بهاء طاهر في معهد ثربانتس : الأدب أنجح من التاريخ في كشف حياة الشعوب الأديب والكاتب بهاء طاهر محيط – شيرين صبحي نظم المركز الثقافي الأسباني بالقاهرة، لقاء مع الكاتب الكبير بهاء طاهر، ضمن سلسلة من اللقاءات الفكرية التى ينظمها المعهد تحت عنوان "لقاءات أدبية مصرية أسبانية". في البداية أكد طاهر أن هناك أوجه لقاء كثيرة بين الثقافة العربية والأسبانية، فنحن منذ بدأنا القراءة تأثرنا كثيرا بالكتاب الأسبان أولها عمل ثربانتس "دون كيشوت"، مضيفا "وأنا بشكل شخصي تأثرت بكثير من الكتاب وعلي رأسهم لوركا وذكرته كثيرا في روايتي "الحب في المنفي" وترجمت له بعض القصائد في هذه الرواية". وبدأ طاهر بقراءة جزء من روايته الفائزة بجائزة البوكر "واحة الغروب" وقدمت لها ترجمة بالأسبانية. الوعي بالكتابة يفسدها وفي سؤال عن طريقة الكتابة، قال طاهر إن عملية الوعي لا توجد بشكل متعمد قبل الكتابة، وأن الوعي بها شىء معطل للكتابة، حيث تتم بنوع من الانتقائية اكثر منها عن التصميم الواعي. وأضاف أنه أياً كانت الطريقة التي يلجأ اليها الكاتب هناك شىء مهم أنه بعد الكتابة الأولي هناك عملية التنقيح وإعادة الكتابة والتي اعتبرها هي الكتابة ذاتها، ولكن يقال أن شكسبير مثلا لم يشطب سطرا واحدا ألفه ولكن ليس هناك سوي شكسبير واحد. وأكد طاهر أن الكتابة هي عملية التنقيح أو ما قال عنه الشاعر الإنجليزي "ت. اس. اليوت" واحد في المائة إلهام، و99 في المائة عرق، حيث يكون بها جهد عمدي وتنقيحي لكي يتسق ما يظهر بالورق مع ما كان في ذهن الكاتب لحظة الكتابة. وبسؤاله إذا كان يتمني أن يشهد والده مراسم تكريمه وفوزه بالبوكر وغيرها من الجوائز، وكيف يكون شعور الأب بالابن وهو يجلس فوق منصبة التكريم، قال طاهر والدي توفي وأنا صغير من عشرات السنين وكان عاشقا للقراءة ولكن نوع معين منها من الدواوين القديمة وكتب الجاحظ وكتب التراث، لكني لم أره يقرأ مثلا أعمال طه حسين أو المازني، فلا أستطيع أن أعرف كيف يكون تذوقه لكتابتي، ولكن أتصور أنه كأب كان لابد يسعده أن ابنه في وضع طيب. وأضاف: كنت أتمني أن يكون موجودا وكذلك والدتي التي كانت معلمتي الأولي وتعلمت منها فن الحكي والتشويق في الحكي رغم أنها كانت أمية.. نعم كنت أتمني ولكن الأماني تبقي أماني. المهم أن نحاول أن نعلم أولادنا أن يكونوا أكثر تعاطفا مع الإبداع ومع المبدعين من الأجيال الحالية، فمع احترامي الشديد للجمهور الحاضر ألاحظ أن التقدير للأدب قليل جدا، يكفي أن ترى الاهتمام الجماهيري والإعلامي لجماهير الكرة والطرب وترى أين مكانة الأدب وسط هذا.. حتي الفن الجاد اعتبر أن أم كلثوم العظيمة علي مدى عمرها بأكمله لم تجن ما تجنيه مطربات هذه الأيام في كليب واحد. وعلق "أكره بشده الرثاء للذات والنفس لكن أي مجتمع لكي يحقق التقدم لابد أن تكون للثقافة والفن فيه وضع محترم، وهذا الوضع ليس لدينا في الثقافة على المستوى العام". دور الترجمة وعن علاقته بالترجمة يقول طاهر أن الترجمة تلعب دورا مهما جدا في حياتنا، وقد ترجمت عشرات الأعمال التي لم تجمع في كتب عندما كنت أعمل في البرنامج الثاني بالإذاعة وترجمت كتاب في بداية حياتي وهي مسرحية من 9 فصول، وترجمت "الخيميائي"، وعندما حضر باولو كويلو وطلب مقابلتي، قال انه سمع أن سبب رواج الرواية في اللغة العربية هو الترجمة، فشكرته وأخبرته أن روايته نجحت في اللغات التي ترجمت إليها. وأضاف طاهر أن "الخيميائي" ليست بالرواية الفذة، ولذلك حاولت البحث عن سبب نجاحها فوجدت أنها تحمل رسالة أمل في الوقت الذي يتعطش فيه كل العالم لهذا الأمل. وقال: ورغم أني عملت كمترجم محترف في الأممالمتحدة لكني اعتقد أن الترجمة الأدبية أهم وسيلة إلتقاء بين الشعوب، وأنا دارس تاريخ ولكني قلت مرارا إني تعلمت من الأدب عن حياة الشعوب أكثر مما تعلمت من التاريخ، وقد عرفت روسيا من خلال دستوفيسكي وتشيكوف وتولستوي أكثر بكثير مما عرفتها من خلال دراستي للتطور التاريخي للعهد القيصري. وأتمني أن تقوم عندنا مدرسة للترجمة عن الآداب المختلفة، بمعني وجود تيار أو مدرسة فنية لها إتجاه، نرجو أن تكون لدينا مدرسة في سبيلها للتكوين. خلال الندوة إفساد النخبة وفي سؤال عن وضع المثقف المصري العربي من القضايا الثقافية مثل رواية "مترو" ومصادرة مجلة "لإبداع"، أكد بهاء طاهر أنه تم إفساد النخبة عن عمد بحيث نصل لهذه النتيجة، وقد حدث تغيير فادح في الشخصية المصرية خلال العشر سنوات الأخيرة. والحل لن يحدث إلا بالتضحية التي غابت عن ثقافتنا فكل منا يحتاج لغيره أن يدافع عنه ويتحمل العبء. وعن سؤال ماذا كان يتمني لو لم يكن أديب، أكد أنه يتمني أن يكون أديبا أيضا ولم يتمنى تغيير مهنته، قائلا: منذ كنت تلميذا في المدرسة الابتدائية قررت أن أكون كاتبا وكنت أدرك مما الاحظه من حولي أن هناك مهن كثيرة تحقق للفرد نجاحا أكثر من مهنة الكتابة لكني اخترت هذه المهنة وأنا راضي عن اختياري ولو عاد الزمن لاخترت نفس المهنة مرة أخري. واختتم طاهر قائلا: أننا نعيش عصر في غاية الغرابة حيث تظهر كتب لا تمت للأدب بصلة ويكتب عنها رواية وتوزع بشكل كبير جدا، معلقا "وأظن ان نجيب محفوظ لم يحلم أن يوزع مثل "ربع جرام" مثلا، ولكن هذه الكتابات تظهر وتموت، والعمل يمكن أن يبقي إذا مر بنوعين من الامتحانات الأول هو الجمهور المثقف فإذا قبل عملا يكون مر بالمرحلة الأولي ولكن حتي الجمهور ممكن يخطىء لكن المحكمة الأخري هي التاريخ فالعمل الذي يعيش ربع قرن تأكدوا أنه يعيش دائما". وفي نهاية اللقاء تسلم الكاتب الكبير شهادة التميز الثقافي التي يمنحها المعهد لرموز الثقافة المصرية.