السنتهم او تكتب اقلامهم اقوالا جميلة ، منمقة ، تستهوي مناظريهم وتوقعهم في شباك الكيد والغدر . اما اليوم فقد حلت الثقة محل الشك ، والامن محل الخوف ، وعرف الناس ان هناك حقا جماعة من المسيحيين - بينهم رجال دين - يدعون باخلاص الي تقارب بين الديانات السماوية عموما ، وبين الاسلام والمسيحية بخاصة ، للوقوف جبهه واحدة امام اعاصير الالحاد والوثنية التي تجتاح هذا العالم ، شرقه وغربه ، وشماله وجنوبه وتغوي كثيرا من ابنائه المؤمنين وتسلمهم الي ابليس وجنده ويتلاعبون بعقولهم وضمائرهم ويخرجونهم من الايمان ومثالته وسكينته الي الالحاد وقلقه وتشكيكه في كل القيم والمثل العليا فعلي الرحب والسعة ، ايها القادمون الينا من وراء اسوار التعصب الديني ، الذي كان يحول بينكم وبيننا ، لقد عرفنا الاسلام بكم وبين لنا ان اصولنا واحدة، وان الدين من عند الله واحد فلا يعقل ان يكون مختلفا .. وانما يأتي الاختلاف من صنع الناس . وبعد .. فقد دعاني الي كتابة هذه الكلمة ثلاثة امور - واكاد اقول " احداث " جديدة هي : اولا: وصية الشاعر المهجري الكبير رشيد الخوري ،المعروف باسمه المستعار : الشاعر القروي . ثانيا : كتاب ( اسطورة التجسيد ) الذي ألفه سبعة من رجال الدين المسيحي. ثالثا : قصة الملحد التركي الذي عاد الي الايمان بعد تجربة مخيفة . فالحدث الاول هو وصية الشاعر القروي . لا يجهل احد من المثقفين اسم الشاعر القروي رشيد سليم الخوري - فهو اكبر شعراء لبنان في المهجر ومن الذين جاهدوا بشعرهم جهاد الابطال في ساحات القتال، حاملا لواء العروبة ومكافحا اعداءها ، ومبشرا بأمجادها وداعيا الي وحدتها ونهضتها وعزتها ، وهو اليوم في الثالثة والتسعين من عمره وكان قد عزم الذهاب الي المملكة العربية السعودية ليعلن فيها اسلامه ، وكنا ننتظر قدومه علينا بين يوم ويوم ، ثم فاجأتنا الزميلة البيروتية ، ،،الحوادث ،، ويا لها من مفاجأة عظيمة - بنشرها وصية الشاعر القروي وقطعه من خطاب له في ذكري مولد النبي (صلي ) - وكان مضمون وصيته هو عظمة خلق السماوات والارض وتدبير الاكوان - اما عن خطبته في مولد الرسول ( صلي الله عليه وسلم ) عندما اقامت الجالية العربية في مدينة ساوباولو، عاصمة البرازيل حفلة في يوم المولد . فكان مما قاله .ايها المسلمون : لا تنكروا علي ان اتوجه إليكم بالموعظة فبني الاسلام بني العرب ، ولئن ولدت نصرانيا فان محمد (صلي الله عليه وسلم) قال : " من امن بنبيه وامن بي فله اجران ، ولان كنت قد اغضبتكم فلقد ارضيت رسولكم : " قل الحق وان كان مرا "ايها المسلمون : يولد النبي علي السنتكم كل عام ويموت في قلوبكم كل يوم ، ولوولد في ارواحكم لولدتم معه ولكان كل منكم محمد صغير، ولكان الخلق منذ الف سنه مسلمين ، ولالتقي الشرق والغرب من زمن طويل ، ولعقدت المادة مع الروح صلحا شريفا ابديا ، ولمشي العقل والقلب يداً بيد الي اخر مراحل الحياة ، ولتصافحت العقائد وتعانقت الاراء واجتمعت المذاهب قافلة واحدة في صعيد واحد ، ولشبعت البطون بلا تخمة ، واحرز الغني بلا سرقة ، وسبغت النعمة بلا بطر ورجحت العقول بلا تحجر ، ورقت القلوب بلا ميعان وانتصرت القوة بشرف وانهزم الضعف بلا عار ، ونعمت الروح بلا تضحية وتمتع الجسد بلا حرج ،ومهدت سبيل الخير حتي اثرها الاشرار ، وهانت تكاليف الصلاح حتي توخاها الطالحون . اما عن الحدث الثاني . الكتاب المثير الذي كتبه سبعة من علماء اللاهوت في انجلترا ، ومن ابرزهم استاذ في جامعه اكسفورد " موريس وايلس " وزميله " دينس ناينهام " هذا الكتاب تحدثت عنه صحيفة " درشبيجل " الالمانية ، وقالت ان نسخه نفدت كلها في لحظات ثم اعيد طبعه ، وقد اثار صدوره ضجة كبيرة في الاوساط الكنسية والدينية في بريطانيا العظمي وخارجها ، لعظمة ما تناوله عن الشرائع السماوية ودين الاسلام . اما عن الحدث الثالث والاخير وهو قصة الملحد .. وقد يكون عنصر الطرافة فيها غير ثابت ، ولكنني سمعتها في هذه الايام ، من فم صديق من استانبول ، ومن هنا كانت طرافتها في نظري - قال صديقي : كان الدكتور " أ " ملحدا ، وداعية الي الالحاد ، يكره الديانات كلها ويجتهد ما استطاع في تشكيك كل مؤمن في ديانته ويجد في ذلك لذة لا تعادلها لذة . وتزوج فتاة جميلة ، وانجبت له فتي وسيما ذكيا ، ولكنه بدأ "يمارس هوايته " علي زوجته التي كانت تصلي وتصوم وتزكي . ولما عجز عن فتنتها عن دينها وعبادتها وصومها وصلاتها ، اخذ يضايقها . ويدس لها الوانا من " العقاقير " ليضعفها ويحول بينها وبين الصلاة والصوم .. فمرضت مرضا شديدا واصبحت تفكر في الموت وهي راضية ، لانها كانت تحلم بالجنة .. وتتحدث عنها .فأذاه ذلك ، ووجد في مرضها فرحته السانحة ، فراح يقول لها ان الانسان الذي يموت يصبح رمة بالية . تأكله الحشرات ان لم تأكله الارض ولن يبقي منه شيء . فهو يفني فناء كاملا ، فكيف يبعث حيا بعد فنائه؟ وماتت زوجته في غمرة الصور المرعبة التي نسجها من حولها اشنع ميتة . وجاء ابنه الصغير من مدرسته الريفية التي كان يقيم في قسمها "الداخلي" خلال مرض امه - وعرف بموتها ، فبكاها وحزن عليها كثيرا . ثم وجد لنفسه سلوي وعزاء فيما كانت امه تقصه عليه من اوصاف الجنه التي اعدها الله سبحانه وتعالي لعباده المؤمنين ، فقال يوما لأبيه . انا حزين لغياب امي . ولكنني سعيد ايضا لانها سعيدة في جنه الخلد . اغضب ذلك الاب ، فشتم ابنه وضربه واخذ يعلمه ان الميت طعام للحشرات وان الجنة وهم خادع ...الخ وبدأ الطفل يتصور امه في قبرها . رمه تأكلها الحشرات فما عاد يملك لنفسه راحة ولا نوم ولا يسيغ طعاما ولا شرابا . فهزل والح عليه الهزال حتي مات ، وهو يرتعد خوفا من الصور التي صورها له ابوه الملحد . واخيرا ايقظ هذا الموت الضمير في نفس الملحد ، فيتساءل : ماذا صنعت ؟ كانت لي زوجة راضية مرضية فأشقيتها وماتت من الرعب ، وكان لي طفل جميل ذكي ، تعزي بصور الايمان المشرقة ، عن موت امه . فسلبت منه عزاءه وسعادته وقتلته - فماذا صنع الالحاد الذي ادعو اليه ؟ لم يصنع الا الشر والخوف والهلاك ، واراد ان يكفر عن ذنبه فانفق ماله في بناء المدارس الدينية والمساجد وانشأ كذلك سبيلا . اي مورد ماء صاف يأتي اليه الناس جماعات وفرادي من اماكن بعيدة فيقرأون علي لوحة من المرمر تعلوه هذه الكلمات . ( انشأ هذا السبيل رجل كان ضالا شريرا ، ملحدا ، ثم تاب ، وهو يلتمس من كل من يشرب من هذا السبيل ان يدعو الله سبحانه لا ان يدخله الجنة التي لا يستحقها . ولكن ان يخفف عنه العذاب ) ايحتاج احدنا الي مثل هذه التجربة ليعرف شرور الالحاد . وليعرف ان سلب الناس ايمانهم هو سلبهم سعادتهم في الدنيا والاخرة؟ فلندع لكل انسان ايمانه وسعادته ولندعه علي دينه ، ان كان تشكيكنا في دينه يسلبه الايمان وينقله الي دين اخر .