بهاء طاهر: لا نعترف بجدارتنا إلا بشهادة من الخارج جانب من الحلقة مع بهاء طاهر محيط – شيرين صبحي حمل معه بذور الريف المصري الأصيل ومنذ الصغر ظهر نبوغه اللغوي وفي المدرسة السعدية نبت الوعي السياسي ونبتت موهبته الأدبية حتي كانت الجامعة مرحلة الانطلاق للحياة العملية بالإذاعة قبل أن تنطلق أولى أعماله الأدبية .. نتوقف معه لنعرف كيف يمكن لأديب أن يصل بكتاباته عن الواقع المصري إلي الجائزة العالمية للرواية العربية .. إنه بهاء طاهر. بهذه الكلمات قدم شريف بركات في برنامجه "علمتني الحياة" الذي تبثه قناة "المحور"، للمبدع الكبير بهاء طاهر وهو الصعيدي الذي أوضح في بداية حديثه انه لم يعش حياة الصعيدي مائة بالمائة ولا الحياة القاهرية مائة بالمائة وقال أن حياته كانت سلسلة من التغرب وأن لديه جوعاً لأن ينتمي لمكان واحد دونما تزييف . عن ذكرياته فى مدرسة السعيدية يقول طاهر انه يتذكر الغارات التي كانت تبدأ وتضطر الناس أن تلجأ للمخبأ، ثم الغلاء وشح المواد التموينية، متذكرا في تلك الفترة انه كانت هناك أزمة في القمح لدرجة أن الناس كانوا يأكلون المكرونة بدلا من الخبز. كان العالم حينها برأي طاهر يمتلىء بالأمل ، حيث بداية القضاء علي النازية والفاشية، وفي مصر حلم إنتهاء الإحتلال البريطاني ، كان كل فصل بالمدرسة السعيدية عبارة عن برلمان وكان حزب الأغلبية في ذلك الوقت حزب "الوفد" فتجد معظم التلامذه بالفصل وفديين ومعهم جريدته في ذلك الوقت باسم "المصري" وتجد أحزاب الأقلية الكتلة والسعديين والأحرار الدستوريين، وأيضا تجد صفا به الإخوان والشيوعيين. كانت كل هذه الأطياف المختلفة وقت تبدأ المظاهرة ضد الإحتلال أو ضد حكومات الأقلية التي يعينها فاروق، تجدها متحدة علي كلمة واحدة مثل "تحيا مصر". الندم على النشر وفي سؤال لمقدم البرنامج إذا كانت هناك أشياء كتبها ولم ينشرها؟ أجاب طاهر بأن هناك الكثير، قائلا أحيانا أندم على ذلك ، ولكن أغلب الأوقات أقول لنفسي أن أندم علي أني لم أنشر خير من الندم على أني نشرت. ثم ردا على سؤال حول ما يدفعه للندم ، قال طاهر : أن أنشر شيئا لم يكن يستحق ، وأنا أحاسب نفسي حسابا عسيرا جدا وقبل أن يحاسبني النقاد والقراء أضع نفسي مكان أقسى ناقد وأصعب قارىء. وعن سبب اختياره لكلية الآداب قسم التاريخ بدلا من الحقوق يقول: ليس هناك فرق ما بين التاريخ والحياة المعاصرة إلا أشياء بسيطة ، بمعني أن الحياة المعاصرة هي امتداد للتاريخ. وفي سؤال حول ثورة يوليو ، قال الأديب أنه لم يؤمن بأفكارها فحسب لكنه كان يدعو لهذه الأفكار مثل كل الطلبة وقتها ، وتذكر أن أول مدرسة طالبت بخروج الملك من مصر كانت مدرسة السعيدية الثانوية . أما عن أول صدمة أخذها من الزعيم عبدالناصر فكانت محاكمات الثورة ؛ فقد أرادوا من الثورة استكمال أوجه النقص في الديمقراطية بمصر وليس العكس ، أما عن نكسة 1967 فقد كانت بالنسبة لجيله " خبطة علي الدماغ لم نفق حتي الآن منها".. ويستطرد قائلا: لا يعني هذا أنني ضد عبدالناصر مطلقا. العالم كله منفاي مقدم الحلقة والضيف سأله المذيع عن سبب استبعاده من الإذاعة المصرية رغم عمله بها ومساهمته بتأسيس البرنامج الثاني ، ورد طاهر بأنه عام 1975 كان وزير الثقافة المصري "يوسف السباعي" وقال السباعي من ليس معنا فهو ضدنا ، وكان البرنامج الثاني يهدف للتعبير عن كل التيارات الفكرية اليسارية، اليمينية، المستقلة، التقدمية، والرجعية، وهكذا، ورفض أن تفرض عليه أسماءا بعينها وتيارات للحديث عنها لأنها كانت عديمة الأهمية ، وكانت كل الأسماء الثقافية الهامة مبعدة من الصحافة والإذاعة للمنافي ، وافتقدت الحياة الثقافية المصرية في عهد السادات أي حيوية تذكر ، كما قدمت تقارير للجهات الأمنية في البرنامج الثاني تتهمه بأنه شيوعي ، وعلى الرغم من أن هذه الأجهزة كانت دائما لا تجد ما يؤيد الإتهامات . وأضاف : ظهرت في هذه الآونة التيارات الإرهابية الفكرية لأننا لم نكن نمتلك ثقافة تتصدى لها . وتساءل المقدم هل كان السادات علي علم بالمثقفين الذين يتم اعتقالهم ، ورأى طاهر أنه على الأقل كان على علم بالتوجه لنفي المثقفين وإن لم يكن بالضرورة يعلم جميع الأسماء . وسؤل : أين كان منفاك؟، فرد طاهر بعد تنهيدة طويلة : العالم كله في الحقيقة، وبعد خروجه ظل يبحث عن عمل ، فقام بالسفر للسنغال وسيريلانكا والهند والسند وفيينا وباريس للترجمة تلك المهنة التي يعرفها ، وظل ست سنوات تقريبا كل شهرين يكون ببلد مختلف ، إلى أن استقر المقام به في جنيف عام 1985م ، وظل هناك بعد أن أنهكه كثرة السفر حتى عام 1995م . وعن حياته في جنيف يقول أنها مرت بمراحل مختلفة فالبداية كانت مثل بداية أي شخص مهاجر أو مسافر إلي مكان.. كانت رفض من الجانبين من جانبه وجانب أهل البلد ، وهذا ينعكس بشكل واضح في قصص مثل "بالأمس حلمت بك". وبسؤاله عن سبب كراهيتهم لنا رغم أن وقتها كان السلام سائدا ، فقال أن ذلك له أسباب كثيرة أولها أن علاقتنا بالغرب كانت علاقة المستغل بالمستغل وكان الإستعمار موضع استغلال ، ولا يمكن نفسيا ولا منطقيا أن تكون هناك ندية في التعامل. ويجيب طاهر على سؤال متعلق بسبب إحجامه عن الكتابة للسينما بالرغم من أنه كتب للتليفزيون والمسرح ، بأنها مثل "حجة البليد" ، واعتبر أن أروع فترة في تاريخ الفن المصري التي اعتمد فيها هذا الفن علي النصوص الأدبية وقدم الكثير من الروائع في الستينات مثل "دعاء الكروان" لطه حسين، "الحرام" ليوسف أدريس، "اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، وأعمال إحسان عبدالقدوس .. الآن من الأشياء التي تلفت النظر أنهم الفنانين حينما يتحدثون عن "النص" لا يقولون "النص" بل يقولون الورق، ورأى أن بذلك دلالة كبيرة جدا ، فهو إن لم يكن احتقار ولكن استهانة شديدة جدا بالكلمة المكتوبة. ورفض القول بأننا نعاني من أزمة نص ، وقال : أعطني مسئولية مؤسسة مسرح أو سينما وأنا أعمل لك ألف نص جديرين بالمتابعة ، أما عن حال الفن في الوقت الحالي فاعتقد أن هناك رواج كمي في مقابل أعمال قليلة جيدة . صاحب البوكر الرواية الفائزة بجائزة البوكر هيكل قال أن فوزك بالبوكر شهادة للبوكر علي سلامة المعايير الأدبية التي تتبعها.. فماذ تمثل لك جائزة البوكر؟ سؤال وجهه المذيع ، وأجاب طاهر بأنه يعتز بمقولة هيكل، وانه سعيد جدا بالجائزة لأنها مجزية من الناحية المادية والأدبية وفيها معايير كافية للنزاهة والحياد في تقدير الفائزين بها ، مستدركا أن الذي لا يسعده هو انه ليست لدينا الثقة الكافية في أنفسنا بمعني أننا أتينا بالشهادة من الخارج بأننا جيدون ولا سيما الجانب الأوروبي فتصبح هذه الشهادة هي المعتمدة وليست شهادة القارىء العربي ابن بلدك. "واحة الغروب" هكذا رأها البعض "هي رواية قاتمة مليئة بالشجن.. بطل واحة الغروب هو نصف مثقف نصف خائن نصف ثوري".. هل يقرأ بهاء طاهر المستقبل علي هذا النحو؟ سؤال آخر وجه لطاهر ، فأجاب : أتذكر كلمة الكاتب العظيم تشيكوف "ليس معني أنني أكتب عن أشياء محزنة أنني أريدكم البكاء عليها ولكن أريدكم أن تغيروها" ، وهذه إحدي الطرق التي يعبر بها الأدب عن موقفه من المجتمع، أن أوضح لك مدي قتامة وسوء هذه الصورة التي يعرضها عليك العمل الأدبي فتحاول أن تغيره. وقال طاهر ردا على سؤال متعلق بجائزة نوبل للآداب ، بأنه لا يفكر في الجائزة مطلقا ، لأنها من جهة بعيدة جدا ولأن أعظم جائزة لدى الكاتب هي جائزة الجمهور ، واعتبر أن نوبل الحقيقية أخذها في الثمانينات عندما نشر رواية مسلسلة تسمي "قالت ضحي" وكان في الخارج حينها وحضر لمصر أثناء نشرها وكنت يقف عند بائع جرائد الساعة الثانية صباحا وقد صدرت المجلة التي تنشر فيها الرواية وهي "المصور" فحضر شخص واشتري المجلة وقلب في صفحاتها وفتح علي الصفحة التي بها الحلقة ووقف تحت عمود نور يقرأها.. " حينها قلت أن أي مجد سأحصل عليه بعد ذلك لا يوازي تلك اللحظة" . سنوات الغربة تقدير الدولة لك عوضك عن سنوات الغربة؟ سؤال طرح على بهاء طاهر والذي رد عليه قائلا : من المؤكد أن حصولي علي جائزة الدولة التقديرية سنه 1998 كان نوع من التعويض عن العشرين عاما عذاب التي تعذبتها بسبب قرار الإبعاد عن الشغل والبلد. وعن سبب رفضه لجائزة مبارك، يقول طاهر: من أجل إتاحة الفرصة للصديق العزيز الراحل رجاء النقاش أن يحصل علي هذه الجائزة لأن من ضمن شروط هذه الجائزة أن يكون الكاتب مرشحا لها في حياته، والنقاش رشح لها وهو حي ثم انتقل إلي رحمة الله، فلو لم يفز بها هذه المرة لم يكن ليرشح لها بعد ذلك أبدا. أما عن سبب انسحابه من إتحاد الكتاب، فيوضح انه منذ بدء إتحاد الكتاب وهناك صراع ما بين الإتحاد ووزارة الثقافة حيث يريد الإتحاد أن يكون مستقلا يعبر عن صوت الكتاب الذين هم بطبيعتهم متمردون وبين الوزراة التي هي بطبيعتها جهة مهيمنة، وانتهي الأمر بهيمنة الوزارة علي الإتحاد فتركته بعد أول دورة بعد عامين ولم أعد للإتحاد إلا بعد عودتي لمصر بعد 25 عاما ورجعت للإتحاد وأنا أحلم باستقلاليته ولكن ثبت أن ذلك غير صحيح فهيمنة وزارة الثقافة عليه كبيرة كما هي. وحينما سأله المذيع : هل تري أن وزارة الثقافة ليس لها دور الآن؟ فتساءل طاهر متعجبا وهل كان لها دور قبل ذلك؟! لا أعرف.. لا أري لها دور إيجابي قبل الآن، وأذكر أن وزارة الثقافة أيام د. ثروت عكاشة عندما أنشأ المعاهد الأكاديمية للباليه والفنون المسرحية وغيره، وعندما عمل مشروع الألف كتاب الأول.. هذه كانت انشاءات مادية للثقافة كان يرادفها ويوازيها جنبا لجنب دور للمثقف . وعن قول د. فتحي سرور رئيس مجلس الشعب أن مصر تعيش مرحلة إنفلات التحول، يقول طاهر أري أن الشعب المصري لديه مشاكل كثيرة جدا ليس من بينها الإنفلات مطلقا لكن من بينها القمع وأشياء كثيرة . دور المثقف بهاء طاهر قصص الخمسينات وصفتها بأنها كانت نضالية، الستينيات كانت مفككة كالبيئة من حولها التي كانت مفككة، في رأيك قصص اليوم تعبر عن ماذا؟ ، أجاب طاهر عن هذا السؤال بأنها تعبر عن حالة القلق والتمزق الذي يعيشه هذا المجتمع، القلق الإجتماعي العام الذي يعبر عنه حكايات الشباب الذي يركبون المراكب لكي يغرقوا.. أعتقد ليس هناك صورة رمزية أكثر من هذا توضح كيف يعيش هذا المجتمع. وعن سبب عدم قراءته للصحف، يقول لأن التكرار ممل جدا فجريدة اليوم مثل جريدة الأمس مثل أول أمس، وهذا لا يصيب فقط بالملل ولكن بالإحباط، تشعر أن الزمن تجمد إذا كنت تقرأ كل يوم الكلام نفسه وبالتالي سوف أتجمد أنا الآخر . وردا على سؤال حول انصلاح حال الثقافة ، قال طاهر أن ذلك حينما يصبح المثقف دوره المستقل موازيا للسلطات الأخري في المجتمع، حينما يظهر المثقف وهو الناقد النزيه للأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تحتاج إلي تغيير، يكون هو الداعية لهذا التغيير. وسأله المذيع عن أشياء ندم عليها في حياته ، فأجاب طاهر بأن من بينها أنه لم يحسن استغلال وقته كما ينبغي، أما عن الشيء الذي يفتقده فهو الروح التي كانت موجودة في مطلع حياته والتي وصفها بأنها روح الأمل، ذلك الذي يعني أنك قادر على تغيير مجتمعك وتغيير العالم ، فعلى الرغم من أنه على مستوى الاحلام الشخصية حقق أشياء بالفعل ولكنه أخفق في الحلم العام. ما الذي علمته لك الحياة؟ سؤال اختتم المذيع به حلقته الثرية مع بهاء طاهر ، فرد بأنه تعلم ألا يفقد الأمل برغم كل عوامل اليأس، فرغم كل الإحباطات الداخلية والخارجية فقد تعلم أن الإنسان الذي كرمه الله قادر علي أن يواجه كل هذه التحديات متي أخلص في العمل وأخلص النية. إقرأ أيضاً "واحة الغروب" .. تساؤلات ضابط مصري في عصر الهزيمة